استعداد حركة « حماس » لتمكين حكومة التوافق الوطني من ممارسة صلاحياتها الكاملة في القطاع والتفاوض للوصول إلى حلول لكافة القضايا بالخلاف القائم في الساحة الفلسطينية منذ ما يزيد على عشر سنوات.. حول هذه المسائل تدخل الساحة الفلسطينية في جدل حول إمكانية «المصالحة» أو إنهاء الانقسام والذهاب إلى تجديد شرعية النظام السياسي وحول حيوية وديمقراطية ورُسو هذا النظام عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني حيث أمكن.
هذا الجدل في الواقع ليس جديداً كما أن الحديث عن «استعداد» حماس ليس جديداً، أيضاً.
الجديد في الأمر هو أن هذا «الاستعداد» يأتي في ظل وجود عدد كبير من قيادات الحركة في مصر وما يبدو وكأنه استجابة حمساوية لرغبات مصرية وهو ما يدخل «الحوار» أو التفاوض مع حركة حماس في مرحلة جديدة قد تكون لها نتائج مغايرة هذه المرة، وقد تكون الرغبة المصرية نفسها هي حجر الأساس في النتائج التي يمكن أن تترتب على حوارات القاهرة القادمة.
الدليل على أن الرغبة المصرية هي الشيء الأهم، والجديد هو موقف حركة فتح من هذه التصريحات التي بدت على هيئة استعدادات.
فقد صرح عزام الأحمد أنه سيتوجه إلى القاهرة للتباحث مع القادة المصريين حول هذه المسائل.
الأرجح أن يتم عقد جولة استكشافية بين حركة فتح وحركة حماس والأرجح أن يتم من خلال هذه الجولة التعرف على حقيقة هذه الاستعدادات.
فإذا كان الأمر يتعلق «بتزامن» الشروط لكي يتحول هذا الاستعداد إلى وقائع حقيقية، فالأمر لن ينتج عنه أي اختراق وستعود الأمور إلى سابق عهدها.
ستحاول حماس تصوير نفسها بأنها تعلق «كل شيء» من أجل إنهاء الانقسام وستعود لاتهام حركة فتح بأنها هي من تعطّل «المصالحة».
أما فتح فإنها لن تتردد في تأكيدها على أن حركة حماس تناور لأسباب تتعلق برغبتها في تحسين العلاقة مع مصر دون أن تقدم على أية خطوة حقيقية باتجاه إنهاء الانقسام.
الحقيقة أن حركة حماس إذا كانت جادة فيما صرحت به وأبدت الاستعداد له تستطيع الإعلان من حلّ اللجنة دون تفاوض لأن هذه المسألة ليست خاضعة للتفاوض ولا يجب أن تكون.
أما تمكين حكومة التوافق الوطني من القيام بمهامها فإنها، أيضاً، مسألة ليست للتفاوض أو الحوار، إنما ما هو ضروري للحوار والتفاوض هو القضايا الرئيسية التالية:
أولاً: ما هو الحد الأدنى والحد الأقصى للمدة الزمنية التي سيتم خلالها تحديد موعد الانتخابات.
بمعنى بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر من ممارسة حكومة التوافق الوطني لمهامها وصلاحياتها في قطاع غزة أم ان تمديد الموعد لذلك سيظل مفتوحاً إلى أن يتم «إرضاء» حركة حماس بعشرات المطالب التي نعرفها وعشرات أخرى لا نعرفها بعد.
إذا كان الأمر كذلك ـ وأغلب الظن أنه كذلك بالنسبة لحركة حماس ـ فإننا في الواقع أمام رهن جديد للساحة الوطنية كلها لرغبات وطلبات حركة حماس.
أي أن حركة حماس ستكون في موقع الذي يفرض حق النقض (الفيتو) على كل محاولة للإصلاح أو التغيير أو أية إجراءات لها طابع وطني شامل.
ثانياً: إذا كانت حركة حماس تهدف من خلال هذه «الاستعدادات» إلى «منع» انعقاد الدورة القادمة للمجلس الوطني تحت مسمى جديد وهو الاتفاق والتوافق على الخطوات العملية لتمكين حكومة التوافق من ممارسة مهامها وصلاحياتها فإن هذه الاستعدادات ستتحول في الواقع من توجه جاد نحو إنهاء الانقسام إلى مناورة سياسية تكتيكية فيها كسبٌ جديد للوقت وفيها الكثير من عناصر المماطلة والتسويف.
لهذا كله فإن الحوار أو التفاوض مع حركة حماس لا بدّ وأن يكون محدداً وملموساً في هذه المسألة بالذات.
ثالثاً: إذا كانت حركة حماس جادة في هذه الاستعدادات فإن عليها أن تفصح عن رأيها من دون أية مواربة حول دخول المنظمة من عدمه، وما هي رؤيتها الحقيقية وليس التكتيكية لهذا الدخول، والآلية التي من خلالها يمكن لها دخول المجلس الوطني والمشاركة في دورته الجديدة وكل ما يمكن أن يترتب على عقد هذه الدورة على الصعد السياسية والتنظيمية والإجرائية.
رابعاً: إذا كانت حركة حماس تريد أن يتم إنهاء الحصار حقيقة فما هي الفائدة التي تجنيها حركة حماس من خلال التحكم بالمعابر إلاّ إذا كانت في حقيقة الأمر لا تزال تراهن على استمرار سيطرتها على القطاع واعتبار «عودة» حكومة التوافق الوطني لممارسة صلاحياتها على القطاع مجرّد عودة شكلية ليس فيها من مظاهر السلطة والصلاحيات سوى الاسم فقط.
خامساً: إذا كانت حركة حماس جادة فكيف لها أن تجيبنا عن السؤال التالي:
ما هي الأزمة التي تعاني منها حركة حماس إن هي دخلت النظام السياسي على أساس الانتخابات ودخلت المنظمة على أساس نظامها المعمول به للكل الوطني، وإن هي حاولت الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات الوطنية بما فيها المجلسان الوطني والتشريعي؟
ما هي حقيقة الأزمة التي تتحدث عنها حركة حماس. هل هي أزمة مالية؟
ولماذا لا يترك لحكومة الوفاق الوطني أن تقوم هي بإدارة ومعالجة هذه الأزمة.
هل هي أزمة مواد غذائية وكهرباء؟
أين بالضبط تكمن هذه الأزمة ولماذا لا يتم «سحب» الذرائع من كل الذين «يقفون» وراء هذه الأزمات وتقوم حركة حماس بتسليم المعابر للسلطة الوطنية وتتصرف هي كفصيل فلسطيني قوي ومعارض؟
أليس هذا هو الحل الذي يخلص القطاع من كل الأزمات ويضع حركة حماس على قدم المساواة مع الكل الوطني في المسؤولية عن حلها.
أليس الأفضل لحركة حماس إن هي غادرت الرهان على الاستمرار بحكم قطاع غزة أن تتفرغ لعملها الوطني والاجتماعي وأن تشارك كما يشارك الجميع في التصدي لكل المشكلات الوطنية بما فيها المشكلات الخاصة بقطاع غزة؟
إذن، إلى أن تجيب حركة حماس عن طبيعة الأزمة وعن حقيقة هذه الأزمة فإن الأسئلة تظل قائمة وحركة حماس لا تستطيع أن تجيب على كل هذه الأسئلة بالمناورات والتكتيكات والالتفافات المستمرة.
لو أن حركة حماس حسمت أمرها باتجاه «التخلص» من عبء التحكم بقطاع غزة، وحيث فشلت فشلاً ذريعاً في إقناع أحد بهذا الحكم، بل وحتى فشلت فشلاً ذريعاً في إقناع قطاعات واسعة من حركة حماس نفسها لهذا الحكم... لو أن حركة حماس حسمت أمرها بالتخلي عن هذا الحكم وهذا التحكم ربما لكسبت نفسها وكسبت ثقة الناس أو استعادت جزءاً من هذه الثقة، وربما لكسبت اعتراف المحيط وتقديره.
إذا كانت حركة حماس تملك قرارها فعلاً فعليها التخلي وبأسرع وقت عن استمرار حكمها للقطاع لأن هذه المسألة بالذات هي مصلحة خالصة لحركة حماس وهي مصلحة خالصة للكل الوطني، وهي مساهمة جادة في التصدي للمشروع الإسرائيلي.
أما ما عدا ذلك فكله مناورات ومداورات لن يخرج عنها سوى المزيد من شراء الوقت، وفي هذه الأثناء يدفع أهلنا هناك الثمن باهظاً تماماً كما يدفع الشعب كله نتائج هذه السياسة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية