في مقابلة له مع صحيفة "جيروسالم بوست" في الأول من شهر أيلول الحالي، هي الأولى منذ تعيينه سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في إسرائيل، أظهر دافيد فريدمان مواقف منحازة لصالح إسرائيل من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يفخر بها عتاة التطرف اليميني في إسرائيل. وهي بدون شك مواقف تثبت بأن آراءه السابقة التي أعلن عنها قبل تعيينه في هذه المهمة لم تتغير، وهذا ما أكده شخصياً في رد على سؤال للصحيفة يذكره بدعمه لمستوطنة "بيت إيل" وهل تغيرت مواقفه الآن، عندما قال "لا أريد أن افترض أن مواقفي تغيرت فعلاً كثيراً، ربما الخطاب تغير".
فريدمان الذي ركز على مهمتين له في إسرائيل وهما تقوية التحالف الإسرائيلي - الأميركي والمساعدة في الوصول إلى سلام واستقرار في المنطقة، قال إن الرئيس دونالد ترامب يضع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في أعلى سلم أولوياته، وإنه إذا وجد أن هناك فرصة جيدة لصالح الطرفين، سينتهزها ويساهم في استغلالها، وأضاف، إننا "لسنا هناك بعد". بمعنى أن الإدارة الأميركية لم تصل إلى قناعة حتى الآن بأن الفرصة مؤاتية لسلام في الشرق الأوسط. وعندما سئل عن خطة ترامب قال إنه "اتخذ قراراً استراتيجياً ألا يتحدث بصراحة عن خططه وعن المعايير المحتملة"... وإن الطريقة الوحيدة  للوصول إلى نتائج هي الإبقاء على المناقشات المستمرة سرية لأن التسريبات ستأخذها في اتجاهات مختلفة.
ولعل أقوال فريدمان بشأن الاحتلال والاستيطان هي الأسوأ، فهو يعتبر أنه لا يوجد احتلال باستخدام مصطلح "الاحتلال المزعوم"، وأن الاستيطان لا يشكل عقبة في طريق السلام، ولكن في نقطة معينة، الاستمرار في توسيعها غير مفيد. وانتقد فريدمان إدارة الرئيس أوباما التي حسب اعتقاده بالغت في انتقاد الاستيطان بحيث إن أي مستمع لإدارة أوباما يعتقد أن المستوطنات تغطي كل الضفة الغربية، وفي الواقع هي اقل من 2% من المنطقة. أي حسب اعتقاد فريدمان تستطيع إسرائيل ان تستمر في البناء الاستيطاني دون ان يؤثر ذلك على تسوية الصراع. ويرى أن رؤية إدارة ترامب للاستيطان تختلف عن رؤية إدارة أوباما. وهو يوجه انتقادات شديدة لسماح الإدارة السابقة بمرور قرار مجلس الأمن رقم 2334 حيث إنها لم تستخدم حق النقض "الفيتو". وإن مهمته هي إصلاح الخلل الذي تسببت فيه تلك الإدارة للسنوات الثماني الماضية.
ويؤمن فريدمان أن الاستيطان وإن كان قضية تفاوضية فهو لا يجب أن يكون على نفس المستوى مع الإرهاب لأن قتل الحياة البريئة ليست بغيضة وحقيرة وغير ملائمة لعملية السلام مثل بناء وحدات سكنية. وهنا يقصد السيد فريدمان أن العنف و"الإرهاب" الفلسطيني الذي يبرز كل عدة أسابيع حسب تعبيره هو الذي يخلق مشاكل لترامب، الذي بالرغم من ذلك يضاعف جهوده من أجل تحقيق نتائج إيجابية. وبخصوص موضوع نقل السفارة الأميركية إلى القدس فالمسألة ليست خاضعة للنقاش إلا من حيث التوقيت، وهو محسوم وفقط ما تبقى هو اختيار التوقيت المناسب، والإدارة الأميركية تدرس متى تنفذ عملية النقل ليس إلا. 
يعدنا السيد فريدمان بمواصلة إسرائيل البناء في المستوطنات وتوسيعها بضوء أخضر أميركي حيث لا تزال أمام الإسرائيليين فرصة لاقتطاع المزيد من الأراضي طالما أن النسبة ضئيلة. ولا يلاحظ فريدمان وإدارته أن الاستيطان ينتشر في كل مناطق الضفة الغربية وخاصة في القدس وما حولها، وأن الهدف المعلن حسب الوزير نفتالي بينت هو الوصول إلى رقم المليون مستوطن، وأن نتنياهو أعلن بصراحة أن عملية الاستيطان هي جوهر السياسة الإسرائيلية وأن الحكومة لن تخلي أي مستوطنة في المستقبل وأنها لا تتورع عن بناء مستوطنات جديدة في أماكن جديدة.
كما يعدنا باستمرار الاحتلال طالما هو مزعوم وغير قائم فعلياً، وممنوع على الفلسطينيين محاولة القيام بأي شيء لتغيير هذا الواقع "المزعوم"، فكل شيء جيد، والمشكلة تكمن فقط في" ثقافة الكراهية" و"تمويل الإرهاب" و"التهديدات" التي تواجه إسرائيل. ويعدنا بالبحث عن حل يقوم على مبدأ رابح - رابح بحيث يشعر الطرفان بأنهما أفضل مع الحل من البقاء بدونه. وهذا من غير الإفصاح عن مبادئ التسوية وجدولها الزمني وهدفها النهائي، بل لا يعدنا بخطة أميركية في المستقبل المنظور، فإدارته لم تتبين بعد الفرصة لتحقيق التسوية ويبدو أنها لن تظهر إذا كان الهدف هو إرضاء نتنياهو الذي يتمتع بالكيمياء الرائعة والاستثنائية التي بينه وبين الرئيس أوباما حيث يتمتع الاثنان - حسب فريدمان - بشخصية قيادية حاسمة.
والواقع أن ما كشف عنه فريدمان، وهو بالمناسبة ليس جديداً إلا بكونه موقفاً رسمياً واضحاً يختلف عن التصريحات السابقة ما قبل الانتخابات، لا يبشر بخير لمستقبل العملية السياسية التي تقودها الولايات المتحدة والتي يبدو أن مستقبلها ليس أفضل من كل الوعود التي أطلقها ترامب ولم ينفذ أياً منها، باستثناء بناء الجدار الإشكالي والذي يتعرض لانتقادات شديدة بشأنه بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي يلتهم الكثير من المليارات على حساب بنود عديدة في الموازنة الأميركية. وينبغي أن يكون اليمين الإسرائيلي بعد مقابلة فريدمان مع "جيروسالم بوست" أكثر سعادة بموقف الإدارة الأميركية الذي ينحاز لإسرائيل أكثر بكثير من غالبية الإسرائيليين بل يتغلب في المغالاة على بعض قطاعات اليمين المتطرف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد