بصرف النظر عما يواجهه رئيس الوزراء الإسرائيلى من اتهامات بالفساد فى أكثر من قضية يتم التحقيق فيها معه، وما يطرحه ذلك من إمكانية تقديم لوائح اتهام ضده قد تجبره على التخلى عن رئاسة الوزراء، التى يتولاها للمرة الرابعة فى تاريخه، فإن السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو ما تأثير كل ذلك على الجانب الفلسطينى، وعلى عملية التسوية السلمية للصراع العربى الإسرائيلي، أى هل يؤدى اختفاء نيتانياهو إلى إحداث تقدم فى عملية السلام فى الشرق الأوسط ويحرك القضية الفلسطينية؟

بداية يجب أن نشير إلى أن قضايا الفساد ليست حدثاً جديداً فى الحياة السياسية الإسرائيلية فهناك قضايا متعددة شابت أهم القيادات التى تولت مناصب شديدة الحساسية (شارون وقضية الجزيرة اليونانية الوزيران أرييه درعى وافيجدور ليبرمان الحكم بالسجن على رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت)، إلا أن العنصر الجديد هنا أن نيتانياهو يتعرض لعدة قضايا وتحقيقات وضغوط فى توقيت واحد. وبالرغم من أن ملفات الفساد لا تزال مفتوحة ضد نيتانياهو إلا أن الأمر لن يصبح جدياً إلا فى حالة تقديم لائحة اتهام تدينه وهو ما لم يحدث حتى الآن حيث يسعى لاستخدام كل أدواته كى لا يصل الأمر إلى هذا الحد، ومن الضرورى أن نوضح مدى ما يتمتع به نيتانياهو من ثقل حالياً بما قد يمكنه من مواجهة أية تداعيات سلبية على وضعيته:-

> أن نيتانياهو يترأس حكومته الحالية منذ حوالى سنتين وهى وإن كانت لا تتمتع بأغلبية كبيرة فى الكنيست (68 عضوا) إلا أنها تعتبر حكومة قوية إلى حد كبير وبها قدر واضح من التناغم السياسى المتطرف ونجحت فى مواجهة المشكلات التى تعرضت لها.

> نجاح نيتانياهو فى تجاوز سلبيات علاقاته مع الإدارة الأمريكية السابقة بإقامة علاقات وطيدة مع إدارة الرئيس ترامب التى تؤيد الموقف الإسرائيلى وتدعمه بشكل مطلق.

> توجه نيتانياهو نحو إظهار تأييد إسرائيل لموقف المعسكر السنى فى مواجهة المعسكر الشيعى (الإرهابي) الذى تمثله إيران مما دفعه إلى التصريح فى أكثر من مناسبة بأن علاقاته العربية تطورت كثيرا ولم تصبح إسرائيل هى العدو الرئيسى للعرب.

> أن الأحزاب المتشددة التى تشارك نيتانياهو فى الائتلاف الحاكم حالياً ترى أن بقاءه فى الحكم يحقق لها مصالحها، خصوصا أنها لا تضمن أن تحصل فى أية انتخابات مبكرة على نفس عدد الأصوات الذى تتمتع به حاليا، كما يمكن لها فى الوقت نفسه الضغط على نيتانياهو لتحقيق بعض مطالبها المادية أو السياسية، خاصة بناء المستوطنات.

> أن المعارضة الإسرائيلية فشلت حتى الآن فى أن تثبت أنها البديل المقبول من جانب الرأى العام الإسرائيلى إذا ما سقط نيتانياهو وحكومته.

أما فيما يتعلق بالتساؤل الرئيسي: هل استمرار نيتانياهو فى الحكم يصب فى مصلحة الفلسطينيين أم أن تخليه عن المنصب إذا تطورت قضايا الفساد ضده يمكن أن يكون مقدمة لدفع عملية السلام، فيبدو أن نيتانياهو سوف ينجح بصعوبة فى تجاوز مشكلات الفساد المحيطة به وبالتالى فإن فرص بقائه فى السلطة هى الأكثر ترجيحا حتى لو لجأ إلى انتخابات مبكرة وهو ما يعنى عدم وجود أى تقدم فى عملية السلام لصالح الفلسطينيين وسيظل الأمر يدور فى حلقة مفرغة لكسب مزيد من الوقت حتى وإن أجبره الرئيس ترامب على بدء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

وفى الجانب المقابل علينا طرح سيناريو آخر وهو تخلى نيتانياهو عن الحكم بفعل قضايا الفساد، وإنه حتى فى هذه الحالة لن يكون هناك تقدم فى عملية السلام نظرا للعاملين الرئيسين التاليين:

> أن البديل المتوقع لنيتانياهو سيكون أحد القيادات اليمينية التى تتبنى موقفاً متشدداً من القضية الفلسطينية وأسقطت من حساباتها مبدأ حل الدولتين، خصوصا أن المعارضة الإسرائيلية لا تزال ضعيفة ولا تستطيع أن تتحمل مسئولية تقديم تنازلات للفلسطينيين، كما أن المجتمع الإسرائيلى لا يزال يرى فى أحزاب اليمين القدرة على تأمين الدولة وعلى مواجهة الإرهاب الذى يضرب منطقة الشرق الأوسط.

> القيود المحيطة بالمحددات الخارجية التى يمكن أن تؤثر فعليا على القيادة الإسرائيلية الجديدة، وهى كلها محددات لا تدفع فى اتجاه الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلى لإطلاق عملية مفاوضات جادة. ويأتى فى مقدمة هذه المحددات استمرار الانقسام الفلسطيني، واستمرار سيطرة حماس على قطاع غزة واحتمالات حدوث مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وضعف الموقف العربى وانشغاله بمشاكله الداخلية، وضعف الموقف الأوروبي، والتباطؤ الواضح فى قوة اندفاع إدارة الرئيس ترامب لحل القضية الفلسطينية.

وفى ضوء ما سبق لا أرى أن هناك ثمة تغيير يعتد به يمكن أن يحدث فى حالة اختفاء نيتانياهو عن الساحة السياسية، ومن ثم فإن بقاءه فى الحكم من عدمه لن يحمل جديدا لصالح القضية الفلسطينية ما لم تحدث متغيرات حقيقية فى معادلة الوضع الراهن فى المنطقة، أهمها تصعيد الفلسطينيين مقاومتهم السلمية بشكل متواصل، وهو العنصر الأكثر قابلية ليكون مؤثرا مقارنة بأية عناصر إقليمية أو دولية أخرى سوف يطول انتظارها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد