برشلونة التي ضربها الإرهاب الداعشي، أول من أمس، مدينة تجمع مئات الملايين حولها، ربما لأن اسمها ارتبط بفريقها الكروي المميز ونجومه المعروفين أكثر من بعض زعماء العالم.
لا ندري كيف كان الإرهابي يفكّر وهو يدهس أطفالاً ونساءً وشيوخاً جاؤوا من أنحاء العالم بحثاً عن الهدوء والاستجمام لأيام معدودة. هل فكر بصرخات طفل تدوسه عجلات الشاحنة أو تصور لدقيقة واحدة منظر الجثث الممزقة والمصابين المصدومين من هول الفاجعة؟
أي فكر هذا الذي يحضّ على ذبح الأطفال ودهس العجائز في الشوارع الآمنة؟ وأي دين تستند إليه هذه الزمرة الإرهابية التي لا تستحق أن تكون ضمن المنظومة الإسلامية.
الإرهاب الداعشي ليس وليد يوم وليلة، وإنما نتيجة لأفكار جهنمية متطرفة زرعت في كثير منّا خلال سنوات طويلة، بدءاً من شعارات تردد في كثير من المناسبات تحمل كماً هائلاً من التكفير والتعصب والتطرف، وليس انتهاء بالمناهج التعليمية القديمة.
تقسيم المجتمع لم يبدأ مع داعش، وإنما مع كل من يحاول أن يصور الحياة على أنها قسمان: أبيض وأسود، كافر ومؤمن، نار وجنّة، لا وسطية ولا مفاهيم حضارية ولا ثقافة إنسانية جامعة، لأن كل هذا خارج إطار الفكر الإرهابي.
فكر داعش غُرس خلال عشرات السنوات في عقول العديدين، وجاء من يستغل هذه العقول الممسوخة.
الغريب في الأمر أن كل أتباع داعش أو الذين قاموا بهجمات إرهابية في أوروبا هم من أصحاب السوابق الجنائية والمجرمين ومتعاطي المخدرات. وفجأة يريدون أن يتطهروا من إجرامهم الشخصي عبر إرهابهم الدولي.. أيّ طهارة هذه الغارقة بالدم؟
المشكلة الحقيقية تكمن في أن الفكر الإرهابي يحتاج إلى خطة استراتيجية طويلة الأمد للتخلص منه. ولكن بدايتها يجب أن تكون بإعادة صياغة المناهج الدراسية في العالم الإسلامي، يجب أن يكون هناك منهاج حول الثقافة الدينية بأبعادها الإنسانية والروحية الصحيحة، يقوم على قاعدة تقبُّل الآخر والمساواة بين جميع أبناء البشر والدفاع عن حقوق الناس وآرائهم.
في أوروبا هناك من ينتظر هذه الأعمال الإرهابية ليؤكد نظريته العنصرية الشعبوية.. ولهذا نشاهد تصاعد المظاهر العنصرية ضد الأقليات وخاصة المسلمين كنوعٍ من الانتقام لما يقوم به هؤلاء المرتزقة الإرهابيون الذين لا يقدّرون نتائج إجرامهم.
إن اتساع ظاهرة الإسلاموفوبيا هو نتيجة لمجمل الأعمال الإرهابية... أو ربما كانت الأخيرة بحاجة إلى هذا الإرهاب لكسب مزيد من المناصرين لأفكارها العنصرية.
الفكر الإرهابي يضرب في كل مكان يمكن أن يصله حتى في قطاع غزة ، رغم التحذيرات المتكررة من تنامي هذا الفكر التكفيري، والتأكيد على أن التسامح مع هذه المجموعات منذ سنوات طويلة أتاح المجال أمامها لأن تضرب وتفجر وتقتل من تساهل مع فكرها المنحرف والشاذ.
العرب والمسلمون بحاجة إلى أن يرفعوا صوتهم ويعيدوا النظر في ثقافة مجتمعية سائدة حول مفاهيم دينية، ليست لها علاقة بسماحة الدين، لأن الإرهاب يقتل الأطفال تحت مسميات دينية.
ولهذا مطلوب منا اجتثاث كامل للأفكار الشاذة، ونبذ أصحابها، دون ذلك فإن هذا الفكر سيعمل على اجتثاثنا.
في المقابل، هناك عنصرية وشعبوية تتنامى في الغرب وما حدث في الولايات المتحدة قبل أيام يُدلِّل على أن الجماعات العنصرية لا تقل خطورة عن "داعش" في عدم قبول الآخر، القائم على قاعدة من ليس معنا فهو عدو لنا.
ملاحظة: لا ندري كيف يستقي الرئيس الأميركي أفكاره وما هي مراجعه الثقافية؟ تغريدته الأخيرة حول قتل من يسميهم "الإرهابيين المسلمين" من خلال رصاصات مغموسة بدم خنزير سيحد من الهجمات الإرهابية لأن الإرهابيين يخافون من موتهم بهذه الرصاصات.
سخافة وانحدار ثقافي لا أصل له في الديانات، ففرق بين تحريم أكل الخنزير وأن يلمس المسلم الخنزير أو يتلطّخ بدمائه. ولكن لا تنسوا أن من أطلقوا هذه الخرافة المضحكة هم العنصريون المتطرفون في مستوطنات الاحتلال عندما طالبوا بوضع لحم خنزير بجانب جثامين الشهداء.. ثقافة عقيمة وفكر ساذج نتمنّى على القادة أن لا تهبط مستوياتهم الفكرية إلى هذا الحضيض.
abnajjarquds@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية