الحاجة كريستينا لعاطف أبوسيف في صالون نون
غزة / سوا / نظم صالون نون الأدبي مساء أمس ندوة لمناقشة سؤال الهوية في رواية عاطف أبو سيف الأخيرة "الحاجة كريستينا" الصادرة عن دار الأهلية في عمان.وذلك في مركز عبد الحوراني بمدينة غزة.
قامت الأستاذة فتحية صرصور بتقديم الكاتب والرواية حيث قالت أن الرواية الرواية بين حيوات ثلاث، وبيئات جغرافية ثلاث؛ فمن يافا إلى لندن فالمخيم في غزة، ومسميات ثلاث لفضة أو كريستينا، فمن مواطنة في يافا، لإنكليزية تحيا بفلسطينيتها في لندن، انتهاء بلاجئة في مخيم من مخيمات غزة، ففضة ابنة يافا، والحاجة كريستينا التي عاشت الشتات، تعود كمتضامنة مع أهل غزة فتأتي ضمن سفينة كسر الحصار.. من خلال الحاجة كريستينا يلج الدكتور عاطف في روايته لسرد أهم مفاصل القضية الفلسطينية؛ حيث تطرق إلى مرحلة الانتداب، ف النكبة ، ثم الانشغال في المقاومة ببيروت، لينتهي بمرحلة الحصار المفروض على غزة، ولم يغفل أهم التحولات في حياة الشعب الغزي والتي أفرزها الانقسام، وما جلبه على الشعب من المعاناة الجماعية.
بدورها قدمت الدكتور سهام أبو العمرين مداخلة نقدية في الرواية. قالت فيها إن رواية الحاجة كريستينا هي "بحث مستمر" عن الهوية والذات التي أضحت منقسمة تائهة في عالم تتبدل قيمه يبحث عن المعنى وسط الخراب.
وأضافت يمتلك عاطف أبو سيف مشروعًا روائيًّا ذا خصوصية بإثارته لقضايا جوهرية تمس الذات الفلسطينية الباحثة عن الخلاص(..) منوهة إلى أن الرواية وإن حملت اسم شخصية وهو "كريستينا" والتي تعد مركز الأحداث، ومفعول الحكي ومادته، والنقطة التي تلتقي عندها خيوط الحكي المتشعبة، فلا يمكن أن نعدها رواية شخصية/ رواية البطولة الفردية بالمفهوم الكلاسيكي. "كريستينا" هي صوت الجماعة، وصورة للذات الباحثة عن هوية، ورمز للتشريد الفلسطيني وتغريبته،. كما لم يخضع زمن الخطاب الرائي للترتيب النسقي الكرونولوجي، بل بدأ ببنية زمنية لاحقة لزمن الحكاية محددة ببعض المؤشرات الزمنية "أربعة أسابيع قبيل حرب 2014 على غزة، أي بعد اختفاء الحاجة كريستينا بخمس سنوات تقريبا، حيث انشغال أهل غزة بالحديث عن شبح ضخم يظهر ويختفي في البحر، لتكون بداية الأحداث بداية غرائبية سحرية.
قدم الكاتب مشاهده الماضوية المسترجعة كما لو أنها تحدث الآن، إذ اعتمد على تقنية الاسترجاع المشهدي حيث تقديم الماضي طازجًا للمتلقي، مع تقديم بعض المحددات الزمنية لتنتظم الحكاية في ذهن المتلقي. ثم تمعن الرواية في التوغل في الماضي لتصبح رحلة غوص في الماضي ببعديه القريب والبعيد، وتلك العودة قد أسهمت في تشكيل صورة للحاضر الذي بات مستلبًا مأزومًا. فكانت العودة للماضي محاولة لفهم الحاضر، ومحاولة لإيجاد إجابات عن أسئلة الحاضر الملتبسة والمعلقة.
كانت كريستينا صوت الماضي، وراوية المخيم بما تملكه من مخزون الحكايا عن الماضي بمآسيه وتمفصلاته، فهي "مصدر ومُصّدر القصص الوحيد" في المخيم لتكون مثل "حكواتي الحارة في يافا" الذي شغفت بقصصه في الصغر، لتصبح قصصها مع الزمن "ملكًا للجميع، جزءًا من التاريخ العام للحارة" .
رغم ازدواجية عالمها وهويتها ظل الوطن قابعًا داخلها، ولعل المشهد النصي الذي قام فيه السارد بالتبئير على "كريستينا" وقد اصطحبها الرجلان الغربيان في الجيب اللاندروفر متوجهين للمطار قاطعين الطريق بالقرى الفلسطينية المحتلة، من المشاهد التي وضعت المتلقي في مواجهة انتماء كرستينا الحقيقي للوطن، فقد سألت أحد الرجلين عن وجهتهم التي يقصدونها، فرد عليها نحن ذاهبون للوطن، وكان يقصد بريطانيا، باعتبار كرستينا أحد رعاياها. لتشير بيدها للطريق كأنها تقول هنا الوطن. لتصبح الرواية رحلة الغوص في الذاكرة للبحث عن الهوية المستلبة.
وختمت أبو العمرين إن الرواية ثرية وجديرة بالدراسة والقراءة، وتمثل إضافة للأدب الفلسطيني المعاصر.
في مداخلته قال الكاتب الدكتور عاطف أبو يسف ثم قال: من المؤكد أن كثيرا من الأشياء التي يقولها النقاد لم تدر في عقل الكاتب، فكثير من الأسئلة قد تكون نتاج تأملات كبرى. المرأة الفلسطينية هي البطل الحقيقي في الرواية وهي تشكل محاولة للاحتفال بمساهمة المرأة الكبيرة في وعينا وفي تشكيل هويتنا ، كريستينا شكلت بؤرة هذا الاحتفال حيث فرض نفسها وبدأت شخصيتها تنمو بين أقرانها دون تخطيط. وقال: السؤال الكبير هو: ما المساحة بين الواقع والظن، فثمة مساحات لإعادة تشكيل الواقع ليبقى خيالا.
الرحلة الفلسطينية هي رحلة بحث وفقد، يغترب الفلسطيني ويعود، ومن هنا يبزغ سؤال الهوية طالما أن المكان موجودا.
عاطف أبو سيف روائي فلسطين صدر له ست روايات. ترشحت روايته قبل الأخيرة "حياة معلقة" للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية.