في جلسةِ نقاشٍ تبدو عاديةً مع أحدِ زملائي في المهنةِ حول الخبرِ الذي استفز مشاعرَنا بعد أن أعلنت الصحفُ العبريةُ أن صناعاتِ العدو الإسرائيلي تمكنت من إطلاقِ قمرين صناعيين للفضاء بنجاح، بالتعاونِ مع شركاتٍ فرنسية وأن هذا يخدمُ مجالَ البيئةِ والمناخ وَفقا للادعاءات الصحفية العبرية.
أيقنت أنا وزميلي أنه لازال طريقُ التحريرِ طويلاً جدا في ضوءِ المتغيراتِ التي نعيشُ في ظلِّها، خاصةً أن الصناعاتِ الفلسطينيةَ لاتكادُ تلقى رواجاً داخل الأسواقِ الفلسطينية فما بالكم بصناعاتٍ تقتحمُ الفضاء، ما سبق ليس استهانةً بقدراتِ الفلسطيني المبدع والمفكر، فهناك صناعاتٌ وطنيةٌ نعتزُ ونفتخرُ بها وهناك قدراتٌ وخبراتٌ تركت فصولا عدة في كتبِ التاريخ عن المثقفِ والعالمِ والمهندسِ والطبيبِ الفلسطيني، ولكنّ ظروفَنا في الأرضِ المحتلةِ مختلفةٌ تماما، فلدينا ثقافةٌ جديدةٌ يسعى العديدُ من عظماءِ الشعبِ الفلسطيني لِنَيلِ جزءٍ من هذه الثقافةِ وهي ثقافةُ كيف تكون مناضلا ؟
لا أخفيكم أني أحببت دوما أن أكونَ مناضلا على طريقتِهم، ولكن ما أعاق ذلك هو أن لكلٍ طريقتَه في المقاومةِ والنضالِ وأنه لا يقتصرُ على السلاحِ وان القلمَ هو أيضا سلاحٌ يخشاه العدو، لأن صداه يعبرُ الحدودَ والسدودَ وهو طلقةٌ يتواصلُ صداها إلى أيِّ مكانٍ، ولأن انحصارَ النضالِ الوطني من وجهةِ نظرِهم في من يحملُ السلاحَ ويقاتلُ الاحتلالَ ومن يلقي الحجارةَ على الجنودِ ويشعلُ الإطاراتِ المطاطيةَ في منتصفِ الشوارع، هذا شكلُ من أشكالِ النضالِ ولكنه لم يثمرْ حتى الآن ويُنجبْ لنا دولةً تحققُ أحلامَنا أو أحلامَ أطفالِنا.
سألتُ أحدَ كبارِ القومِ في بلادي كيف أًصبحتَ مناضلاً؟ فأجاب إن أقصرَ الطرقِ لتكونَ مناضلا هي نصيحةٌ وجهها لي الفنانُ العربي السوري الكبير دريد لحام " إن أردت أن تصبحَ مناضلا ورجلا سياسيا مشهورا ويكونَ لك ثقلٌ سياسي واقتصادي في بلادِك، فلا تترك مقاما ولا مكانا إلا وتتحدث فيه عن القضيةِ الفلسطينيةِ وحريةِ الشعبِ الفلسطيني في تقريرِ مصيرِه ودعم المقاومة وأهمية عودة اللاجئين وأن القدس َ هي العاصمةُ الأبديةُ والوحيدةُ للدولةِ الفلسطينيةِ وأن الصهيونيةَ والامبرياليةَ العالمية هي سببُ نكسةِ الأمة العربية والإسلامية وتخلفهما وأن المشروعَ الامبريالي الصهيو أمريكي يستمدُ قوتَه من ضعفِنا نحن العرب" ، على رأي دريد لحام هكذا تصبحُ مناضلاً ووطنياً كبيراً.
هل أنت مؤمنٌ عزيزي القارئ بتلك الدباجةِ التقليديةِ لمفاهيمِ النضال وأنها قادرةٌ على أن تصنعَ منك قائداً أو مناضلاً وطنياً عظيما، هل تكفي ركعتا صلاةِ الضحى لوصفِك بأنك إنسانٌ ملتزمٌ دينيا ولديك حسٌّ وطنيٌّ ومناضل كبير أم حديثك للإذاعات والفضائيات والصحفِ ومواقعِ التواصل الاجتماعي يمكن أن يضعَك في خانةِ الإنسانِ الوطني، تساؤلاتٌ عدةٌ عن صفاتِ الرجلِ الوطني أو المناضل .
أريد أن أسألَ المناضلين عن حجمِ الانجازِ الذي تحقق خلال 69 عاما من احتلالِ إسرائيل للأراضي الفلسطينية، لا اعترافٌ دولي بالدولةِ الفلسطينية، وما جرى هو محاولةٌ لإنجابِ دولةٍ فلسطينيةٍ من خلال الأنابيب عبر اتفاقِ أوسلوا، وما نجحت تلك الفكرةُ، لأن الولدَ خرج من بطنِ أمِّه عاقا لوالديه، فعندما وصل الرئيسُ الراحلُ ياسر عرفات إلى غزة ، حلقت طائرةٌ إسرائيلية فوق مقرِّ الرئاسةِ على شاطئِ بحر غزة، أيقن بعدها أنه ما زال يعيشُ تحت الاحتلالِ وأن معركتَه مع إسرائيل لم تنتهي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية