تلجأ الكثير من الدول كثيفة السكان و تلك التي تعاني من نسب بطالة مرتفعة ، لعدم قدرة السوق المحلي على خلق فرص عمل كافية إلى تصدير خدمة العمل ( تشجيع عمل مواطنيها في الخارج) . يحقق تصدير العمل سواء من خلال تسفير بعض المواطنين إما بشكل مؤقت أو دائم الكثير من المزايا أهمها تقليل الطلب على العمل محليا و تخفيف الضغوط الاجتماعية و السياسية التي تسببها البطالة و زيادة التحويلات الواردة لها سواء نقدية أو سلعية من مواطنيها الذين يعملون في الخارج .
تعتمد الكثير من الدول على التحويلات المالية remittances كمصدر هام لتغذية الموازنة العامة بالعملة الاجنبية و تعزيز النشاط الاقتصادي و حركة الشراء و البيع و رفع نسب الادخار البنكي و المنزلي و تشجيع الاستثمار . التحويلات سواء كانت نقدية أم عينية هي تلك الاموال و السلع التي يقوم العاملون في الخارج بإرسالها إلى بلدانهم الأصلية .
في العقود الماضية شكلت تحويلات الفلسطينيين العاملين في دول الخليج و في السوق الإسرائيلي و غيرها من مناطق العمل لعائلاتهم في فلسطين أحد أهم مصادر الدخل القومي الإجمالي الفلسطيني و في تمكين عائلاتهم و تنشيط حركة السوق و الاستهلاك و الاستثمار . لكن مع دخول العراق للكويت عام 1990 و ما تلاه من طرد لعشرات آلاف العائلات الفلسطينية من الخليج العربي عامة ومن الكويت خاصة ، و نشوب الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 م مما قلّص بشكل كبير عدد العمال الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلي ، فقد المجتمع الفلسطيني المتواضع في حجمه و إمكانياته أحد أهم مصادره.
في دراسة حديثة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للسكان ، بلغ عدد العاملين سواء بشكل مؤقت أو دائم في غير بلداتهم حول العالم حوالي 200 مليون شخص ، يحصلون على إيرادات سنوية قيمتها ثلاثة تريليون دولار (3000 مليار دولار يتم تحويل 15% ( نصف مليار دولار) إلى بلدانهم الاصلية.
تستحوذ بعض الدول العربية على نصيب مهم من هذا التحويلات مثلا: مصر17 مليار دولار ، المغرب 7 مليار ، الاردن 5 مليار ، لبنان 7 مليار ، اليمن 4 مليار و الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 2 مليار دولار. على المستوى الدولي تحتل المكسيك المرتبة الاولى من حيث قيمة التحويلات بقيمة تصل 24 مليار دولار سنويا يليها الصين بـ 18 مليار و الهند بـ 11 مليار دولار .
في حين أن تصدير خدمة العمل للخارج يحقق الكثير من المزايا مثل اكتساب خبرات و ثقافات جديدة، تمثيل بلدان العاملين في الدول المستقبلة لهم ، تخفيف الطلب على الوظائف في بلدانهم و تعزيز السياحة و تشغيل شركات الطيران المحلية و الدولية منها و إليها . فإن له تداعيات سلبية منها : حرمان بلدانهم من خبراتهم والتسبب في مشاكل اجتماعية و أسرية أحيانا و اضطرار الدول المصدرة إلى مراعاة و محاباة الدول المستقبلة لمواطنيها كما يحدث بين دول الخليج و بعض الدول العربية. و غيرها من التداعيات السلبية الاخرى .
ولأهمية التحويلات سواء للموازنة العامة أو المجتمع ذاته كأفراد و مؤسسات بالنسبة للدول المصدرة للعمل و كذلك حاجة الدول المستقبلة لها، فقد لجأ الطرفان إلى مأسسة و تنظيم سوق العمل بينهما من خلال ما يطلق عليه " نظام الإعارة أو الانتداب و ذلك بما يحقق عدالة الاختيار بين الراغبين بالعمل في الخارج و تقليل تداعيات خروج آلاف الكفاءات على السوق المحلي . كذلك إعطاء ضمانات للدول المستقبلة على أن العمالة القادمة إليها ستكون عناصر مفيدة لها و لن تتسبب في مشاكل سياسية او اجتماعية أو أمنية في ظل زيادة مخاطر العمليات الإرهابية و سرعة تنقلها عبر الحدود .
فلسطينيا : حسب دراسة صادرة عن صندوق الامم المتحدة للسكان ، يتوقع أن ينمو عدد السكان في الاراضي الفلسطينية من 4,7 مليون نسمة حاليا إلى 6,9 مليون عام 2030 وإلى 9,5 مليون نسمة عام 2050 . حتى سنة 2030 سيزداد حجم القوى العاملة من 1,3 مليون شخص حاليا إلى 2,3 مليون شخص عام 2030 وإلى حوالي 4 مليون نسمة عام 2050 .
في ظل الضغوط التي يعانيها الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني من الارتفاع الكارثي لنسب البطالة حاليا خاصة بين حديثي التخرج ، مع الاخذ في الاعتبار صغر حجم الاقتصاد الفلسطيني و آفاق النمو و التي ستظل محدودة فلن يكن بمقدوره استيعاب عشرات آلاف الخريجين الجدد سنويا . لذا لا مناص من تصدير خدمة العمل الفلسطيني للخارج لمواجهة كارثة البطالة حاليا و مستقبلا .
لذا يتوجب العمل و بشكل فوري على توقيع اتفاقيات رسمية من قبل السلطة الفلسطينية و الجامعات الفلسطينية و مراكز التدريب المهني مع دول أخرى تكون بحاجة للقوى العاملة بكافة أنواعها لاستيعاب آلاف العاطلين عن العمل حاليا أو مستقبلا في فلسطين . فمهما يحدث من تطور على سوق العمل الفلسطيني ، سواء تحت الاحتلال أو بعد زواله لن يكن بمقدوره مواجهة متطلبات النمو السكاني مستقبلا . و لأن البطالة هي مصدر كل الشرور فإن العمل الجاد و المجدي كفيل بحل عشرات الأزمات و الأمراض الاجتماعية المترتبة عليها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية