تدفع بِنَا الأزمة التي تعانيها غزة هذه الأيام، إلى محاولة معرفة التفاصيل الحقيقية، وطبيعة الوضع المالي في القطاع المحاصر، ومدى صوابية ادعاء السلطة بالتمويل والدعم، وهو أمر يقتضي منا أن نشرع بتتبع سنوات الانقسام السابقة، حيث يعلن الرئيس محمود عباس وفريقه السياسي والأمني منذ أكثر من عشر سنوات -وفي كل مناسبة- أن غزة تستهلك أكثر من 60% من موازنة السلطة الفلسطينية، لذا توجب سرد بعض التفاصيل التي تتعلق بما تجبيه وتدفعه السلطة لغزة، حيث بلغ إجمالي إيرادات المقاصة 8930 مليون شيكل لعام 2016. حصة قطاع غزة التقديرية فيها تقارب الـ 40% بواقع 3572 مليون شيكل، بينما جاءت المنح المقدمة لقطاع غزة لتمويل النفقات التشغيلية قرابة 588 مليون شيكل لذات العام، وما حصلت عليه السلطة نتيجة تجديد ترخيص شركة الاتصالات والتي تعمل في جميع أنحاء الوطن (غزة والضفة) بلغت 290 مليون دولار في ديسمبر 2016، حصة قطاع غزة منها 116 مليون دولار بمعدل 40%. بالإضافة إلى المنح الخارجية التي لم تحصل عليها غزة منذ 2007.
أيضاً تجديد جوازات السفر لسكان القطاع بما يعادل 60000 جواز سفر سنوياً يمنح الخزينة مبلغ وقدره 16800000 شيكل. بالإضافة إلى تصديق شهادات وأوراق زواج وكل ما يتحاج إلى تصديق من قبل السلطة في رام الله لسكان القطاع في الداخل والخارج.
كما أُجبرت الشركات ورجال الأعمال من القطاع على فتح مشتغل مرخص لكل منها في الضفة الغربية كي يتم السماح لها بالعمل حتى تجبي السلطة الضرائب منها بسهولة. يضاف إلى ذلك الضرائب التي تدفعها البنوك العاملة في غزة وشركات التأمين وغيرها.
أما فيما يتعلق بإعمار غزة حسب تقرير البنك الدولي لشهر إبريل 2017، فإن وارد التبرعات والمنح الدولية التي حصل عليها صندوق الإعمار في وزارة المالية برام الله بلغ 1796 مليون دولار، ذهب منها 670 مليون دولار بما يعادل 37% لغزة، و230 مليون دولار دعم لوكالة الغوث بمعدل 16%، ومساعدات إنسانية 280 مليون دولار بما يعادل 16%، فيما ذهب مبلغ كبير إلى دعم موازنة السلطة في رام الله من تلك التبرعات والمنح بلغت 336 مليون دولار، وبقي في بند الوقود 86 مليون دولار، وأشياء أخرى لم يتم تسميتها بلغت 131 مليون دولار بمعدل 7%، والسؤال هنا: ماذا يقصد بأخرى؟ وأين غزة من نصيب دعم موزانة السلطة الضخمة؟ وهل بالفعل تم رصد مساعدات إنسانية للقطاع المحاصر بمبلغ 280 مليون دولار؟ وهل تم استخدام وقود بمبلغ كبير تجاوز 86 مليون دولار؟!
أما فيما يتعلق بالرواتب، فقد بلغت حصة الرواتب والأجور خلال العام 2016 نحو 7844 مليون شيكل، حصة قطاع غزة منها 2902 مليون شيكل بنسبة 37.2% مقابل 4942 مليون شيكل بنسبة 62,8% للضفة الغربية، مع العلم أن هناك زيادة في فاتورة الرواتب -خلال العشر سنوات الماضية- بنسبة تقدر بـ41%، هذه الزيادة أتت في ظل وقف التوظيف والتعيينات الجديدة لغزة منذ عام 2007 رغم تقاعد عدد كبير دون توظيف بديلاً عنهم، إضافة إلي حرمان موظفي غزة من العلاوات والترقيات والدرجات والمواصلات وقطع الرواتب.
إن خصم رواتب الموظفين في قطاع غزة لشهر مارس 2017 قرابة 72 مليون شيكل، أي ما يعادل 19 مليون دولار، وهنا يجب الإشارة إلى أن هناك فروق كبيرة في نصيب الفرد من الدخل الإجمالي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أن نصيب الفرد في الضفة 2581 دولار بينما نصيب الفرد في غزة 1003 دولار، يعني ذلك سوء توزيع الدخل والفوارق بين محافظات الضفة وغزة، ويتبع ذلك الكثير من القرارات والمراسيم التي أصدرها الرئيس منذ بداية الانقسام الفلسطيني والتي كانت تصب باتجاه التخلص من غزة والاستفادة من إيراداتها عن بعد فقط.
كما يجب الإشارة إلى أن إصدار مرسوم لموظفي الدولة في غزة بعدم التوجه نحو العمل، ومعاقبة كل من يخالف ذلك القرار، كان سبباً في إحجام بعض الموظفين عن ممارسة عملهم داخل تلك المؤسسات، مما أدى إلى قيام حركة حماس بتوظيف شواغر جديدة شكلت –لاحقاً- عبئاً على المصالحة وصارت أحد أبرز العوائق في تحقيق المصالحة. حيث أنه لو استمر الموظفون بالدوام لتم تدارك الأمر وتصحيح المسار، وبالتأكيد لتم التوصل لتفاهمات لتسيير العمل دون المساس بالمؤسسة الرسمية، واستبعادها عن أي خلاف سياسي بين حماس والسلطة في ذلك الحين.
ادعاء الرئيس والحكومة برام الله أن غزة تحصل علي 60% من موازنة السلطة أمر غير صحيح البتة، بل لا يكاد يتجاوز الـ15%، لكن قيادة السلطة تهدف من وراء ذلك تحقيق عدة أهداف: الأول يتمثل في إقناع المجتمع الدولي أن السلطة حريصة على مصالح القطاع وتعمل على تحقيق التنمية لديه حتى بعد الانقسام. ثانياً: تحاول السلطة من خلال هذا الادعاء الحصول على أكبر قدر من المال لجيوب رجالات السلطة. وأخيراً: تهدف إلى التغرير بالمواطن في الضفة الغربية أن غزة تحصل على حجم أكبر من الموازنة العامة للسلطة دون الكشف عن الإيرادات التي تجبيها السلطة من غزة، الأمر الذي يجعل مواطني الضفة في وضع مالي سيء بخلاف وضع قادة السلطة الفلسطينية، ويثير احتقان الشارع هناك ضد غزة وسكانها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية