مدخل :
الحج في الاصطلاح والممارسة التعبدية لأي دين هو شد الرحال إلى الأماكن المقدسة التي لها علاقة وطيدة بعقيدة الحاج وإيمانه، والوقوف في الموقع الذي يرتبط بتاريخ دينه ومسيرة من بشّر به وأتباعه الأوائل، بهدف التواصل الروحي بهم والتعبد وتجديد العهد على السير على دربهم واقتفاء أثرهم والتوبة والتكفير عن الخطايا والآثام التي اقترفها الحاج في حياته ومسيرته.
والحج موجود في الأديان السماوية والأرضية على حدٍ سواء، فالمسلمون الحج لديهم أحد أركان دينهم ويحجون إلى مكة حيث بيت الله العتيق وصعيد عرفات والشعائر المقدسة الأخرى، واليهود يحجون وفقاً للتوراة إلى حائط البراق (المبكى) في القدس ثلاث مرات في العام يبكون وينوحون على الحائط الذي يزعمون أنه من هيكل سليمان المهدم للمرة الثانية على يد الرومان، بينما المسيحيون قبلة حجهم هي فلسطين ومقدساتها المسيحية بدءاً من مهد المسيح في بيت لحم وصولاً إلى القبر المقدس في كنيسة القيامة، وفي الأديان الوضعية الحال ذاته حيث يحج البوذيون إلى أربع مناطق مقدسة لديهم تتوزع بين النيبال والهند وهي لومبيني مسقط رأس بوذا وبودجايا حيث نزول الوحي عليه حسب معتقداتهم وسارناث الهندية حيث باشر تعليمه وكوسينارا حيث مرقده، أما الهندوس فحجهم إلى مدينة الله أباد الهندية أربع مرات خلال 12 سنة وفي العام12 يكون الغطس عند ملتقى نهري غانغس وياومونا لتخليصهم من الخطايا .... وهلم جرا.
وهذا الحج ليس محلياً أو وطنياً بل عالمياً ويشمل جميع المؤمنين المعتنقين لهذا الدين أو ذاك في العالم ولو مرة واحدة في حياتهم، ونركز هنا على الحج في الديانة المسيحية وعلى الحجيج المسيحيين باعتبار فلسطين قبلة حجهم ومهوى أفئدتهم.
الحج في المسيحية ... نظرة تاريخية
الحج في المسيحية ليس ركناً أساسياً فيها مقارنة مع الإسلام الذي جعله ركناً خامساً من أركانه ، فالمسيحية أركانها الرئيسية هي التثليث والتجسد والصلب والقيامة، وما الحج فيها سوى ممارسة تكفيرية تدعو إليها الكنيسة وتباركها وهي مسار التوبة للتكفير عن الخطايا والآثام.
ومنذ المسيحية الأولى في ظل الحكم الروماني الوثني لفلسطين واضطهاد أباطرته للمسيحيين وتقييد قدومهم لفلسطين وزياراتهم لمقدساتها المسيحية حتى عهد الإمبراطور قسطنطين أوائل القرن الرابع ووقفه لهذا الاضطهاد والاعتراف بالمسيحية كدين رسمي للدولة بل واعتناقه لها لاحقاً وتشييد والدته هيلانة لكنيستي القيامة والمهد والتمكين للمسيحية، كانت أفئدة المسيحيين الأوائل ترنو إلى بيت لحم حيث الكهف الذي ولد فيه المسيح ، والى القدس حيث واقعة الصلب للمسيح والذي أصبح الصليب بعدها شعار المسيحية والمسيحيين وعقيدتهم ليصبح هذا الشغف والترحال تقليداً مسيحياً خالصاً أطلقوا عليه الحج المسيحي لهذه البقاع المقدسة للتعبد في أرض المسيح، وبدأ قدوم الحجيج المسيحيين من شتى أنحاء العالم نحو فلسطين، وبدأوا في تشييد الأديرة والنُزل حول هذه الأماكن المقدسة وصاحب ذلك تجارة وحراكاً سياحياً كبيراً.
واستمر هذا الحج المتصاعد بعدها طوال فترة الحكم الروماني حتى عام638م تاريخ وقوع فلسطين تحت الحكم الإسلامي بعد فتحها على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الذي بدأ عهده بالتسامح الديني وتوقيعه العهدة العمرية لبطريرك القدس صفرونيوس ورفضه الصلاة في كنيسة القيامة احتراماً للعبادة فيها وصلاته خارجها حيث شُيد مسجده الحالي(مسجد عمر) المجاور للكنيسة، ولم يتم منع حج المسيحيين إلى فلسطين من قبل الخلفاء المسلمين واستمر قائماً رغم بعض محطات الخلاف، ومن صفحاتها التي تشهد على ازدهار الحج المسيحي في عهد الخلافة العباسية (عهد هارون الرشيد) مفكرة كنائس بيت المقدس التي تضم حصراً كنائس وأديرة المدينة وضواحيها كدليل ارشادي للحجيج المسيحيين .
وفي القرن العاشر للميلاد صدر القانون الكنسي الذي يجعل الحج كفارة عن الخطايا، بل أصبح لدى بعض الطوائف المسيحية كالأقباط فرضاً على كل مسيحي لمن استطاع قبل وقفه وتحريمه عام 1967م بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية والضفة الغربية بفتوى من بابا الاقباط الأسبق البابا كيرلس السادس، وهو موقف وطني وديني للكنيسة المصرية تجدد نهاية السبعينيات برئاسة البابا شنودة الثالث الذي رفض أيضا زيارة القدس برفقة أنور السادات في سياق كامب ديفيد وأدانها وتعرض جراء ذلك ما تعرض من أذى وتضييق انتهى بنفيه وإبعاده الى دير وادي اللطرون في سبتمبر عام 1981م .
وتطورت حركة الحجيج سيما في أوروبا التي انتشرت فيها نهضة دينية كبيرة، بيد أن فترة الحاكم بأمر الله في عهد الخلافة الفاطمية (999-1021م) شهدت تشدداً ضد رعية الخلافة مسلمين ومسيحين على السواء، بيد أن الاضطهاد كان أكبر للمسيحيين مما قيد الحج المسيحي بشكل ملحوظ قبل أن يعود إلى طبيعته في مرحلة ما بعد الخليفة الحاكم، ومع وقوع فلسطين تحت الحكم الصليبي عام1099-1187م بعد الحملات الصليبية المتلاحقة والتي كانت دوافعها مزيجاً من الأسباب الدينية والسياسية والاقتصادية... وغيرها إلا أن الثابت أن بسط السيطرة على الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين وإدارة الحج لها كان في صُلبها ونقلها من ممارسة فردية إلى ممارسة جماعية عالمية وتسيير الرحلات لها دون قيود أو عراقيل.
وبقيت هذه الحالة لحين عودة الحكم الإسلامي لفلسطين مجدداً بقيادة صلاح الدين الأيوبي بعد هزيمته الصليبين في معركة حطين وصولاً للخلاقة العثمانية التي أبدت تسامحاً مشهودا تجاه الحج المسيحي لحين الحرب العالمية الأولى ووقوع فلسطين ومقدساتها تحت الاحتلال العسكري فالانتداب البريطاني، واستمرت حالة الاضطراب في فلسطين طوالها ونشوب الصراع العربي مع الحركة الصهيونية حتى قيام دولة إسرائيل ودخول البلاد في حالة عدم استقرار أمني واجتماعي أثرت سلباً وبشكل كبير على حركة الحجيج المسيحيين الى تاريخ قيام السلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو وملاحقه حيث انتعشت حركة الحج المسيحي مجدداً رغم نشوب الانتفاضة الثانية (الأقصى) وانعكاسها على الحالة الأمنية وتخوف الحجيج المسيحيين من القدوم جراء ذلك، وتبدي السلطة الفلسطينية تعاوناً وتسامحاً كبيراً في تيسير مواسم الحج المسيحي سواءً في عهد الرئيس الشهيد ياسر عرفات أو عهد الرئيس محمود عباس ، والحال ذاته في قطاع غزة حيث حكم حركة حماس الإسلامية.
وزارة الحج الاسلامي - السعودية
الحج ركن رئيس وخامس في الإسلام إلى جانب أركان الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة التي تشكل في جملتها أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض عين على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى مرة واحدة طيلة حياته لمن استطاع إليه سبيلاً، والاستطاعة تشمل توافر المال وصحة الجسد على السواء، ولا يكتمل إسلام المسلم إلا بتأديته هذه الفريضة القرآنية "ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" (القرآن الكريم- سورة آل عمران : 97 )، وكان أول حاج في الإسلام الرسول محمد عليه الصلاة والسلام سائراً على درب جده الخليل إبراهيم، والحج الإسلامي يكون إلى مهد الإسلام الأول في شبه جزيرة العرب (السعودية حالياً) حيث بداية الدعوة و رسالة الوحي في مكة المكرمة قبل الدولة في المدينة المنورة اللتان تقاسمتا رسالة الوحي متنزلاً بالقرآن الكريم، ويعتبر الوقوف بجبل عرفة بمكة هو جوهر الحج الإسلامي وقفاً للحديث الشريف (الحج عرفة). إلى جانب مناسك الطواف بالكعبة (بيت الله العتيق) والسعي بين الصفا والمروة... وغيرها من الشعائر.
واقتفى المسلمون رسولهم محمد في أداء مناسك فريضة الحج جيلاً بعد جيل مروراً بدولة الخلافة بفروعها المختلفة الراشدة والأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية.... الخ، وصولاً للدولة القطرية المعاصرة وتأسيس الملك عبد العزيز آل سعود مملكته في نجد والحجاز (المملكة العربية السعودية حالياً) التي اضطلعت بالإشراف على موسم الحج السنوي للمسلمين.
وتطور أداء العربية السعودية في الإشراف على الأماكن المقدسة بما فيها أداء مناسك الحج للحجيج المسلمين حيث خصصت وزارة مستقلة في حكومتها لتولي هذه المسؤولية العالمية (فريضة الحج لسائر مسلمي المعمورة) وسرعان ما توسعت لتصبح الوزارة الحج والعمرة للإشراف أيضاً على إدارة سنة العمرة على مدار العام للمسلمين التي تشابه مناسكها الحج، وتعتبر هذه الوزارة من أكبر وزارات المملكة وأكثرها إمكانيات لأن نطاق عملها يتجاوز مواطني الدولة ليشمل جميع مسلمي العالم بقاراته الست.
والحق يقال أن السعودية بما حباها الله من خيرات وإمكانيات هائلة سيما مع طفرة النفط تقوم بعمل مهني جبار في إدارة وتسيير موسم الحج السنوي ومواسم العمرة على مدار العام بكفاءة ومشهودة يتحدث بها جميع الحجاج من مختلف دول العالم رغم بعض ملاحظات القصور هنا وهناك حيث الكمال لله وحده، وأقصد هنا الجانب المهني التسييري بعيداً عن جدل السياسة وحساباتها المتداخلة.
واستطاعت المملكة باعتبارها الحاضنة للأماكن المقدسة الإسلامية الرئيسية فيها فرض سيادتها الكاملة على أراضيها وفي القلب منها مكة والمدينة وإدارة هذه المناسك نيابة عن العالم الإسلامي، ولا يعتبر ذلك ممارسة للسيادة فحسب، بل استفادت المملكة من هذه المواسم دينياً واقتصادياً وسياحياً وسياسياً ودبلوماسياً وعلى كل الأصعدة، في تجربة رائدة ت فتح المجال على مصراعيه لاضطلاع الفلسطينيين بمسؤولية مماثلة لإدارة الحج المسيحي في بلادهم.
وزارة فلسطينية للحج المسيحي
عندما نتحدث عن المسيحية نتحدث عن فلسطين وعن المسيح الفلسطيني – بالمفهوم القانوني المعاصر للجنسية والتجنس- ، وعندما نتحدث عن الأماكن المقدسة الإسلامية الأولى والرئيسية مكة المكرمة والمدينة المنورة نتحدث عن نظيرتها المسيحية في فلسطين ومدنها بيت لحم حيث ميلاد ومهد السيد المسيح عليه السلام، وعن مدينة الناصرة حيث بشارة المسيح، وعن القدس الشريف حيث صلب المسيح المتجسد وقيامته وصعوده إلى السماء – حسب العقيدة المسيحية- وهي المدن المقدسة التي شكل مثلثها مهد المسيحية الأولى ومسيرة المسيح منذ ميلاده حتى صعوده ورفعه إلى السماء تمهيداً لمجيئه الثاني القادم إلى الأرض والتي لا يكون الحج المسيحي إلا لها بشكل رئيسي وبالتالي فإن فكرة تشكيل وزارة فلسطينية لإدارة مواسم الحج المسيحي لبلادنا تعكس حاجة ملحة وطنياً وعالمياً، وإن غياب هذه الوزارة وعدم اضطلاع السلطة الفلسطينية بواجباتها المطلوبة خلق فراغاً استغلته سلطات الاحتلال ببراعة بسيطرتها على مواسم الحج المسيحي من خلال وزارة سياحتها ومؤسساتها المختلفة واستغلال هذه المواسم بما يخدم مصالحها وأهدافها وفي مقدمتها ترويج الرواية الإسرائيلية والدعاية الصهيونية عن حقوق اليهود في فلسطين بالتحالف مع الصهيونية المسيحية العالمية وتشويه تاريخ المنطقة وحقائقها.
كما أن دعوة البعض لاضطلاع الكنائس المحلية بتنظيم مواسم الحج أمر مستهجن وغير مقبول لأن أغلبها إداراتها غير فلسطينية، وأهل مكة أدرى بشعابها، ويمثل تخلياً للسلطة الوطنية عن واجباتها الدستورية والوطنية والدينية- كما يجري اليوم من تسريب متتالٍ ومفضوح لأوقاف الكنيسة الأرثوذكسية في القدس على مرأى الجميع بتواطؤ من ادارتها اليونانية- وإن استمرار السلطة في التعامل مع الحج المسيحي على أنه مجرد سياحة دينية فقط هو خطأ حسيم واهمال لمكانة فلسطين الأرض المقدسة، علاوةً على أهمية كف يد الاحتلال ورفعها عن الحج المسيحي وتنظيمه، إن هذه الخطوة المبادرة تجسد إرادة فلسطينية حقيقية لتولي الشعب الفلسطيني حكومته إدارة مقدساتها المسيحية والحج إليها وترسيخ عالمية بلادنا وقضيتنا العادلة وتحقيق جملة من الأهداف الكبيرة والهامة.
أهمية انشاء الوزارة الجديدة
إن فكرة تشكيل وزارة للحج المسيحي في فلسطين ليست فكرة اعتباطية أو عفوية غير مدروسة أو مجرد تطوير إداري أو دستوري في النظام السياسي الفلسطيني فحسب، الأمر في حقيقته ليس كذلك وإنما ترنو الفكرة إلى تحقيق جملة من الأهداف أبرزها:-
دينياً: إبراز وتعزيز المكانة الدينية لفلسطين أمام العالم المسيحي باعتبار بلادنا المقدسة مهد المسيح وبشارته ودعوته وجميع محطات حياته الدنيوية، ففلسطين المركز الروحي لمسيحييي العالم أجمع ولطالما رددنا للعالمين أن المسيحية نشأت في فلسطين ومنها انتشرت إلى ربوع الدنيا، ومناسك الحج المسيحي لا تكون إلا في فلسطين وفي مدنها الرئيسة (القدس- بيت لحم- الناصرة)، وبالتالي أهمية ربط العالم المسيحي بمختلف كنائسه وطوائفه ومذاهبه بفلسطين ربط المركز بالأطراف تماماً على غرار الحج الإسلامي إلى مكة والمدينة في العربية السعودية و رفض محاولات وقطع الطريق على بعض الأوساط لتمييع مركزية فلسطين في الحج المسيحي وإبراز أن هذا الحج لا يقتصر على فلسطين وإنما يمتد إلى دول أخرى كالأردن (مغطس نهر الأردن) ومصر والفاتيكان كمعقل للكنيسة الكاثوليكية وكنيسة القديس بطرس فيها التي تتضمن بعض المزارات أو الآثار المسيحية الثانوية، فالحج لا يكون إلا في فلسطين، وهذه الدول التي تحتضن بعض هذه الآثار- رغم أهميتها النسبية- يندرج السفر إليها ضمن السياحة الدينية أو الرحلات الاستكشافية.
سياسياً ودبلوماسياً: عندما تباشر فلسطين دورها الرسمي كمركز للحج المسيحي من خلال هذه الوزارة الوحيدة في العالم، فإن هذا سيحشد الدعم السياسي والتضامني للعالم المسيحي مع فلسطين وقضيتها العادلة في عالم يشكل المسيحيون فيه الديانة الأكبر واتباعها الأكثر وحضورها الأقوى على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية... إلخ، وستؤم وفود الحجاج من مختلف البلدان والطوائف والكنائس بلادنا من خلال وزارة الحج الفلسطينية إلى جانب الدعم الدبلوماسي من خلال تعزيز العلاقات الدينية البينية بين هذه الدول والمرجعيات الدينية والكنائس فيها مع فلسطين وسفاراتنا وقنصلياتنا في الخارج.
اقتصادياً: إن وجود هذه الوزارة سيوفر نهضة اقتصادية في فلسطين وسيحرك بقوة عجلة الاقتصاد الوطني والسياحة الاقتصادية من خلال تنظيم مواسم الحج المتتالية والدورية لفلسطين وإنعاش حركة السوق وعمليات الشراء والتبادل التجاري والصناعة السياحية والفندقية والمواصلات إلى جانب فرض رسوم متعددة على التأشيرات وحركة الدخول للأماكن المقدسة ... ونحو ذلك، وهذا كله سيرفع الناتج القومي وينعش الاقتصاد والدخل الفردي والعام على السواء.
وطنياً: دعم أبناء شعبنا المسيحيين بتعزيز حضورهم الوطني في الكنيسة المحلية في مواجهة الهيمنة وسيطرة النفوذ الأجنبي عليهم وتقليص دورهم وطمس مكانتهم لصالح الحضور الخارجي الذي يقود الوضع المسيحي في البلاد، وذلك من خلال توليهم بشكل رئيسي مسؤولية إدارة هذه الوزارة بهياكلها ومكاتبها المختلفة والتعامل الدولي معهم كمسؤولين فلسطينيين وأبناء البلد، وهذا يشكل دعماً معنوياً ومادياً لهم وانعكاسه الإيجابي على وطننا وشعبنا واستعادة إرادتنا الوطنية المسلوبة.
ثقافياً: إن المسيحيين يمتدون على مستوى أطراف قارات الدنيا الست وهؤلاء ينتمون إلى ألسن ولغات مختلفة وخلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة ومتباينة، وإن زيارتهم لفلسطين ومقدساتها يدعم التنوع والتعدد الثقافي في فلسطين وتخلق بيئة ونهضة ثقافية وفكرية وما قد يصاحب ذلك من تراجم ونشر وصالونات ثقافية واحتكاك حضاري وتبادل معرفي يفتح آفاقاً واسعة لبلادنا لتكون ساحةً للثقافة العالمية.
رسالة لإخواني في الوسط الإسلامي
قد يُبدي البعض في أوساطنا الإسلامية غضباً من هذه المبادرة وعلى أقل تقدير قلقاً وانزعاجاً وطرح تساؤلات بريئة أحياناً ومريبة أحياناً أخرى، ويندفع للتفسير بأن ذلك أمرٌ غريببٌ وأن الأغرب أن تصدر هذه المبادرة عن كاتب مسلم من أبنائهم، ويرون فيها انتقاصاً من هوية فلسطين الإسلامية وافتئاتاً عليها وهي هوية رسخها الخليفة عمر بن الخطاب ومن بعده الخلفاء المسلمون، وأن خطوة من هذه القبيل قد تفتح المجال للتنصير والتبشير على أوسع أبوابه والتدخل الخارجي في بلادنا وخلق مشاكل لا حصر لها.
ولهؤلاء الإخوة - الذين تسكنهم نظرية المؤامرة ونمط التفكير التقليدي المأزوم- أقول بهدوء بعيداً عن الإفراط والتفريط والشطط والغلو وبروح إسلامية موضوعية تسامحية ، فلسطين كما هي إسلامية وقبلة المسلمين الأولى ومسرى رسولنا محمد ومعراجه إلى السماء وكما هي أرض المحشر والمنشر لسائر المعمورة وهي سورة في قرآننا المجيد، فهي أيضاً مسيحية والمسيحية فيها سابقة للإسلام، فهي مهد المسيح الفلسطيني وأرض ميلاده وبشارته ودعوته، وفي أكنافها أقدم وأقدس ثلاث كنائس (المهد- البشارة- القيامة)، ولم يقفز على ذلك أحد من المسلمين بدءاً من رسولنا محمد حتى آخر خلفاء الإسلام، وقد نظمت شريعتنا الإسلامية وفقهنا الإسلامي علاقات المسلمين مع أهل الكتب الأخرى ومنهم إخواننا المسيحيين وفقاً للقاعدة القرآنية "لكم دينكم ولي دين"، والحديث الشريف "اتركوهم وما يدينون"، وبروح المحبة والتسامح والأخوة والعيش المشترك "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون" المائدة : 82 .
فدينياً هذه الفكرة تنسجم مع هذا السياق الذي توارثه المسلمون وقادتهم جيلاً بعد جيل، ووطنياً تعزز وجودنا الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه في هذه الديار، وتحقيق الأهداف المشار إليها أنفا، وتحمي مقدساتنا الإسلامية والمسيحية من براثن الاحتلال الغاصب وتكف يد الغرباء عنها وتقدم فلسطيننا كواحة للتسامح الديني كما أرادها ابن الخطاب رضي الله عنه والبطريرك صفرونيوس، ولحشد كل المؤمنين لنصرة قضيتنا العادلة وتبني مظلوميتنا نحو الحرية والاستقلال المنشود وبسط سيادتنا ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
فلنبدأ التنفيذ:
المطلوب اليوم خطوة جريئة من السلطة الفلسطينية باتجاه قرار تاريخي غير مسبوق وطنياً وعالمياً بإجراء تعديل حكومي على مجلس وزراء السلطة واستحداث أول وزارة في الحكومة الفلسطينية للحج المسيحي يقف على رأسها وزير فلسطيني ولها هيكل تنظيمي شأنها في ذلك شأن الوزارات الأخرى رغم خصوصيتها الفنية على أن تشرف هذه الوزارة من خلال اداراتها العامة ودوائرها وأقسامها المختلفة على ملف الحج المسيحي و تنظيم زيارات الحج الى الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين من الألف إلى الياء بدءاً من وصولهم إلى فلسطين وانتهاء بمغادرتهم لها، على أن تضطلع هذه الوزارة بتقديم دليل فلسطيني للحاج المسيحي بالمزارات الدينية وتزويدهم بالرواية الفلسطينية الحقيقية والموضوعية بعيداً عن التزوير والروايات الاحتلالية الزائفة المضللة، وتشكيل فريق أدلاء مرشدين فلسطينيين مسيحيين وحتى مسلمين من أبناء وبنات بيت لحم والقدس... وغيرها من المدن الفلسطينية لمرافقة الحجيج المسيحيين أفراداً وجماعات والتنسيق مع أهلنا في الداخل سيما في مدينة الناصرة في هذا الصدد باعتبارنا أبناء شعب ووطن واحد وقضية واحدة، علاوةً على تنظيم وتنسيق ذلك مع الدول والكنائس المختلفة في العالم.
ندرك أن هنالك عقبات ومعوقات في هذا الطريق، وفي مقدمتها غياب السيادة الفلسطينية الكاملة على هذه المقدسات ولكن السيادة الدينية والروحية الفلسطينية حاضرة والوجود الفلسطيني الحضاري والديمغرافي حاضر بقوة أيضاً، ونعي أن الاحتلال الإسرائيلي لا يروق له مثل هذه الخطوة وسيعمل على إفشالها، ولكنها حلقة من حلقات نضالنا الوطني وحشد العالم سيما المسيحي منه لصالح مظلوميتنا وقضيتنا العادلة، وهي حالة تدافع مستمر وصراع إرادات، وإرادتنا الحق والحق لا بد أن ينتصر ولو بعد حين، فهل نحن فاعلون؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية