مع التراجع الواضح والواسع لنفوذ وسيطرة «داعش» وسائر قوى المعارضة على اختلاف أشكالها وتلاوينها على الساحة السورية، يزداد الحديث أكثر جدية من أي وقت مضى حول مستقبل الدولة السورية ومدى قدرتها على الاحتفاظ بوحدة البلاد في ظل جملة من المتطلعين على أن تبقى الساحة السورية مجالاً للصراعات والحروب والحسابات المفتوحة على كافة الاحتمالات، وتبرز على السطح في هذا السياق، حالات الاستقطاب الإيرانية والكردية والأميركية والروسية والتركية، بينما يتم تجاهل الدور الإسرائيلي الذي كان ولا يزال أحد أهم الأدوار في هذه الحرب العالمية الواسعة على الوطن السوري.
برز الدور الإسرائيلي في الحرب على سورية بداية من خلال الرعاية الطبية لجرحى قوى الارهاب في سورية، ثم تطوّرت إلى إشارات أكثر وضوحاً ولكن بتحفظ عن دعم بالسلاح والمعلومات الاستخبارية لبعض هذه القوى، تواترت مع تصريحات لهذه الأخيرة من أن إسرائيل ليست هي العدو وأنه آن الأوان للتعاون معها، في حين أن بعضاً منها أفتى بأن إيران هي العدو وليس إسرائيل، وباختصار تعاملت بعض هذه القوى، خاصة تلك التي تواجدت على الحدود بين الدولة السورية ودولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها «جيش لحد» سورية، في الوقت الذي كانت تمرر فيه قوات الاحتلال من أنها عازمة على إقامة موطئ قدم على الأراضي السورية المتاخمة لحدودها، ولكن ليس بالاعتماد فقط على «جيش لحد» السوري ودعمه، بل من خلال التواجد البشري لقواتها، شريط عازل حسب ادعاء قادتها، أسوة بذاك الذي كانت تتحدث ولا تزال أنقرة عنه، لكي تصبح سورية، بين كمّاشة عازلين أساسيين، تركي في الشمال وإسرائيلي في الجنوب.
من هنا يمكن فهم طبيعة التدخل العسكري المباشر مؤخراً من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بضرب بعض المواقع والقوات الحليفة للدولة السورية أكثر من مرة، ثم استهداف مباشر لقوات الدولة السورية في أكثر من موقع وأكثر من مرة بذريعة إطلاق صاروخ أو قذيفة على الجولان المحتل، ذلك بالتوازي مع طلب معلن من قبل إسرائيل لكل من الولايات المتحدة وروسيا للاعتراف بقرار ضم الجولان المحتل للدولة العبرية وإقامة مناطق عازلة على طول الحدود مع كل من سورية والأردن، إسرائيل تدعي لتبرير هذه المطالب بأن التسويات المطروحة وسير العمليات على الأرض تدل على أن النفوذ الإيراني سيبقى ويتعزز وأن حزب الله بات أكثر قرباً من هذه الحدود، وأن إسرائيل لن تسمح بتكرار التجربة اللبنانية عندما قام حزب الله بتهديد الدولة العبرية بالنظر إلى تواجده المسلح والقوي على الحدود معها، أكثر من ذلك، فإن إسرائيل تدعي بأن حزب الله لا يهدد إسرائيل وحدها عندما يقترب من حدودها، بل إنه سيشكل تهديداً للأردن، من هنا فإن «الحزام الأمني الإسرائيلي» على الحدود مع الأردن، هو لحمايته من جهة (!) وللدفاع عن الأمن «القومي الإسرائيلي» من جهة أخرى، وبينما قاد وزير الحرب الإسرائيلي المباحثات مع روسيا بهذا الشأن وهذه الطلبات، فإن رئيس الحكومة نتنياهو تحدث مع الرئيس الأميركي ترامب مباشرة بشأن الاعتراف بضم الجولان وضرورة إقامة الحزام العازل وتأييد ضربات موجعة للقوى المتحالفة مع الدولة السورية، ولعلّ في إقدام الولايات المتحدة على ضرب متفرق بين وقت وآخر، للقوات السورية، ما يعتبر تشجيعاً للدولة على القيام بأعمال عدوانية مشابهة، وهذا ما يفسر انتقال قوات الاحتلال من استهداف القوى الحليفة لسورية، لضرب القوات السورية مباشرة في الآونة الأخيرة، في تناغم واضح بين تل أبيب وواشنطن!
وكان من اللافت في هذا السياق، الحوارات التي أجراها رئيس الكنيست الإسرائيلي يولي ادلشتاين قبل أيام مع المسؤولين الروس في موسكو وحديثه عن مخاطر التوتر القائم بين أميركا وروسيا في جنوب سورية وتمدد الحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله على الحدود، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى ما أسماه «ضربة بالكوع» تشكل خطراً على إسرائيل والتي بدورها لن تتسامح بهذا الشأن، وبينما أشار وزير الخارجية الروسي لادلشتاين إلى أن موسكو قلقة من الضربات التي توجهها إسرائيل للقوات السورية، إلاّ أنه لم ينس أن يشير الى أنه يتفهم احتياجات إسرائيل الأمنية(!).
قبل يومين فقط، كشف النقاب، من خلال التناحر بين قوى الحرب على سورية، على أن ما يسمى «بجيش خالد بن الوليد» بات يسيطر على 65 بالمائة من الحدود السورية مع إسرائيل، والحدود السورية مع الأردن وأكثر من 17 بلدة في ريف درعا، هذا الفصيل أعلن مؤخراً، وبينما «داعش» تتداعى/ عن ولائه لها ولقادتها، وحسب قيادات في «الجيش الحر» ونقلته عنه صحيفة «الغد» الأردنية، فإن جيش خالد بن الوليد ما هو إلاّ أداة للموساد، وهو يحاول أن يشكل ذريعة لتدخل إسرائيلي يتم من خلاله السيطرة على منطقة حوض اليرموك وبناء العازل الأمني على حدود الدولة العبرية مع كل من سورية والأردن، القذائف العشوائية التي يطلقها جيش خالد بن الوليد، حسب المصدر المذكور ما هي إلاّ التبرير الأمني الهادف لاستهداف القوات السورية وحلفائها من قبل إسرائيل!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد