هل أفلَ نجمُ (الدولة) بمفهومها الأكاديمي: «الدولة هي كيانٌ جغرافي، حُرٌ، مستقل، يعترف بها العالم، لها اسم، وشعب، وهيئات لإصدار القوانين والقرارات»؟
هل أصبحتْ دول اليوم إقطاعات مُسيَّرة، لها الأشكالُ التالية؟:
دول القيادة والسيطرة، وهي مالكة زمام الدول ومسيرتها، حاميتها، وناهبتها، هي المُعِزُّ، المُذل، البانية، الهادمة، راعية القطيع، حالبة الضرع، آكلة اللحم. يتربَّعُ على عرشها الأذكياءُ الموسرون، والمخترعون المبدعون، صانعو السلاح، مالكو الشركات والمؤسسات التي تملك مفاتيح الأفواه والشهوات، دول الكاوبوي، بأيديهم معاول هدم الدول، وفي أدراجهم سكاكين تقطيع كعكاتها.
أما النوع الثاني من الدول، فهم شركاءُ دول القيادة والسيطرة، هؤلاء يحاولون بكل الوسائل اقتسام وجباتِ لحومِ دول الهوامش، وديكورات الدول، فهم يشاغبون على دول القيادة، يحاولون إبطاءَ مشاريعها، لينالوا حصتهم من غنائم دول القطيع، المذبوحة فوق الأنطاع، وإن لم ينجحوا، ينتظروا البقايا والفتات!
أما النوعُ الثالث، فهي ديكورات الدول وذيولها، لها مِن مقومات الدول يافطاتٌ ذهبيةٌ بأسمائها في المؤتمرات والندوات، وأعلامٌ حريرية أمام وزاراتها، ومطاراتها، وطائراتٌ لملوكها ورؤسائها، وصورٌ لقادتها وزعمائها، ظِلال الدول  أصبحت في بداية الألفية الثالثة من أملاك دول السيادة، تُدارُ برموت كونترول الثورة الرقمية، فهي دولٌ استأجرتْ جُغرافيتَها وفق شروط المالك الرئيس، المُؤجِّر، هذا المالك يفرض عليها ضريبة الجزية نظير حمايتها من شعوبها!
النوع الرابعُ، هياكل موقوتة، تتوزع بين أنماط عديدة؛ منها دول الفقاعات، وهي الدول التي نفختها الثروة (الطبيعية) البائدة، وأقعدتها قبليتُها التقليدية، أدمنتْ أن تعيش في أحلامها، وما إن نخستها إبرةٌ صغيرةٌ حتى تطايرتْ أشلاءً!
ومن أقسام هياكل الدول العظمية، دول الملفات والمهمات الخاصة، وهي أحقر درجات الدول الصغيرة، تلك الدول تشبه بالضبط آليةَ تعاملِ دولِ السيادة والقيادة مع الجواسيس والعملاء، فما إن تنتهي مهماتُهم بنجاحٍ، أو فشلٍ، حتى يعلن مشغلوهم ومسيروهم انتهاءَ صلاحيتِهم، ثم يتبرؤون منهم، ثمَّ يتلذَّذون بتركهم لانتقام شعوبهم!!
يقول ابن خلدون، أبرز مفكري علم الاجتماع العربي،  في مقدمته، قبل سبعة قرون عن العرب، أو الأعراب: «إنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش فيهم، فصار لهم خُلقاً وجِبلَّة، وكان عندهم مستحباً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة، وهذه الطبيعة منافية للعمران، ومناقضة له. فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران ومناف له. فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصب الأثافي (الأثافي هي أحجار توضع تحت القدر) فينقلون الأحجار من المباني ويخربونها عليه. والخشب أيضاً إنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم، ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه. لذلك صارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران».
يقول عنهم أيضا: «العربُ إذا تغلّبوا على الأوطان أسرعَ إليها الخرابُ، لأنهم أمة وحشية، وصار ملذوذا لهم الخروج عن الحكم، وعدم الانقياد....» (مقدمة ابن خُلدون الفصل 26 صفحة 151 )
 يقول أيضا: «تمرُّ الدولُ بالمراحل التالية: مرحلة الاستيلاء على الحكم، ثم يليه الاستبداد وتعيين الأقارب والموالين، ثم تأتي مرحلة الراحة، والدّعة، والبذخ، ثم يعقبها مرحلة الخوف والرعب الذي يدفعها للاستعانة بالأجنبي، وهو طور بداية النهاية والاندثار».

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد