قبل ثماني سنوات، وفي مستهل بداية عهده رئيساً للولايات المتحدة، جاء باراك أوباما إلى القاهرة، وألقى خطاباً في جامعة القاهرة، سمي «بداية جديدة»، كان هدفها تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، التي كانت قد تضررت كثيراً في عهد سلف أوباما، جورج بوش الابن، بعد شنه حربين على كل من أفغانستان والعراق.
خطبة أوباما تلك حددت «المشترك» بين أميركا والعالم الإسلامي، وهو مواجهة التطرف والعنف، وكان أوباما وعد بالمساعدة على إقامة الدولة الناقصة في المنطقة _ دولة فلسطين، لكن ثماني سنوات لاحقة، أوضحت أن خطاب أوباما لم يؤت أكله، فقد ذهب أدراج الرياح مع مرور الوقت.
يكاد يكون الأمر مشابهاً، الآن، حين يبدأ الرئيس الأميركي الخامس والأربعون دونالد ترامب عهده بأول زيارة له خارج بلاده بزيارة للشرق الأوسط، يبدأها بالمملكة العربية السعودية، وبدلاً من أن يخاطب العالم الإسلامي من على منبر جامعة القاهرة، يظهر أنه عملي أكثر من سلفه، لدرجة أن يجمع العالم الإسلامي _ كله تقريباً _ في ثلاث قمم، تجمع العالمين العربي والإسلامي برئيس الولايات المتحدة، للاتفاق على برنامج عمل مشترك لمواجهة شيء آخر، غير التطرف والعنف، لأن أهم مظاهره «داعش» في حالة احتضار، بل ربما لمواجهة «نفر» من المسلمين يختلفون طائفياً عن المسلمين من حلفاء ترامب.
أولي القمم الثلاث، التي تأتي من حيث مصادفة الرقم لتذكر بِلاءات ثلاث قالها العرب في قمة الخرطوم قبل خمسين عاماً من الآن، معلنين رفضهم من خلالها، الاستسلام لإسرائيل بعد كارثة النكسة، هي القمة السعودية / الأميركية، حيث إن واشنطن بذلك تقول: إنها ترى في الرياض حليفها الرئيس في المنطقة _ بعد إسرائيل بالطبع _ وهذا بقدر ما يعزز من مكانة المملكة في العالمين العربي والإسلامي، فإنه ي فتح لواشنطن أبواب هذين العالمين دون عناء، وحتى بثمن بلغ 300 مليار دولار هي قيمة صفقة الأسلحة التي اتفق الجانبان عليها خلال السنوات الثلاث القادمة.
ثاني القمم هي القمة الخليجية / الأميركية، حيث يبدو أن ترامب يريد أن يغلق جملة من الشقوق التي حدثت خلال عهد أوباما، وسمحت لبعض دول الخليج بأن «تغرد خارج السرب الأميركي» قليلاً، حيث تباينت مواقف هذه الدول تجاه ما سمي بالربيع العربي، بحيث إن بعض الدول لم تهتم به: الكويت، البحرين وعمان، في حين انخرطت به قطر، الإمارات والسعودية، ولكن وفق مواقف متقابلة أحياناً _ كما حدث تجاه التحالف مع الإخوان، أي قطر، أو العسكر والقوى المناوئة للإخوان، وهو موقف الإمارات والسعودية، وحدث هذا خاصة في ملفات مصر وتونس وليبيا، في حين أن الدول الثلاث توافقت تقريباً في الملف السوري، لكنها في الملف اليمني تباينت قليلاً، فقطر لم تنخرط بالملف خلافاً للإمارات والسعودية.
هذه التباينات تضعف قوة الخليج في مواجهة إيران، لذا لا بد من أن يتدخل «كبير القوم»، حيث ينوي الرئيس الأميركي بناء علاقات تجارية مع دول الخليج.
ثالث القمم هي على النطاق الأوسع، القمة العربية الإسلامية / الأميركية، والتي تريد من خلالها الولايات المتحدة إغلاق القوس الإسلامي على صداقتها، وقطع كل الطرق الجانبية التي كانت تنفتح أمام بعض دول ذلك العالم، إلى روسيا وغيرها، وقد جمع مستقبلو ترامب نحو 55 زعيماً إسلامياً.
بالطبع ينقص هذا الحشد الحضور الإيراني وكذلك التركي، حيث تمثل الدولتان إضافة للعرب أضلاع المثلث الإسلامي في العالم، وحيث إنه لا سبيل إلى شراكة مع إيران، لأنه أحد أهم أهداف بناء الشراكة الإسلامية / الأميركية هو مواجهة ما يسمى بالطموحات الإيرانية في المنطقة، أما تركيا فان تحالف العرب/ المسلمين مع أميركا، يعزلها ويضعفها في علاقتها مع الطرفين، ما يقلل من طموحاتها هي الأخرى في المنطقة.
بمجرد عقد هذه القمم تكون الولايات المتحدة قد ردت على الاختراق الروسي الذي حدث منذ عامين متمثلاً بالوجود العسكري الميداني الروسي في سورية، ثم في تحالف غير كامل وغير معلن، بسبب التواجد المزدوج في سورية بين روسيا وإيران، كذلك في «شد» تركيا وتشجيعها للابتعاد قليلاً عن حلف الناتو، واتخاذ موقف مختلف عن الموقف الأميركي خاصة في سورية، وذلك بعد أن ساعدت روسيا أردوغان في مواجهة الانقلاب الذي حدث قبل أقل من عام.
أما العرب فإنهم بحاجة ماسة لقوة عسكرية تضعهم في خانة الاطمئنان، خاصة تجاه إيران التي تظهر طموحها في اليمن، البحرين، عمان وحتى السعودية إضافة للعراق وسورية ولبنان، ورغم أن ترامب سيفرد العباءة الأميركية على العرب بعد مغادرته الشرق الأوسط، بإعلانه تشكيل ناتو عربي إسلامي سني، إلا أن ذلك لا يكفي، فلا بد من قوة عسكرية مقيمة، وليس هناك أقوى من إسرائيل في هذا الجانب، لذا فإن العرب يريدون التحالف مع إسرائيل من وراء الحجاب الأميركي، ومن أجل فتح الأبواب لا بد من التقدم في الملف الفلسطيني.
السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل قال: إنه لا خطة سلام لدى ترامب، لكنه يريد أن يرى الفلسطينيين والإسرائيليين يجلسون معاً دون شروط مسبقة، وهكذا فإن الدلال كله صار في الموقف الإسرائيلي، لذا يتفنن العرب الآن في إغراء إسرائيل من خلال تسريب فكرة إقامة علاقات بالتدريج مع إسرائيل، فمقابل العودة للمفاوضات تقوم دول الخليج بجملة إجراءات تجارية تجاه إسرائيل، وهكذا يمكن القول: إن الحديث صار عن المبادرة العربية بالتقسيط، وربما يكون أهم ثمن تقدمه إسرائيل هو منح غزة إلى السلطة بالضد من رغبة قطر، بدلاً من أن تتنازل عن الأرض في الضفة الغربية.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية