يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسفر خارج الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة منذ توليه الرئاسة، الزيارة ستشمل العديد من البلدان، منها المملكة العربية السعودية، وهناك يُعد له لقاء قمة عربية أمريكية يجمعه مع رؤساء عدة دول عربية، كما ستشمل الزيارة الفاتيكان، ودولة الكيان، ومنها يعرّج على الضفة الغربية المحتلة، وذلك كله قبل أن يذهب إلى اجتماعات حلف الشمال الأطلسي "الناتو" وقمة مجموعة الدول الصناعية السبع، أتناول في هذه السطور تداعيات الزيارة ودلالاتها الرمزية والسياسية على الصعيد الفلسطيني، وما لذلك من آثار على الوضع السياسي بين السلطة ودولة الكيان.

أولاً: الزيارة المرتقبة والمتوقعة في نهاية الشهر الجاري "مايو" ستكون ذات دلالة سياسية وقيمة رمزية، بالنسبة لدولة الكيان على اعتبار أنها تأتي في أولى زياراته الخارجية، على عكس سلفه "بارك أوباما" الذي لم يزور "إسرائيل" في ولايته الأولى، على الرغم من تواجده على بعد مسافة قصيرة منها عندما زار تركيا ومصر والسعودية، ولم يأتي "لإسرائيل" سوى في العام 2013م، وبالتالي زيارة "ترامب" ستحمل دلالة سياسية وقيمة معنوية ورمزية، في طياتها برقية دعم ومساندة لدولة الاحتلال التي يحرص كل الحرص على استمرار تفوقها العسكري على جيرانها ودول المنطقة العربية.

ثانيًا: مما لا شك فيه أن الرئيس الأمريكي سيُقابل بدفء صادق من قبل الرئيس "أبو مازن" وقيادة السلطة حال زيارته للضفة الغربية المحتلة، علمًا بأن غالب الظن أن الزيارة لن تكون ل رام الله "العاصمة السياسية للسلطة" وسيكتفي "ترامب" بزيارة بيت لحم ، وهذا يعني أنه متحفظ تجاه الطرف الفلسطيني، وسيتلافى الإحراج السياسي بعدم زيارة رام الله والاكتفاء بزيارة بيت لحم لما تمثله الأخيرة من رمزية دينية واعتبارية لدى أتباع الديانة المسيحية، وبالتالي تكون الزيارة ذات طابع ديني أكثر منه سياسي، الأمر الذي سيخفف من غضب وتحفظ القيادات اليهودية والصهيونية على الزيارة.

ثالثًا: قيادة دولة الكيان لا تخفي توترها وانزعاجها من زيارة "ترامب" لأراضي الضفة الغربية، لذا تجدهم يستبقوا الأحداث بتصريحات سياسية من شأنها خلق موقف سياسي يصعب تجاوزه فيما بعد، كتلك التصريحات التي أدلى بها كُلاً من "نتنياهو، ولبيد، وبنيت" وغيرهم واعتبروا فيها أن القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولتهم المزعومة، في إشارة سياسية واضحة مفادها رفض أي موقف أمريكي متوقع يفرق بين القدس الشرقية والغربية، وخشية أن يخص "ترامب" القدس الشرقية بموقف أو تصريح علني من شأنه الاعتراف بفلسطينيتها، أو يفهم منه أنه يشكل دعم سياسي للسلطة الفلسطينية.  

رابعًا: مراكز القوى والأبحاث في "إسرائيل" تتوقع أو تتحسب لضغوط أمريكية أثناء الزيارة لذا أعتقد أنها تعد العدة لمواجهة تلك الضغوط السياسية المتوقعة والتي أرى أنها لن تكون قوية ومؤثرة بشكل جذري في السياسة والتوجهات الأمريكية، وأعتقد أن قيادة الكيان ستلجأ إذا لزم الأمر للوبي الصهيوني في أمريكيا، علاوة على استنجادها بالكونغرس، والرأي العام الأمريكي، للتخفيف من حدة الضغوط ولتعديل توجهات ومواقف إدارة "ترامب" تجاه الكيان وفيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة الفلسطينية، هذا كله وفقًا لتوجسات وتخوفات "إسرائيل" التي أظنها مبالغ فيها، غير أن قيادة الكيان تأخذ أقصى الاحتياطات لتبقى في أمان من الناحية السياسية.

ختامًا: ربما يحاول الرئيس "ترامب" خلال زيارته المرتقبة تحريك عملية السلام المتوقفة منذ سنوات، ومن المتوقع أن يطرح أفكار أو خطوط عريضة لاستئناف العملية السلمية والتفاوضية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على أمل إعادة ضخ الدماء والحيوية في عروق وقنوات الاتصال السياسي والتفاوضي، غير أنني أرجح عدم احداث اختراق واضح وكبير وعملي بين الطرفين من شأنه أن يقود لإنهاء الصراع بينهما.

وعليه سيستمر فريق السلطة بالمراوحة في مكانه دون تحقيق إنجازات ذي بال، بينما تستمر دولة الكيان في سياساتها التهويدية والاستيطانية، ومن ناحيتها ستركز إدارة "ترامب" على علاقاتها الشكلية ولقاءاتها البروتوكولية مع السلطة، في حين ستضمن "لإسرائيل" التفوق العسكري والدعم اللوجستي الدائم، ولن تحدث الزيارة المرتقبة تغيير ملحوظ على التوجهات الأمريكية في المنطقة. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد