هل هناك أكثر صفاقة مما حدث ذات يوم، عندما أقدم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني ايلون على إهانة مباشرة ومتلفزة إلى تركيا، بعدما استقبل هذا الأخير مع طاقم وزارته السفير التركي أحمد جليقل متعمداً إجلاسه قبالتهم على كرسي منخفض بينما جلس وطاقمه على مقاعد مرتفعة، ذلك كان قبل بضعة أعوام، نعم هناك ما هو أكثر صفاقة، ذلك أن تركيا احتجت على هذه الإهانة، إلاّ أن الرد الإسرائيلي على هذا الاحتجاج هو الذي يشكل الأكثر صفاقة حقاً، وذلك بالقول: إن الرد التركي «المعلن» يعرض العلاقات الثنائية للخطر.. تركيا بلعت الإهانة المزدوجة، إلاّ أن صفاقة وخسّة التعامل الإسرائيلي ظل مستمراً على اكثر من صعيد.
فقبل أيام قليلة، ألغى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو اجتماعه مع وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرئيل الذي كان يزور الدولة العبرية في زيارة رسمية، نظراً لأن هذا الأخير، عمد إلى عقد اجتماعات مع منظمات المجتمع المدني، خاصة منظمة «بتسيليم»، والغريب أن هذا الموقف لقي العديد من المؤيدين في الساحة السياسية الإسرائيلية، باستثناء عدد قليل منهم اعتبر ذلك لم يكن ضرورياً، وان ألمانيا الصديق الصدوق لإسرائيل لا يجب أن تعامل بنفس الطريقة التي تعاملت بها الخارجية الإسرائيلية مع السفير التركي.
ونتذكر في هذا السياق، أن الوزير الالماني آثر الاجتماع بمنظمات المجتمع المدني، خاصة «بتسيليم»، على الاجتماع بنتنياهو، محافظاً على كرامة شخصه ودولته في مواجهة الصلف والصفاقة التي حاول رئيس الحكومة الإسرائيلية من خلالهما توجيه إهانة إلى دولة تعتبر من أكثر الدول تأييداً لإسرائيل!
من خلال هذين النموذجين، يتبين أن القائمين على السياسة الإسرائيلية، باتوا في حل من أي اعتبار أخلاقي أو إنساني أو قانوني، وبعد أن أعلن هؤلاء أكثر من مرة، وفي كل مناسبة، وبشكل واضح، ان القرارات الدولية لا تعني لهم شيئاً، وانهم في حالة مجابهة مستمرة مع المنظومة الدولية وقراراتها، فإن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل ان رعونتهم وشعورهم المتزايد بالتغول، لأن أحداً لم يتمكن من إيقاف صفاقتهم، سمحت لهم بازدراء «الآخر» أي آخر، وليس فقط عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني.
أما فيما يخصنا نحن الفلسطينيين، فحدّث ولا حرج فقد شاهدنا مشهداً مسرحياً بائساً ورخيصاً وصفيقاً، عندما قام نتنياهو بتمزيق وثيقة حركة حماس والقذف بها في سلة المهملات، أراد من ذلك التعبير عن رفضه لمضمونها والتأكيد على عدم اهتمامه بها، بينما الرسالة التي وصلت للمشاهدين خلافاً لكل ما أراد نتنياهو أن يوصله له، ذلك أن ما تم هو تعبير عن مدى التأثير الذي أحدثته هذه الوثيقة، ومدى أهميتها بصرف النظر عن رأيه فيها وبمضمونها.
يضاف إلى ذلك، فإن هذا السلوك يعبر عن مدى الخفة والسذاجة التي يتعامل بها نتنياهو مع المسائل الجدية، بصرف النظر عن رأيه فيها، سلوك طائش يعبر عن عمل طفولي مراهق، لا يليق برجل من المفترض أن يتعامل بالسياسة.
ولنتجاوز قصة الفيديو المفبرك الذي بثته وسائل الإعلام الإسرائيلية للمناضل مروان البرغوثي حول تناوله للطعام أثناء الإضراب، لنشير إلى فيديو حقيقي لم تخجل وسائل الإعلام الإسرائيلية من بثه على أوسع نطاق، يصور إعداماً تمثيلياً لقتل طفل فلسطيني أمام طلاب مدرسة، إلاّ أن المشهد تم تصويره أمام طلاب المدارس الإسرائيلية في عملية تحريض ذات طبيعة دموية لتأطير الجيل الإسرائيلي القادم حول كراهية الفلسطيني وتحريض مباشر على أن قتله ضرورة لبقاء الدولة العبرية، وحسناً فعلت وزارة التربية والتعليم لدينا عندما عرضت هذا الفيلم على حشد من الشركاء والأصدقاء الدوليين، للدلالة على من هو المحرض على القتل بدمٍ بارد وإخضاع الأطفال الإسرائيليين على التدرب على مثل هذه الجرائم.
تمدنا القيادة الإسرائيلية، بكل أدوات فضحها وتأكيد عنصريتها ودمويتها، والأمر يتطلب استثمار ذلك في حربنا التي لا هوادة فيها، وساحتها الرأي العام، وهذا مناط بوسائل الإعلام الفلسطينية التي لا تزال وبكل أسف عاجزة عن مثل هذا الاستثمار الذي لا يكلف شيئاً!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية