فرضت وثيقة حماس الجديدة نفسها كخبر رئيس على وسائل الاعلام العربية والعالمية، فاعتبرها البعض انقلابا وزلزالاً سياسياً. وقال آخرون إن حماس انضمت إلى معسكر فتح متأخرة ثلاثين عاماً. ورحب فريق ثالث بالوثيقة بحسبانها تطوراً سياسياً هاماً للتخلي عن الأيدلوجيا لصالح الواقعية السياسية بعدما ثبت فشل الإسلام السياسي وتهافت مقولاته، فيما ذكرت التصريحات والتحليلات الإسرائيلية أن الوثيقة مجرد ''خدعة للعالم لن تنجح" حسب تصريح لديفيد كيز الناطق باسم بنيامين نتانياهو.

(1)

يمكن تلخيص تعديلات الوثيقة الجديدة تحت أربعة عناوين رئيسية:

الأول: تعريف الحركة الجديد لنفسها بأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينيّة بمرجعية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني". ويختلف هذا النص عن نظيره الذي ورد في ميثاق الحركة الأول، الذي نص صراحة بأن الحركة "جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين".

الثاني: يخص الموقف من الدولة الفلسطينية، فالوثيقة الجديدة تتحدث عن قبول الحركة لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، من دون الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ومع التشديد على رفض التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين التاريخية.

الثالث: حذف الدعوة الصريحة إلى تدمير إسرائيل، حيث وردت كلمة إسرائيل مرة واحدة في الوثيقة، وكانت في البند الثامن عشر "إن قيام إسرائيل باطل من أساسه، وهو مناقض لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف"، كما أكدت حماس بشكل واضح أنها لا تعادي اليهود بسبب ديانتهم، بل لاحتلالهم أرض فلسطين. وهذا بهدف تحسين العلاقة مع الدول الغربية التي يصنف كثير منها حماس "كمنظمة إرهابية".

أما العنوان الرابع : فهو انتقال المقاومة المسلحة في فكر حماس من وسيلة وأداة وحيدة للتحرير إلى وسيلة "استراتيجية" من ضمن وسائل أخرى لم تذكرها الوثيقة. والمعروف أن المقاومة ليست خيار استراتيجي بل هي وسيلة أو أداة لخدمة هدف استراتيجي، وخطورة هذا القول لا تقل عن خطورة القول أن المفاوضات استراتيجية. كما أن الإشارة إلى وجود وسائل أخرى للمقاومة غير العسكرية، تؤكد تبني حماس لثقافة المقاومة بمفهومها الواسع بعد أن كانت صاحبة فكرة حصر المقاومة في الجانب العسكري فقط، وهو الأمر الذي قصرت نفسها عليه منذ تأسيسها.

(2)

مقارنة ما كانت عليه فتح بالأمس بما يجري في حماس اليوم لا يخلو من دلالة. إذ تكفي نظرة سريعة إلى أوجه الشبه في رحلة التشدد والاعتدال التي مرت بها فتح، لفهم توجهات حماس الجديدة، فحماس بدأت من حيث بدأت فتح، أي المطالبة بتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، وانتهت حيث انتهت، بالتمسك بسلطة أوسلو والقبول بدولة فلسطينية في الضفة و غزة ضمن شروط معينة.

سيقال أن حماس متمسكة في وثيقتها الجديدة بتحرير كامل فلسطين. وهذا صحيح. لكنه تمسك شبيه بما لدى قواعد وأنصار حركة فتح، وليس ثمة ما يدل على صلة له بالموقف السياسي الفعلي، إلا فيما يخدم التماسك التنظيمي الداخلي. هذا لا يعني الاعتراض على نهج الواقعية السياسية الجديد لحماس، لكنه إدراك بأن الحل المرحلي الذي التحقت به لم يعد مرحلياً، منذ زمن بعيد، وما الخوض فيه إلا خوضاً في التسوية بأثمانها الفادحة.

كما أن تمسك حماس بالسلطة الفلسطينية - نفسه عند فتح- هو الدرجة الأعلى في التعبير عن خيار التسوية، بما يولده من اعتقاد لدى حماس -هو نفسه لدي فتح- بطوي حقبة التحرر والولوج في مرحلة البناء الوطني، وإلا فما معنى كل هذا الصراع على السلطة، ما علاقته بالتحرر؟

ما نشهده هذه الأيام يقدم ما لا حصر له من النماذج التي تدلل على صحة القول بأن حماس تسير على خطى فتح رغم عدم اتفاقهما: قفزات في البرنامج السياسي، احتكار للسلطة، صراع على التمثيل، حرص على التأقلم، اختيار البقاء السياسي بتقديم خطاب سياسي مغاير، أكثر سياسة وأقل أيدلوجيا إلا في أضيق الحدود. المفارقة في المقابل هي رفض الاعتراف بالمنظمة بوصفها مرجعية للعمل الوطني رغم تقارب البرامج، ورفض أوسلو مع الاعتراف بالسلطة، وهي من مؤسسات أوسلو.

(3)

حماس بالرؤية الجديدة، كما تؤكد تصريحات قادتها، تبعث رسالة واضحة إلى الفواعل الدوليين، بأنها الأقدر على أخذ زمام المبادرة وأن أي عملية تفاوضية، لن يكتب لها النجاح، ما لم تكن حماس طرفاً أساسياً فيها، ولعل هذا يفسر تزامن إعلان وثيقة حماس مع زيارة الرئيس أبو مازن إلى واشنطن، ولقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لإحياء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

حماس قالت كلمتها، وأظهرت قابلية الفكر الجديد للاعتراف بالآخر أو التوصل لتسوية سلمية معه، وفي ذلك إشارة إلى الطريق الذي اختارته الحركة، لكن هل هذا كافي لتثبيت أقدامها على الأرض أم سيطلب منها المزيد كما طلب من فتح قبلها؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد