رغم أن الأمم المتحدة تعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ مناطق محتلة من قبل إسرائيل ، وكذلك اعتراف هيئة الامم المتحدة بدولة فلسطين المحتلة كعضو مراقب في العام 2012، ما يعني أن جميع النشاطات التي تقوم بها دولة الاحتلال محكومة باتفاقية جنيف الرابعة لسنة ١٩٤٩ م إلا أن إسرائيل تعتبرها " مناطق مدارة "ولا تلتزم بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتستند على حجج وأسانيد ساقها الفقهاء اليهود ومن أيدهم من الفقه الغربي وذلك للتهرب من تطبيق اتفاقية جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بحماية المدنيين المعتقلين وسنتناول في هذا النقطة موقف إسرائيل من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة المعتقلين الفلسطينيين والرد عليها وكذلك  الموقف الدولي بشأن انطباق اتفاقية جنيف  على المعتقلين الفلسطينيين.

أولاً: موقف إسرائيل من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لسنة ١٩٤٩ م على المعتقلين الفلسطينيين.

اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي موقفا بشأن انطباق اتفاقية جنيف على المعتقلين الفلسطينيين وحاولت تأسيس هذا الموقف برفضها تطبيق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أنه ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية و القدس الشرقية في العام ١٩٦٧ قامت بفرض حكمها العسكري ورفضت الاعتراف بتلك الأرض كأرض محتلة وتعارض سلطات الاحتلال الإسرائيلي تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة والخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب على الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم وضوح نصوص هذه الاتفاقية بشكل لا لبس فيه والتي يتأكد من خلالها انطباقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك صدور العديد من القرارات من قبل المنظمات الدولية التي تؤكد ذلك إلا أن إسرائيل تتنكر وترفض تطبيقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم توقيعها عليها في كانون الأول عام ١٩٤٩ م وصادقت عليها بتاريخ ٦ كانون الثاني عام1951دون إبداء أي تحفظات موضوعية إلا في ما يتعلق باستخدام العلامات والشارات المميزة.

وبرغم اعتراف سلطات الاحتلال الإسرائيلي في بداية احتلالها أي في أشهر الاحتلال الأولى بأنها قوة محتلة وأعلنت أن الاحتلال سيستمر إلى أن تتم التسوية النهائية على قاعدة الأرض مقابل السلام وأقرت بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي التي احتلتها.

وورد ذلك الاعتراف في المنشور رقم( ٣ )بشأن انشاء المحاكم العسكرية الصادر في ٧ حزيران ١٩٦٧ م حيث نصت المادة ( ٣٥ )منه على " يترتب على المحكمة العسكرية تطبيق أحكام معاهدة جنيف  الرابعة، بصدد كل ما يتعلق بالإجراءات القضائية وإذا وجد تناقض بين هذا الأمر وبين المعاهدة المذكورة ، فتكون الأفضلية لأحكام المعاهدة ، أي أنه في حالة التعارض بين التشريع العسكري واتفاقية جنيف الرابعة تكون الأفضلية للاتفاقية.

 ولكن سرعان ما عدلت إسرائيل عن موقفها هذا وأصدرت الأمر العسكري رقم ( ١٤٤ ) بتاريخ ٢٢ تشرين الأول لسنة ١٩٦٧ أي بعد أربعة أشهر ونصف من الأمر السابق الذي أدخل بموجبه تعديلات على المنشور رقم( ٣) وحذفت المادة( ٣٥ )التي تتعلق بسريان الاتفاقية على الأراضي المحتلة واستبدالها بمادة أخرى لم يتم التطرق فيها إلى انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية كما في المادة التي تم إلغاؤها.

 وعللت السلطات الإسرائيلية قرارها بالتأكيد على أن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة ١٩٤٩ م ألا تتمتع بالسمو والأفضلية على القانون الداخلي الإسرائيلي ، وان ما تضمنته المادة ( ٣٥ )من البلاغ رقم ( ٣ )قد جاء بطريق الخطأ، كما لم ترفض إسرائيل بصراحة مسألة تطبيق الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية للعلاقات والشارات المميزة المنصوص عنها بالمادة ( ٣٨ ) من اتفاقية جنيف الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان المؤرخة في أغسطس سنة ١٩٤٩ ، فان إسرائيل ستستعمل درع داود الأحمر الشارة والعلامة المميزة المنصوص عنها بهذه الاتفاقية .

وقد اتسم الموقف الرسمي الإسرائيلي بعدم الرفض الرسمي وعدم القبول الصريح بانطباق حالة الاحتلال الحربي، وانتهى الأمر بخبرائها القانونيين إلى تقديم مبررات قانونية للتهرب من تطبيق الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة متذرعة بأسباب وحجج ساقها الفقه الإسرائيلي والفقه الغربي المؤيد له وعلى رأسهم " يهودا بلوم " الذي استند لما أطلق عليه فراغ السيادة إذ رأى أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تطبق إلا إذا حل المحتل محل الحاكم الشرعي وأن ادعاء الأردن بحقه في الضفة الغربية لم تعترف به إسرائيل والأغلبية العظمى من دول العالم و أن الأردن التي حكمت الضفة الغربية منذ سنة ١٩٤٩ م وحتى ١٩٦٧ لم يكن لها سيادة على الضفة الغربية وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة والوجود المصري فيه ويعتبر أن وجود الأردن ومصر في فلسطين غير قانوني وادعى أن الفلسطينيين لم يؤكدوا سيادتهم على الأرض و أنه لا توجد جهة ذات سيادة سابقة عليها.

وتدعي إسرائيل أن هذه الحجة مستمدة من نص المادة الثانية المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع التي تنص على " علاوة على الأحكام التي تسري وقت السلم ، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة ، حتى لو لم يعترف أحدهما بحالة الحرب . وتنطبق الاتفاقية أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم احد الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة ..."

حيث يلاحظ أن إسرائيل أقامت حجتها هذه على اعتبار أن الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكونا تابعين لأية دولة أخرى قبل السيطرة عليهما من قبل إسرائيل و بأنها لا تحتل أرضا لأحد الأطراف المتعاقدة وإنما أرضا متنازع عليها لم يبت في مسألة السيادة عليها، وفي الواقع أن هذه الحجة لا أساس قانوني لها، وأنه وفقا للحقائق التاريخية والقانونية أنه لم يحدث أي فراغ للسيادة في فلسطين، كما أن سيطرة الأردن على الضفة الغربية والقدس قد جاء بناء على قرار الجامعة العربية الصادر بتاريخ ٢ ابريل ١٩٤٨ حيث أصدرت الأردن العديد من القرارات إلى أن تم توحيد الضفتين وتكوينهما لدولة واحدة وواجه ذلك معارضة عربية وأعيد الأمر مرة أخرى إلى الشعب الفلسطيني باعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

كما أن الضفة الغربية لم تكن في أي من الأحوال تحت السيادة الأردنية بل كانت للفلسطينيين وهو ما أكدته اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية بقرارها في 22 أبريل 1948 والذي جاء فيه "أن دخول الجيوش العربية لفلسطين لإنقاذها يجب أن ينظر إليه كتدبير مؤقت خال من كل صفة من صفات الاحتلال أو التجزئة لفلسطين وأنه بعد إتمام تحريرها تسلم إلى أصحابها ليحكموها كما يريدون ، كما أن مجلس الجامعة العربية وبعد ضم الأردن للضفة الغربية قد أصدر قرار في ١٢ حزيران ١٩٥٠ أكد فيه على أن ضم الجزء الفلسطيني للأردن هو إجراء تقتضيه الضرورة العملية وأنها تحتفظ بهذا الجزء كوديعة تحت يدها ومن جهة ثانية ومما يدحض حجة إسرائيل في تبرير احتلالها قيام الأردن بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في 31/07/1988 الأمر الذي ألغي به الادعاء الإسرائيلي من أساسه.

أما فيما يخص الادعاء بأن سيادة مصر على قطاع غزة غير شرعية، فإنه بعد انتهاء الانتداب البريطاني علي فلسطين بقي قطاع غزة تحت السيادة الفلسطينية مع خضوعه لرقابة القوات المصرية بفلسطين/ وان جمهورية مصر العربية لم تدع نهائيا أي سيادة لها على قطاع غزة ومارس الفلسطينيين السلطة بمراقبة القوات المصرية و صدر في ذلك فتوى من مجلس الدولة المصري أكد فيه "أن قطاع غزة منفصل انفصا ً لا كليًا عن مصر في جميع النواحي التشريعية والتنفيذية والقضائية ولا يعتبر انفراد رجال الحكومة المصرية ببعض السلطات الثلاث إهدارًا لهذا الكيان الذاتي للقطاع من الوجهة الدولية..."

كما وصدرت فتوى أخرى تم التأكيد من خلالها أن "قطاع غزة ما هو إلا جزء من دولة فلسطين تتوافر له مقوما ً ت الدولة من شعب يتمثل في شعبه المقيم فيه وإقليم يتمثل في جزء من أراضي فلسطين هو قطاع غزة وسلطة أو حكومة تتمثل في السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تقوم على شؤون القطاع ولا يغير من ذلك بعض النصوص الواردة في النظام الدستوري والتي أشارت إليه بعض الاختصاصات المقررة لرئيس جمهورية مصر العربية ووزير دفاعها إذ إنها قائمة على أساس خضوع هذا الجزء من أرض فلسطين لرقابة القوات المسلحة المصرية بالكيفية الواردة بقرار اللجنة السياسية بجامعة الدول العربية.

وبذلك يتضح – كما بين الباحث على محمد حلس -  أن الادعاءات الإسرائيلية في تبرير احتلالها لقطاع غزة لا يستند إلى أي أساس قانوني كما ادعت كون مصر لم تدعي يوما أنها صاحبة سيادة على قطاع غزة . وأكثر من ذلك تحاجج إسرائيل أن حرب حزيران سنة ١٩٦٧ كانت حربا دفاعية وان إسرائيل أحق بالأرض من الأردن في الأراضي التي استولت عليها وان إسرائيل دخلت الضفة في حرب بدأتها الأردن وفقا لأحكام المادة ( ٥١ ) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على " ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. ".

 وان دخول الأردن للضفة الغربية غير مشروع مخالف للمادة( ٢)  فقرة ( ٤)من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على " يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة".. وإن سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب سنة ١٩٦٧ م عمل قانوني مشروع كونه جاء نتيجة لاستخدامها حق الدفاع الشرعي عن النفس وهو أقوى من حقوق الأردن ومصر على الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويري الباحث بأن هذه الحجة كسابقاتها جاءت مستخفة بالمجتمع الدولي والقانون الدولي فالمادة الأولى من اتفاقية جنيف الرابعة أكدت أن الاتفاقية يجب أن تحترم من قبل الدول المتعاقدة في جميع الأوقات وفي جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي بغض النظر عن الكيفية والظروف التي نشأت بموجبها حالة الاحتلال.

كما وتتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي وافقت عليه إسرائيل لدى قبول عضويته من ميثاق الأمم المتحدة بتحريم / في الجمعية العامة للأمم المتحدة وان ما قررته المادة ( ٢) التهديد باستعمال القوة أو استخدامها في علاقتها الدولية في الاعتداء على أرض الغير أو الاعتداء على القرار السياسي واستقلاله بشكل لا يتفق مع ما تهدف إلية الأمم المتحدة إلا أن إسرائيل تفسر ذلك النص بشكل يتعارض ومقاصد الأمم المتحدة ليخدم سياستها وتبرير أطماعها في الأراضي المحتلة.

كما حاججت إسرائيل بأن احتلالها طويل الأمد ويختلف شكلا ومضمونا عن المراد به في الاتفاقية فهو فريد من نوعه أدى إلى قيام وضع خاص يبرر عدم التطبيق ،وفي هذا تحدي واضح للقانون الدولي الإنساني الذي أكد بشكل لا لبس فيه انطباق اتفاقية جنيف الرابعة في جميع حالات الاحتلال الكلي أو الجزئي بدون أي استثناءات وان هذا التبرير الغرض منه تهرب إسرائيل من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتفتقر الحجج والأسانيد التي ترتكز عليها إسرائيل بخصوص رفضها تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني عامة ، والاتفاقية الرابعة لحماية المدنيين عام ١٩٤٩ م خاصة إلى الأساس القانوني، وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل قبول اتفاقية جنيف قبولا قانونيا إلا أنها أعلنت رسميا أنها تطبق أحكامها الإنسانة تطبيقا فعليا.

وحقيقة ما يجري على أرض الواقع مخالف لذلك تماما لان معظم الجوانب الإنسانية التي أقرتها الاتفاقية تنتهك يوميا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا سيما فيما يتعلق بانتهاك الحقوق التي أقرتها اتفاقية جنيف الرابعة فيما يتعلق بالمدنيين المعتقلين حيث تعاملهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بصورة غير إنسانية تتعارض تماما مع ما أقرته اتفاقية جنيف الرابعة من حماية ورفضت اعتبار الأسرى الفلسطينيين مقاتلين من أجل الحرية أو الاستقلال كون إقرارها بذلك يعني اعتراف من قبلها بان وجودها في الأراضي الفلسطينية غير شرعي تحتلها رغم عدم قانونيتها.

 إلا أن السلطات الإسرائيلية كغيرها من الدول التي تحتل إقليم الغير تحاول التهرب من التزاماتها يشتي الوسائل ، فمنذ عام ١٩٤٩ ، اعترضت أغلب الدول الاحتلال على تطبيق قانون الاحتلال في الأقاليم التي وقعت تحت الاحتلال، مثال ذلك: العراق عند احتلالها للكويت، الاتحاد السوفيتي حين احتلال أفغانستان، لما ثم يتعين عليها دفع فاتورة الاحتلال وعلى رأسها الالتزام بأحكام اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولذلك تحرص الحكومة الإسرائيلية على اعتبار أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي غير مشروعة وتعتبر الأسرى الفلسطينيين مجرد قتلة وإرهابيين وخارجين على القانون ومخربين ، وعملت على توظيف القانون لخدمة ما تسعي إليه وقدمت الأسرى والمعتقلين للمحاكمة وطبقت عليهم قوانينها الأمنية العقابية ، وان اعتبار المعتقلين الفلسطينيين إرهابيين يشهد توافق إسرائيلي على جميع المستويات الأمنية و القانونية والرسمية الإسرائيلية.

ونعتقد بأن إسرائيل قد اتخذت هذا الموقف بعدم الرفض الصريح لتجنب السخط الدولي والظهور أمام المجتمع الدولي و الرأي العام العالمي بأنها غير ملتزمة بأحكام القانون الدولي الإنساني.

ثانياً: الموقف الدولي بشأن انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لسنة ١٩٤٩ م على المعتقلين الفلسطينيين.

نظرا لتدهور وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب الانتهاك المستمر والمنظم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة فقد أكدت الأمم المتحدة في العديد من قراراتها على أن الاتفاقية تنطبق قانونا على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذا وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سلسلة من القرارات ذات الصلة المباشرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القرار رقم 42/160 المؤرخ 1987 والذي أعيد بموجبه التأكيد من جديد أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي المحتلة وطالبت إسرائيل بالإفراج عن العرب المحتجزين لديها أو المسجونين بشكل تعسفي نتيجة لكفاحهم من اجل تقرير المصير و تحرير أرضهم وأعربت عن استيائها لقيام إسرائيل بسجن مئات الفلسطينيين بشكل تعسفي وطالبتها بالإفراج فورا عن المحتجزين والمسجونين الفلسطينيين.

وكذلك تم التأكيد على أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على الأراضي المحتلة في العديد من قرارات  الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد بموجبها انطباق الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة وهذا يعني انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على المعتقلين الفلسطينيين وان توفر لهم الحماية التي تم إقرارها بموجبها حيث أصدرت قرارا بتاريخ ٢٥ابريل  ١٩٩٧ واهم ما تضمنه هذا القرار هو التأكيد من جديد على انطباق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة ١٢ أغسطس ١٩٤٩ والقواعد المرفقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس المحتلة وسائر الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل منذ عام ١٩٦٧ ، وتشير إلى التزام الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابع للوفاء بالتزاماتها القانونية باحترام الاتفاقية وضمان احترامها في جميع الظروف وتطبيقا لأحكام المادة الأولي منها.

ثم عادت الجمعية العامة في دورة استثنائية طارئة وأكدت على قرارها السابق بتاريخ ١٥ / يوليو / ١٩٩٧ فيما يتعلق بتوصياتها للأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب أن يعقدوا مؤتمر بشأن تدابير نفاذ الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس وضمان احترامها وفقا لأحكام المادة الأولي المشتركة وتطلب من الأمين العام أن يقدموا تقريرا بشأن المسألة في غضون مدة حددتها بثلاثة أشهر، وتلقت الجمعية العامة تقرير الأمين العام بموجب القرار السابق وأصدرت قرارها في جلسة استثنائية طارئة بتاريخ ١٢  نوفمبر  1997 وجاءت هذه التوصيات وأكدت علي المطالب الواردة في القرارين  من أجل كفالة احترام إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال للاتفاقية.

وتنفيذا لذلك دعت الجمعية العامة الحكومة السويسرية بصفتها الدولة المودعة للاتفاقية البدء باتخاذ ما يلزم من إجراءات لعقد المؤتمر ، بما فيها إمكانية عقد اجتماع للخبراء للتحضير لمؤتمر الأطراف السامية وأوصت الجمعية العامة في قرارها بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للمؤتمر وإشراكها في أي خطوات تحضيرية لذلك المؤتمر وبسبب عدم قيام الحكومة السويسرية بأية إجراءات تحضيرية لعقد المؤتمر الذي أوصت به الجمعية العامة وفي جلسة طارئة وأكدت على توصيتها للحكومة السويسرية بوصفها وديعة لاتفاقيات جنيف باتخاذ الخطوات التحضيرية اللازمة بما، وبالرغم منفي ذلك عقد اجتماع خبراء الأطراف السامية حتى نهاية ابريل  ١٩٩٨.

وعلى الرغم من وضوح القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا أن الحكومة السويسرية دعت لاجتماع رباعي برئاسة الحكومة السويسرية يضم إسرائيل وممثلي فلسطيني وبحضور ممثلي عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، للبحث في إجراءات تطبيق الاتفاقية في الأراضي المحتلة بشكل عام وليس الأراضي الفلسطينية المحتلة بصفة خاصة وكذلك تجنيب تسييس القانون الدولي الإنساني و ضرورة دعم عملية السلام.

وكما هو واضح لم تتم الإشارة إلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن ، والأخطر من ذلك لم يطرح على جدول الأعمال مسألة انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالتالي فقد تجاوز الاجتماع الرباعي حدود التفويض المعطى للحكومة السويسرية بموجب قرارات الأمم المتحدة كون التفويض لم يعطِ الحكومة السويسرية حقا مطلقا في عقد ما تشاء من اجتماعات وذلك على خلاف ما دعت إليه الأمم المتحدة وان الاجتماع الذي دعت إليه سويسرا هو محاولة لجعل الموضوع شأنا فلسطينيا إسرائيليا في تناقض واضح مع نصوص الاتفاقية وقرارات الأمم المتحدة التي أكدت على مسؤولية الأطراف السامية فيما يخص تطبيق الاتفاقية واحترام إسرائيل كقوة احتلال حربي لأحكامها، وتم النظر إلى الاجتماع الرباعي الذي دعت إليه سويسرا بكثير من الشك واعتبر تجاوزا والتفافا على قرارات الأمم المتحدة.

وقد أثمرت هذه الجهود بالإضافة إلى موقف السلطة الفلسطينية إلى العمل على إرجاع الملف مرة أخرى إلى الجمعية صاحبة الشأن في الموضوع إلى إصدار قرارها في 08 فبراير 1999 ، كما جاء في الفقرة السادسة منه ، وأوصت بموجبة الأطراف السامية أن تعمل  على تطبق اتفاقية جنيف وفقا للمادة الأولى المشتركة والدعوة لعقد مؤتمر في 15 يوليو 1999.

وكذلك دعت الحكومة السويسرية لاتخاذ الترتيبات اللازمة لعقد الاجتماع بوصفها الدولة الراعية للاتفاقية ، وقد تمت الدعوة لعقد مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة وعقد اجتماع في مقر الأمم المتحدة في سويسرا بتاريخ ١٥  يوليو١٩٩٩ بعد مخاض عسير ومحاولات ضغط مكثفة من الجانب الأمريكي والإسرائيلي على الجانب السويسري لعدم عقد الاجتماع ، استخدمت فيها كل الوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية للمماطلة في عقد الاجتماع وربطة بعملية السلام الجارية في الشرق الأوسط ، وبالرغم من التئام المؤتمر ورغم مقاطعة الولايات المتحدة وإسرائيل له حضرة ( ١٠٣ )دول وبحضور عن ممثلي فلسطين ، وتمخض المؤتمر عن بيان مقتضب أكد فيه على تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والعودة مرة أخرى للاجتماع للنظر في تطور الوضع الإنساني في المنطقة.

وهذا البيان الذي نجم عن مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة الذي يعقد لأول مرة في تاريخ الاتفاقية ورغم أهميته إلا أن النتائج كانت مخيبة إذ أن الأطراف المتعاقدة كان عليها النظر في ماهية الوسائل التي يمكن أن تكفل احترام إسرائيل للاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وذلك إعمالا للمادة الأولي المشتركة .

و نص على ذلك قرار الأمم المتحدة الذي أوصى بعقد الاجتماع ولم يحدد البيان تاريخا يمكن أن تلتئم به المؤتمر مرة أخرى ، وبالتالي ترك الأمر مفتوحا إلى إشعار آخر فقد لا تتكرر الفرصة مرة أخرى ، وبالتالي يعتبر ما حدث في ذلك تراجعا عن قرار الأمم المتحدة الذي حدد تواريخ محددة ومهام المؤتمر ، بالإضافة لذلك لم يتطرق المؤتمر إلى تشكيل لجنة خاصة أو إلى إحالة الأمر للجنة الدولية للصليب الأحمر لمراقبة الأوضاع الإنسانية في المنطقة لرصد تطورها من عدمه ، وكذلك ترك الأمر دون تحديد وذلك لرأي الأطراف ووجه نظرهم .

وان ما جاء في البيان لم يتطرق لاسم إسرائيل بأي شكل ولم يؤكد على قضية الانتهاك الإسرائيلية في الأراضي المحتلة أو الدعوى لوقفها ، وكذلك تراجع عن قرار الأمم المتحدة بشأن القدس فحدد القدس الشرقية رغم أن قرار الأمم المتحدة ذكرها دون تحديد وهذا له مدلوله القانوني والسياسي و أن دعوة الأطراف مرة أخرى للاجتماع في النظر في آليات إجبار إسرائيل على احترام الاتفاقية ووفقا لأحكام المادة الأولى المشتركة يتوجب النظر في تفاصيل الوضع الإنساني وتطوره ومن وجهة النظر الإسرائيلية ومحاولات خلق المبررات والذرائع أو تأثير ذلك على المسيرة السلمية والقفز عن الجانب القانوني للاتفاقية إلى الجانب السياسي وبالتالي تسييس القانون الإنساني برمته وخلق سابقة خطيرة في هذا المجال.

كما تم التأكيد على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة ١٩٤٩ على المناطق المحتلة بدون لبس من قبل العديد من المنظمات الدولية المتخصصة المختلفة واللجان التابعة للأمم المتحدة. ومن أكثر القرارات وضوحًا في هذا الشأن ضمن المجموعة الكثيرة من القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية القرار الذي اتخذته لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة و في جلستها الخاصة بتاريخ 09 أكتوبر 2000 التي أدانت بموجبة إسرائيل و أكدت على  وجوب التزامها كقوة محتلة باتفاقية جنيف الرابعة من العام ١٩٤٩ و البروتوكول الإضافي الأول الملحق بها من ا لعام ١٩٧٧.

واعتبرت اللجنة أن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة هي من قبيل جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية وأكد على وجوب تشكيل لجنة تحقيق دولية في هذه الجرائم و قرار مجلس الأمن الدولي رقم٧ /١٣٢٢ و دعا إسرائيل كدولة احتلال إلى الالتزام  المطلق بالتزاماتها القانونية وبمسئولياتها المنصوص عليها في اتفاقية جنيف الرابعة إلا أن إسرائيل تنصلت من الالتزامات المطالبة بها كقوة احتلال طوال سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية و ما يترتب عليها من هذه الالتزامات، وبوجه الخصوص ما يجب عليها القيام به من إجراءات لحماية المدنيين الفلسطينيين و تحديدًا المعتقلين منهم حارمه إياهم من مجمل ما تكفله لهم المواثيق و المعاهدات الدولية ذات الصلة، كما اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي أن الاتفاقية الرابعة تنطبق على كافة الأراضي المحتلة.

وأمام عجز الصليب الأحمر عن إقناع الحكومة الإسرائيلية بالإعلان عن موافقتها بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة على سكان الأراضي العربية المحتلة والالتزام بأحكام هذه الاتفاقية فقد أعلنت أنه نظرا لهذا الموقف، ولعدم وجود سلطة فعلية للجمعية لتطبيق الاتفاقية ولغياب القوة الحامية فإن الصليب الأحمر يكتفي بالقيام بدوره الإنساني بالحدود الممكنة لإيجاد التسهيلات العملية التي توافق عليها الحكومة الإسرائيلية.

كما أكدت معظم حكومات العالم وكذلك محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عنها في قضية ناميبيا عام ١٩٧٠ بانطباق الاتفاقية إبان الاحتلال الحربي وطالبت جنوب أفريقيا بصفتها دولة احتلال ، الالتزام بتطبيق الاتفاقيات متعددة الأطراف ذات الصفة الإنسانية.

وبعد أن أكدنا أن الأراضي الفلسطينية أرض محتلة وليس مدارة وفقا لوجهة النظر الإسرائيلية وأن تطبيق الاتفاقية يبدأ منذ بدء النزاع أو الاحتلال كما هو مبين في المادة السادسة الفقرة الأولي من الاتفاقية والتي تنص على "تطبق هذه الاتفاقية بمجرد بدء أي نزاع" أي يشكل تلقائي وفوري، وقد أكد على ذلك البروتوكول الأول   في المادة الثانية منه  والتي تنص على " تطبيق الاتفاقيات وهذا " البروتوكول منذ  بداية الأوضاع المشار إليها في المادة الأولى من هذا " البروتوكول " وقد أشارت اتفاقية جنيف الثالثة إلى الحد الذي يتوقف عنده تطبيق الاتفاقية في المادة ( ٦) نصت على " يوقف تطبيق هذه الاتفاقية في الأراضي المحتلة بعد عام واحد من انتهاء العمليات الحربية بوجه عام" كما وحدد البروتوكول الأول لسنة ١٩٧٧ م الوقت الذي يتوقف عنده تطبيق الاتفاقية الرابعة والبروتوكول الأول وذلك بموجب المادة ٣ الاتفاقيات وهذا " البرتوكول " في إقليم أطراف النزاع عند الإيقاف العام للعمليات العسكرية وفي حالة الأراضي المحتلة عند نهاية الاحتلال، أي أنه ما دام هناك احتلال فان الاتفاقية تبقى سارية ، وبهذا فان انتهاء أحكام الاتفاقية الرابعة وملاحقها ينتهي بانتهاء المبرر لتطبيقها.

إن السبب الحقيقي لرفض السلطات الإسرائيلية الإعلان عن انطباق الاتفاقية الرابعة هو الرغبة في عدم التقيد بأحكامها لأنها في تصرفاتها وإجراءاتها وفي نطاق سياستها العامة التي تنفذها في الأراضي الفلسطينية المحتلة تناقضًا واضحًا وصريحًا مع النصوص والأحكام التي أتت بها هذه الاتفاقية.

ثالثاً: الجدل الفلسطيني بشأن التكييف القانوني للمراكز القانوني للمعتقلين الفلسطينيين في اعقاب انضمام فلسطين للاتفاقيات جنيف الأربعة.

استقرت في صلب الأدبيات القانونية والحقوقية والسياسية الفلسطينية، وكذلك في وجدان الشعب الفلسطيني، استخدام مصطلحي ( الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ) في رسالة وعي فلسطيني  تبدو  مقصودة بشكل كبير،  مفادها ادراك شعبنا الفلسطيني أهمية محاربة ومجابهة المصطلحات الإسرائيلية التي تطلقها على الفلسطينيين في سجونها، ومفادها أيضا ادراك جزء كبير من شعبنا الفلسطيني للمراكز القانونية الدولية التي ترتب اثار قانونية  دولية على استخدام المصطلحين.

في ظل هذه الحالة المستقر من استخدامي المصطلحين معا ( مصطلحي أسرى ومعتقلين ) ظهرت حالة من حالات الجدل القانوني والسياسي، بين اتجاهين، الأول، يصمم على أطلاق مصطلح الأسرى على الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية، والثاني يري أن الوصف القانوني الصحيح لهم ( معتقلين مدنيين).

حالة الجدل القائمة، والتي تفاقمت في اعقاب انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، لم تكن تعبر عن حالة صدام مجتمعي، بل على العكس كانت ومازالت تندرج في إطار الاجتهادات القانونية الوطنية الهادفة لتحسين تمتع المعتقلين والأسرى الفلسطينيين بأقل قدر من الحماية القانونية الدولية، من ناحية، ومن ناحية اخري البحث عن الالتزام قانوني وأخلاقي للوكلاء المدنيين والعسكرين لدولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي، بما يساعد على إظهار منهجهم المنافي لصحيح القانون الدولي، فيما يلي نعرض الادلة التي ساقها كل فريق، على الوجه التالي :

1 : الرأي القائل بأن الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية ( أسرى حرب ).

يذهب بعض الباحثون لاعتبار أفراد المقاومة الفلسطينية الذين يقعون في قبضة سلطات الاحتلال الإسرائيلي " أسرى حرب " ويجب أن يعاملوا بموجب أحكام اتفاقية جنيف الثالثة  والبروتوكول الأول لسنة ١٩٧٧ م وقد اعتمدوا في تبرير موقفهم، على ما يلي :

إن القانون الدولي قد أسبغ الصفة الدولية على المقاومة التي تقوم بها حركات التحرر الوطني للاحتلال ، واعتبر ما تقوم به من مقاومة مشروعة ولما كانت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المحتفلة، تعد من حركات التحرر المعترف بها دوليا فإنها بذلك يحق لها الاستفادة من تطبيق أحكام اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ والبروتوكولين الإضافيين الملحقين باتفاقيات جنيف لعام ١٩٧٧ باعتبارها طرفا دوليا له سيادة قانونية على الإقليم المحتل ومن حقها السعي من أجل نيل حقها في تقرير المصير ، واستنادا إلى السوابق العالمية والاتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة فإن كل فرد ينتمي إلى أي من الفصائل الفلسطينية المسلحة المقاومة يعتبر مقاتل قانوني ويعتبر أسير حرب إذا ما وقع في قبضة الاحتلال الإسرائيلي.

انضمام فلسطين لاتفاقيات جنيف الأربعة، في اعقاب حصولها على مركز دولي جديد في هيئة الامم المتحدة في العام 2012.

إن ما جاء في أحكام اتفاقية جنيف الثالثة لسنة ١٩٤٩ م قد جاء مؤكدا بانطباقها في جميع حالات الاحتلال الكلي أو الجزئي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة حتى ولو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.

تم التأكيد بموجب المادة الثالثة من البروتوكول الأول لسنة ١٩٧٧ م المكمل لاتفاقيات جنيف بان تطبق هذه الاتفاقية وهذا اللحق" البروتوكول " منذ بداية أي من الأوضاع المشار إليها في المادة الأولي من هذا البروتوكول وهي حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح ينشب بين الأطراف المتعاقدة و في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة حتى لو لم يواجه مقاومة مسلحة وكذلك في الحالات التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية.

مراعاة حركة المقاومة الفلسطينية في عملياتها قواعد وأعراف الحرب وان العبرة في مدى تقيد الأفراد به وينظر إلى كل حالة على حدة فيستفيد من الحماية المقاتلون الذين تقيدوا في عملياتهم بقوانين وأعراف الحرب ويقدم للمحاكمة من انتهكها منهم بارتكاب جرائم الحرب ، وبالتالي فإنه إذا ما وقع احد أفراد المقاومة الفلسطينية في الأسر يستفيد من الحماية وفقا للمادة الرابعة من الاتفاقية ما لم يثبت بقرار المحكمة المختصة وفقا للمادة الخامسة من الاتفاقية عدم استفادته من الحماية بسبب ارتكابه مخالفات لقوانين وأعراف الحرب أو لأي سبب آخر يجيز القانون تقديمه للمحاكمة

إن الأراضي الفلسطينية تعتبر محتلة بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وذلك بسبب السيطرة الإسرائيلية على كافة مناحي الحياة فيها وان ما قامت به سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا يتعدى كونه بإعادة الانتشار لقواتها .

استناد المقاومة الفلسطينية في مقاومتها للاحتلال إلى مبدأ حق تقرير المصير وإن الأمم المتحدة اعترفت بقراراتها بالنسبة للفلسطينيين بحقهم في تقرير المصير واعتبرتهم احد الشعوب التي تتمتع بهذا الحق.

التزام أفراد المقاومة الفلسطينية بتميز أنفسهم عن السكان المدنيين أثناء اشتباكهم المسلح مع قوات الاحتلال بحمل السلاح بشكل ظاهر كما أن معظم الفصائل الفلسطيني تحرص على أن يرتدي عناصرها المسلحة الذي العسكري.

خلاص هذا الرأي، بأنه نحصر على معالجة وضع أفراد المقاومة الفلسطينية، الذين يأخذون وصف مقاتل شرعي، وأنه لا يستجيب لكل حالات الاعتقال التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل يومي وتطال العشرات بل المئات من الفلسطينيين، لذا استوجب الأمر النظر في الرأي الأخر.

.2 : الرأي القائل بأن الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية ( معتقلين مدنيين ).

بالباحثين و معهم منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، يؤكدون أنه مع تتعدد الأسباب التي تشكل ذريعة للاحتلال في اعتقال الفلسطينيين ، وفي بعض الأحيان يتم الاعتقال دون أسباب ودون توجيه تهمة ومع ذلك يستمر الاعتقال لسنوات .

وبالتالي لا يمكن تعميم سبب واحد للاعتقال على كافة حالات الاعتقال. القليل من الأسرى تم أسرهم أثناء عمليات للمقاومة وهم بذلك يخضعون لاتفاقية جنيف الثالثة بشأن الأسرى والمؤرخة في عام 1949  ، والكثير من المعتقلين تم اعتقالهم على خلفية انتمائهم لفصائل مقاومة ولكن ليس أثناء عمليات المقاومة، وهؤلاء يخضعون إلى اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين اثناء النزاع المسلح أو الاحتلال ، والبعض تم اختطافه ثم وجهت له بعض التهم ، والبعض تم أخذهم كرهائن كما هو الحال بالنسبة للوزراء والنواب وذلك مقال إطلاق المقاومة سراح الجندي الإسرائيلي المفقود في قطاع غزة " جلعاد شاليط" ،وهؤلاء ضحايا لجريمة حرب استنادا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، وهناك من لم يتم توجيه تهمة محددة له ، بالإضافة إلى بعض المحتجزين تحت مسمى مقاتل غير شرعي ، وهذين الصنفين من المعتقلين هم ضحايا لجرائم حرب يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي .

وهكذا ومن خلال الوقوف على الشروط الواردة  بشأن الأسرى في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة فأن هؤلاء الباحثين يروا أن الشروط لا تنطبق على المعتقلين الفلسطينيين ، وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الرابعة هي التي تنطبق على غالبية المعتقلين في السجون الإسرائيلية وليس الاتفاقية الثالثة.

ولذلك فإن هناك حالة واحدة يمكن القول أنها تنطبق بحق جميع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية وهي كونهم ضحايا جريمة حرب ، وذلك بسبب انتهاك سلطات الاحتلال الإسرائيلي لقواعد القانون الدولي الإنساني .

.3 : الرأي القائل بأن جزء من  الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية ( رهائن لدي الاحتلال الإسرائيلي ).

لم تتوقف حالة الجدل، عند حد الرأيين الرئيسين، بل ذهب البعض رأي ثالث، لاعتبار الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وخاصة من سكان قطاع غزة، رهائن لدي سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، مستندين على ما جاء في  الأحكام الخاصة بنظام الإفراج عن المعتقلين وخاصة المادة ( 132)الفقرة الأولي التي تقضي بأنه " تفرج الدولة الحاجزة عن أي شخص معتقل بمجرد زوال الأسباب التي اقتضت اعتقاله".

مبررين ذلك أن تطبيق دولة الاحتلال لخطة إعادة الانتشار من قطاع غزة في العام 2005، يؤكد زوال الأسباب التي اقتضت اعتقال المدنيين في قطاع غزة، ويستوجب على دولة الاحتلال الافراج الفوري عنهم دون شرط أو قيد، وإلا تحولوا إلى " رهائن " لدي دولة الاحتلال.

حقيقة أرجح، وأميل لاعتبار رجال المقاومة الفلسطينية الذين يلقي العدو الإسرائيلي القبض علية أثناء مشاركتهم الفعلية في العمليات العدائية، باعتبارهم " أسرى حرب"،  وتنطبق عليهم احكام اتفاقية جنيف الثالثة، بينما بقيت الفلسطينيين الذين يعتلقون لأسباب أو لغير أسباب يمكن وصفهم باعتبارهم ( معتقلين مدنيين)  وتنطبق عليهم بشكل فوري ودون حاجة لأى أجراء إسرائيلي اتفاقية جنيف الرابعة. 

دون أغفاء الرأي المعتبر المعتقلين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، باعتبارهم رهائن لدي الاحتلال، وأن كان الأمر يتطلب عملية بحث قانوني جدية لأثبات بالدليل ارتكاب دولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي لجريمة أخذ الرهائن التي  تعتبر مصادرة غير مشروعة للحرية الشخصية لهذا السبب اعتبر تصرفاً جرمياً بموجب التشريعات الجنائية الوطنية، وإضافة أنه يعد من أبشع الفعال التي يدينها المجتمع الدولي باعتباره يمس حق الإنسان في الحياة، فضلا عما يترتب عليه من معاناة صحية ونفسية للضحية بسبب التهديد المستمر بالقتل.

وفي الواقع فإن أهمية هذا الحظر لم تكن خافية على الفقه الدولي، حيث ذهب J .De Arechaga إلى إعطاء القواعد القانونية الدولية التي تحظر أخذ الرهائن مرتبة قانون الشعوب، فهي تشكل جزءا من مجموعة المبادئ التي يعترف بها المجتمع باعتبارها حامية لقيم ذات أهمية حيوية للإنسانية تهم جميع الدول، وعند خرق هذه القواعد فإنها تعكر صفو العلاقات الودية بين الشعوب. لهذا فإن من بين الالتزامات الأساسية التي تقع على عاتق المحتل الامتناع عن أخذ الرهائن من بين سكان الإقليم المحتل، وهذا العمل المشين يتخذ أحد شكلين هما:

الشكل الأول أخذ الرهائن وتعريضهم للخطر ردعا للمواطنين ومنعهم من القيام بأعمال المقاومة ضد المحتل مثلما قامت به سلطات الاحتلال الألمانية مع المشاهير الفرنسيين خلال حرب عام 1870.

أما الشكل الثاني فهو أخذ الرهائن وإعدامهم بالرصاص عند حدوث أعمال معادية للمحتل، وبمعنى آخر تلجأ دولة الاحتلال عادة لأخذ الرهائن لغرض إضعاف روح المقاومة عند الأهالي، أو لغرض ضمان احترام تشريعات دولة الاحتلال، مع أن أخذ الرهائن يعد شكلا من أشكال المسؤولية الجماعية وخرقا للقانون الإنساني.

اتفاقية جنيف الرابعة حظرت على المحتل بنص قاطع أخذ الرهائن بنص المادة 34 حظرا تاما، وكذلك نصت المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول على حظر أخذ الرهائن في أي زمان ومن أي مكان، وسواء قام بهذا الفعل أشخاص مدنيون أو عسكريون.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد