قد يجد البعض صعوبة في الربط ما بين أزمة الرواتب التي تفجرت فاجأه في الساحة الفلسطينية بعد قرار الحكومة الفلسطينية خصم حوالي 30% من رواتب الموظفين أو ما سوف يتبعها من أزمات، وبين التحولات في الساحة الإقليمية والدولية، خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض، فبالنظر للاستراتيجية الجديدة، التي يتبناها الرئيس ترامب وفريقه المعاون، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، سواء بمحاولة أمريكا تكوين تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، أو من خلال إعادة الدفء للعلاقات الأمريكية مع مصر والسعودية ودول ما كان يعرف بمحور الاعتدال، والدخول في حالة عداء سياسياً -حتي الآن- مع إيران وحلفاها في المنطقة، فكل ذلك يؤكد أن المنطقة العربية مقبلة على مرحلة إعادة ترتيب من جديد، وفق المنظور الأمريكي، الذي يحمل إيران وحلفائها، بالإضافة للحركات الإسلامية السنية مسؤولية حالة عدم الاستقرار في المنطقة، لذلك يتوجب العمل بشكل جاد للقضاء عليها أو على الأقل تحجيم نفوذها، عبر ممارسة ضغوط سياسية ومالية عليها، وعلى كل الدول التي تدعمها.
وهذا الأمر أصبح يتطلب إعادة تموضع لكل الهياكل السياسية في المنطقة، بما يتناسب مع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، ومن أجل تحقيق ذلك ترى أمريكا لأبد إنهاء القضية الفلسطينية بأسرع وقت ممكن؛ عبر طرح صفقة شاملة ما بين العرب وإسرائيل، تمهد للتحالف الجديد، باعتبار أن القضية الفلسطينية قضية جوهرية، وأن أي جهود لتحقيق أمن واستقرار المنطقة لابد أن تبدأ منها، وأن محاربة الجماعات الإرهابية أصبح يتطلب إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية عبر أي طرف، خاصة في ظل الحديث الإسرائيلي المتكرر عن الحل الإقليمي، الذي يعني إقامة دولة فلسطينية في غزة ، عقب توسيع مساحة القطاع (جنوباً أو شرقاً أو غرباً)، خاصة في ضوء قمة العقبة التي والتي ناقشت تسوية القضية الفلسطينية، بدون حضور الطرف المعني.
لقد بات من المؤكد أن أزمة الرواتب جاءت في سياق إعادة التكيف مع التحولات العميقة التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية، وفي ضوء زيارة الرئيس محمود عباس لواشنطن خلال هذا الشهر، التي من المنتظر أن تناقش مستقبل عملية السلام، في ضوء التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن إمكانية طرح أمريكا مبادرة جديدة للسلام، عبر عقد مؤتمر جديد للسلام، بحضور الدول العربية وإسرائيل والفلسطينيين، لذلك استشعرت القيادة الفلسطينية الخطر من استمرار حالة الانقسام الفلسطيني، واستمرار حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة، خاصة في ظل الرغبة الإسرائيلية بإضعاف الموقف الفلسطيني عبر استمرار الانقسام، والتلويح بالحل الإقليمي كخيار بديل أو ورقة ضغط على القيادة الفلسطينية، من أجل التجاوب مع الشروط الإسرائيلية أو المسودة الأمريكية التي قد لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
لذلك يتوجب على حركة حماس أن تدرك خطورة المعادلة الدولية والإقليمية، وأن تدرك صعوبة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في غزة ، وأيضا عليها أن تدرك محدودية هامش المناورة لديها، وأن تعي تماماً الترابط الكبير بين الأحداث الأخيرة، التي بدأت من القمة العربية، والحضور الأمريكي اللافت فيها، والتقارب المصري السعودي، وأن تعي أيضاً المخططات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، فعليها أن تربط بين كل ذلك، ومستقبل قطاع غزة في ظل تلك التطورات والتحولات الدولية، بهدف استخلاص الدروس قبل فوات الأوان، عبر الدخول فوراً في حكومة وحدة وطنية والتخلي عن سيطرتها على قطاع غزة، بهدف تجنيب تقسها وتجنيب الحالة الفلسطينية مزيد من التشتت والتشظي عبر الدخول في الصراعات الحزبية مرة أخرى.
وعلى الجميع أن يعي خطورة الأوضاع وصعوبة الأمور وحساسية الحالة التي تتطلب وحدة وطنية حقيقية بهدف تصليب الموقف الفلسطيني، وتعظيم الاستفادة الفلسطينية من المساعي الأمريكية وتقليل المخاطر، وعدم السماح لأي طرف لاستخدم الانقسام ورقة ضغط على المفاوض الفلسطيني في يد أمريكا أو إسرائيل أو التلويح بدولة غزة من أجل إجبار الطرف الفلسطيني على القبول بالشروط الإسرائيلية والمطالب الأمريكية، فنحن في أمس الحاجة لتوافق وطني فلسطيني وشراكة سياسية حقيقة زمن الحرب والسلم، في ظل مرحلة تشهد تحولات دولية وإقليمية غاية في الصعوبة والتعقيد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية