الشلل يصيب أسواق غزة جراء الخصم من رواتب الموظفين
غزة / سوا / تأثرت أسواق قطاع غزة بشكل كبير بقرار الحكومة خصم 30% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، ورفع العديد من محلات البقالة شعار «ممنوع الدين لموظفي السلطة»، في الوقت الذي واصل فيه هؤلاء استعداداتهم للبدء الفعلي في خطوات احتجاجية قد تصل إلى إضراب عن الطعام، المقرر ان يبدأ اليوم رفضا لقرار الحكومة القاضي بخصم هذه النسبة من الراتب.
ويشتكي في هذا الوقت أصحاب المحال التجارية، وأصحاب المركبات العمومية، من انعدام الحركة الشرائية وحركة المواصلات في أسواق وشوارع غزة.
وخلت الأسواق تقريبا من المتسوقين خلافا لمطلع كل شهر، عند تسلم الموظفون رواتبهم ، وباتت الحركة فيها ضعيفة كتلك التي تشهدها الأسواق في الأيام الأخيرة من كل شهر.بحسب ما أوردته صحيفة القدس العربي
ويؤكد أحد الشبان وهو صاحب محل في مخيم الشاطئ للاجئين، يوجد فيه سوق مركزي لبيع الخضار والمستلزمات المنزلية، أنهم بالعادة يعولون كثيرا على يوم الجمعة الأولى من كل شهر، لبيع كمية أكبر من سلعهم التجارية، غير أنه أكد أن حركة البيع عقب قرار الخصم، ضعيفة جدا، ولم تتعد ما نسبته 10% مما كانت عليه.
وانطبق الأمر ذاته على محال بيع الملابس التي كانت تشهد نشاطا ملحوظا عند أول كل شهر، وقال إسماعيل صالح الذي يملك محلا لبيع ملابس شبابية، إنه في اليوم الأول لخصم الراتب لم يقبل على محله أي زبون، وإن الوضع إذا ما استمر على هذا الحال، سينعكس سلبا على إيراد أسرته التي تعتمد على دخل هذا المحل لتدبير أمور حياتها.
كما بات قرار الخصم الحديث الأكبر في مركبات النقل العمومي، وذلك من خلال شكوى السائقين من ضعف حركة الركاب، مما يؤثر سلبا على تحصيلهم اليومي.
وقد حذر اقتصاديون من أثر الخصومات، وأكدوا أنها ستلقي بظلالها الثقيلة على عجلة الاقتصاد. ويقول ماهر الطباع الخبير الاقتصادي، أن ذلك سيؤدي إلى «تداعيات خطيرة وكارثية» على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، لافتا إلى أن الجزء الأكبر من الموظفين مدان للبنوك، وأن مجمل ما يتقاضونه شهريا لا يتجاوز 40% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال.
وأكد أن القرار سيتسبب في خلل كبير في «حركة دوران السيولة النقدية»، ونقصها من الأسواق، وأنه سوف يفاقم الأوضاع الاقتصادية ويتسبب في مزيد من الركود التجاري وارتفاع معدلات البطالة المرتفعة أصلا، التي تعد الأعلى عالميا، إضافة إلى تسبب قرار الخصم بزيادة كبيرة في الشيكات المرجعة وعدم الالتزام بتسديد الأقساط والعديد من المشاكل الاجتماعية.
وكانت الحكومة الفلسطينية قد قررت بشكل مفاجىء خصم هذه النسبة من الراتب، وهي المرة الثانية، حيث خصمت قبل ثلاثة أعوام تقريبا 10%، وهو ما حال دون حصول أعداد كبيرة من موظفي السلطة على قروض بنكية.
ويقول مروان حمد إن سبب امتناعه كالعادة عن التسوق بعد تسلم الراتب، أنه لم يبق له ما يكفي للشراء، وأنه قرر وزوجته التقليل لأكبر حد من نسبة المشتريات، واقتصارها على الأساسيات الملحة فقط، خاصة وأن ما تسلمه من الراتب لن يكفيه إلى لمنتصف الشهر.
ويقول هذا الموظف إن لديه ابنا يدرس في الجامعة، إضافة إلى أربعة آخرين في المدارس، وإن أسرته المكونة من سبعة أفراد تحتاج الى ضعفي الراتب الذي حصل عليه بعد الخصم لتدبير أمور حياتها الشهرية.
وتفاجأ عدد كبير من الموظفين بحصولهم على خمسين شيكلا فقط، وبعضهم على مئة أو مائتي شيكل، بعد استقطاع البنوك قيمة القروض، عقب تطبيق قرار الخصم (الدولار يساوي 3.6 شيكل)، في حين وضع موظفون آخرون إشعار قيمة الراتب الذي وصلهم عبر رسائل قصيرة من البنوك، على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، يطالبهم بتسديد مبالغ مالية تصل لأكثر من 200 دولار للبنك، لعدم كفاية المبلغ الذي حول لهم.
ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة الاقتصادية في غزة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن هناك الكثير من الموظفين يعيشون في منازل مستأجرة، ولن يتمكنوا في حال أبقت الحكومة على قرارها من دفع قيمة الإيجار الشهري، وهو أمر يهدد سكن أسرهم.
ومع بداية الأزمة تناقل السكان أنباء عن رفع العديد من محلات البقالة وبسطات بيع السجائر، لافتات كتب عليها «ممنوع الدين لموظفي السلطة»، خاصة وأن الموظفين يعتمدون على الشراء بالدين طوال الشهر، على أن يقوموا بتسديد ما عليهم عند استلام الرواتب.
وبسبب الخصم تعرض العديد من الموظفين لأزمات عصبية، عند علمهم بحجم الخصومات، وقد تلقى العديد علاجا في مشاف متفرقة في القطاع.
ويستعد موظفو السلطة في غزة للشروع رسميا في خطواتهم الاحتجاجية، بعد أن نصبوا منذ الخميس الماضي خيمة احتجاج لهم في ساحة الجندي المجهول غرب مدينة غزة. ونظمت في مناطق أخرى من القطاع تظاهرات رفع فيها المشاركون لافتات تنتقد بحدة الحكومة، بعد أن اتهموها بالتسبب في «مجزرة الرواتب».
ومن المقرر أن تصل الاحتجاجات ذروتها بإضراب عن الطعام، علاوة عن احتجاجات أخرى، بدعم من الفصائل الفلسطينية على رأسها حركة فتح، التي دعت الرئيس محمود عباس إلى إقالة الحكومة التي يرأسها رامي الحمد الله.
وطالب أسرى حركة فتح في سجون الاحتلال، جميع الموظفين في قطاع غزة الذين «سرقت رواتبهم» للخروج للشوارع والميادين وعدم العودة إلا بتحقيق مطالبهم، ودعوا كذلك لإقالة رئيس الوزراء ووزير المالية شكري بشارة .
كما رفضت حركة حماس من طرفها إجراءات الخصم، ووصفت القرار بأنه «تعسفي وغير مسؤول»، وأن الهدف منه تكريس أزمات القطاع.
وفي اجتماع طارئ أدانت فصائل اليسار، وعبرت عن رفضها المطلق لقرر الخصم الذي وصفته بـ «الخطير»، وطالبت السلطة بالتراجع الفوري عنه، وأبدت مخاوفها من أن تكون هذه الخطوة مقدمة لـ «خطوات إضافية من الحكومة اتجاه غزة»، وحذرت من «الأبعاد السياسية» لهذه الخطوة ومخاطرها على القضية الفلسطينية، ودعت لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وكانت الحكومة قط بررت قرار الخصم على موظفي غزة، بـ «الحصار المالي»، وتقليص الدعم الخارجي والحصار والاحتلال الإسرائيلي واستمرار الانقسام. ووجه قرارها كذلك بانتقادات واسعة من المؤسسات الأهلية والحقوقية في قطاع غزة، التي عبرت عن خشيتها من أن تكون العملية مقدمة لقطع رواتبهم بالكامل.