أصدرت حركة المقاومة الإسلامية حماس الميثاق المُحدِد لهويتها وأهدافها عام 1988 في بداية وذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة)، وقد اتسم الميثاق بالصبغة الإسلامية الملوّنة بالفكر السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي طغى على الفكر السياسي الوطني الفلسطيني، وتبنى الحل الاستراتيجي الحاسم المتمثل في تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، الذي رفض الحل المرحلي في التحرير. وبعد سنوات طويلة من التغيرات في الواقع المحلي والإقليمي والدولي وما صاحبها من تطور في الفكر السياسي للحركة ظهر جلياً على مستوى الفكر والممارسة السياسية وتُرجم هذا التطور في وثيقة تداولتها وسائل الإعلام نقلتها عن قناة الميادين الفضائية من المفترض أن تحل مكان الميثاق القديم للحركة، وعلى فرض صدقها وفي قراءة أولية لهذه الوثيقة يُمكن استخلاص تحوّلين مهمين في الفكر السياسي لحركة حماس هما: تحوّل نحو الفكر السياسي الوطني، وتحوّل نحو تبني فكرة التحرير المرحلي.

أولاً: التحوّل نحو الفكر السياسي الوطني:

1 – في الميثاق عرّفت حماس نفسها كجزء من جماعة الإخوان المسلمين "حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين"، بينما عرّفت نفسها في الوثيقة بأنها "إحدى مكوّنات الحركة الوطنية الفلسطينية الرئيسية" وأنها "حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية" فقد جاءت الهوية الإسلامية وبدون ذكر الإخوان المسلمين في الدرجة الثانية بعد الهوية الوطنية.

2 – في الميثاق حدد بواعث وأهداف الحركة بطريقة إسلامية واضحة فالبواعث هي "غياب الإسلام عن الساحة" والأهداف هي "منازلة الباطل وقهره ودحره ليسود الحق وتعود الأوطان وينطلق من فوق مساجدنا الآذان معلناً قيام دولة الإسلام". أما في الوثيقة فقد حددت هدفها بـ "تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيتها الإسلام...". فمن الواضح تقديم الإسلامي على الوطني في الميثاق، وتقديم الوطني على الإسلامي في الوثيقة.

3 – في الميثاق يطالب المنظمة تبني الإسلام كشرط لدخولها "ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها ووقود نارها"، بينما في الوثيقة لا يشترط ذلك بل يكتفي بالمطالبة بـ "تطوير المنظمة وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية". وهذه صيغة وطنية تسقط شرط تبني الإسلام كمنهج حياة رغم كونه مضمون مهم في الفكر الإسلامي.

4 – في الميثاق تغلب اللغة الأيدلوجية في صياغة بنوده لا سيما في التعامل مع الآخر مثل مفاهيم: الأمة والحقوق الدينية واليهودية والجهاد وهدف إعلاء كلمة الله. أما في الوثيقة فقد تم استبدالها بمفاهيم وطنية مثل: الشعب والحقوق الوطنية والصهيونية والمقاومة وهدف تحرير فلسطين... إضافة إلى استخدام مصطلحات جديدة في إطار العلاقات الفلسطينية مثل: على قاعدة التعددية، والخيار الديمقراطي، والشراكة الوطنية، وقبول الآخر، ووحدة الصف الوطني، والأهداف الوطنية...

5 – في الميثاق ربط مفهوم (الوطنية) بالعقيدة وفق مفهوم سيد قطب للعقيدة الذي يعتبر جنسية المسلم عقيدته وأن لا قيمة لرابطة الوطن بدون رابطة العقيدة. أما في الوثيقة فتؤكد على مفهوم الوطنية الفلسطينية باعتبار"أن الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة، وأن الشعب الفلسطيني شعب واحد بكل أبنائه في الداخل والخارج وبكل مكوناته الدينية والثقافية والسياسية". وهذا المعنى أقرب إلى مفهوم (الجماعة الوطنية) من مفهوم (الأمة الإسلامية).

6 – في الميثاق استخدم مضموناً إسلامياً في تعريف (فلسطين) " أرض فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها". أما في الوثيقة فقد ذكرت أن "فلسطين أرض الشعب الفلسطيني ووطنه" في البند الأول، ثم ذكرت أن "فلسطين أرض عربية إسلامية مباركة ومقدسة" في البند الثالث، أي قدم الوطني على العربي والإسلامي وقد ذكر مكانتها الإسلامية في بنود لاحقة لهويتها الوطنية.

7 - في الميثاق لم تتم التفرقة بشكل واضح ومحدد بين اليهود كأهل كتاب واليهودية كديانة سماوية من ناحية ، وبين الصهاينة والصهيونية كمشروع استعماري من ناحية أخرى . بينما في الوثيقة فقد تبنت خطاب سياسي يفرّق بين المفهومين " تفرق حماس بين اليهود كأهل كتاب واليهودية كديانة سماوية من ناحية ، وبين الاحتلال والمشروع الصهيوني من جهة أخرى وتري أن الصراع مع المشروع الصهيوني ليس صراعا مع اليهود بسبب ديانتهم ...." وهذا مفهوم متقدم يبتعد عن الغموض الموجود في الميثاق القديم .

ثانيا التحول نحو التحرير المرحلي :

1- في الميثاق لم يرد أي ذكر للحل المرحلي للصراع مع الكيان الصهيوني بل تؤكد مواده علي الحل الاستراتيجي والتاريخي المتمثل في تحرير فلسطين كاملة من البحر إلي النهر، بينما في الوثيقة ورد في البند (19) ما يلي".... وان إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس علي خطوط الرابع من حزيران /يونيو 1967م مع عودة اللاجئين والنازحين إلي منازلهم التي خرجوا منها ..........."

2- الوثيقة تبرر الحل المرحلي بأنها " صيغة توافقية وطنية مشتركة ولا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني كما لا تعني التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية". كما أنها تسبقها بديباجة وطنية تقول فيها " لا تنازل عن أي جزء من أرض فلسطين مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط ومها طال الاحتلال وترفض حماس أي بديل عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا من نهرها إلي بحرها " .

3- صيغة الموافقة علي الحل المرحلي تشبه إلي حد كبير الصيغة التي وردت في برنامج النقاط العشر/ البرنامج المرحلي الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة في القاهرة عام 1974م والتي وضعت أيضا وسط ديباجة وطنية حيث سبقها بند يؤكد علي " أن المنظمة تناضل بكافة الوسائل وعلي رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية... " ولحقها بند يؤكد علي " أن المنظمة تناضل ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني "

من الجدير بالذكر أن البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، ويتحدث عن سلطة وطنية مقاتلة، قد انتهى بعد عشرين عاما علي طرحه بإقامة سلطة فلسطينية تحت الاحتلال وبجانب الاستيطان والتهويد .

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد