يبدو ان القادة العرب سيتفقون في قمة عمان على البيان الختامي الذي قد يصدر قبل نشر هذا المقال، وخاصة بعد اتفاق وزراء الخارجية العرب على كل القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة، التي تميزت بحضور واسع للزعماء العرب (15 من أصل 22) ، وهذا عدد كبير بالمقارنة مع قمم سابقة، ربما بسبب المشكلات والأزمات التي يواجهها العالم العربي، والتحديات المرتبطة بالتغيرات العالمية وخاصة وصول رئيس أميركي غريب الأطوار الى البيت الأبيض. وقد يكون البيان بليغاً وجميلاً من حيث اللغة والاشارات التي يتضمنها، ولكن هل الموقف العربي قوي لكي يؤخذ على محمل الجد، وما هي الرسالة التي سيحملها معه العاهل الأردني باسم القمة في زيارته لواشنطن التي تعقب القمة؟؟
هناك عدة ملفات لا يمكن تجاهلها مطروحة على أجندة البحث في القمة عدا عن القضية الفلسطينية التي يجري التركيز عليها في كل قمة، مثل الملف السوري، واليمني والليبي وأُخرى في إطار التعاون والعلاقات العربية - العربية. وإذا بدأنا بالملف الفلسطيني، يواجه العالم العربي وفي مقدمته الفلسطينيون احتلالاً لا يريد ان ينتهي، ويحاول ان يبتلع الأرض الفلسطينية ويناور من اجل كسب الوقت وتثبيت وقائع ميدانية تؤدي الى إلغاء شطب حل الدولتين وقطع الطريق على التسوية السياسية العادلة كما يفهمها العالم، مع استمرار سياسة الاستيطان في وقت يتراجع فيه العرب عن مبادرتهم للسلام او بالأحرى لا يبذلون اي جهد يذكر من اجل تحريكها او تطبيقها، والأنكى ان المبادرة تحولت الى مدخل لإقامة علاقات مع اسرائيل حتى لو كانت سرية وتحت الطاولة، ويجاهر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعلاقة تحالف أمني مع الدول العربية في مواجهة "الخطر الإيراني"، وكأن المبادرة تقول "التطبيع قبل الحل والانسحاب الاسرائيلي". والفلسطينيون في وضع يرثى له في ظل الانقسام الذي يترسخ يوماً بعد يوم وتجري مأسسته، وفي ظل تراجع الأداء وتدهور منظومة القيم التي كانت تحكم المجتمع. والدعم الدولي للسلطة أضحى موضع سؤال كبير تحت طائلة المطالبات الدولية بالمصالحة والقضاء على الفساد وعدم تمويل بعض الفئات وخاصة الأسرى وذوي الشهداء.
ويزيد الرئيس الأميركي الامر تعقيداً بمنحه اسرائيل رعاية اكثر من الرؤساء الذين سبقوه.
في الملف السوري خفت حدة المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد على ضوء الانتصارات التي يحققها وحلفاؤه وقربهم من إنجاز التحرير النهائي للبلاد من سيطرة داعش وإمارات المتطرفة الاخرى بعد مرور أكثر من عام على التدخل الروسي المكثف في سورية، حتى ان اجزاء مهمة من المعارضة السورية لم تعد تتمترس خلف هذا المطلب، ومؤتمرات الحوار في أماكن مختلفة وخاصة استانا وجنيف بدأت تحقق بعض التقدم وتدخل في التفاصيل المتعلقة بالمرحلة الانتقالية والدستور والحكومة. ولقد تجرأت بعض الدول العربية على طرح اعادة سورية للجامعة العربية، على الرغم من معارضة بعض الدول لهذا الطلب. وربما يكون هذا الملف المعقد في طريقه للفكفكة، ولا دور للجامعة العربية في ذلك، فالعرب كانوا ولا يزالون جزءا من المشكلة وليس الحل.
اما اليمن فهي في وضع سيّئ للغاية والمجتمع يعاني الجوع والأمراض وفقدان المأوى والأمن والاستقرار، والحرب الطاحنة تدور رحاها وتحصد حياة الناس بلا رحمة، ولا يبدو في الأفق اي حل او بوادر حل قريب. والقائمون على الحرب مستمرون في مسعى الحسم العسكري الذي يبدو غير ممكن في المدى المنظور ويمكن ان تستمر الحرب لسنوات طوال.
وليبيا ليست أفضل حالاً في إطار الانقسام والصراع على السلطة ، والحرب الطاحنة التي تدور بين القبائل ومراكز القوى ومع داعش كذلك، وتحتل السيطرة على البترول والثروات مكانة بارزة في هذا الصراع، وأيضاً هنا لا دور للعرب الا بشكل محدود وربما تكون مصر أحد أهم اللاعبين هنا بحكم الجيرة وتأثر أمن مصر مباشرة من الحرب الدائرة هناك.
وفي ملف العلاقات الثنائية، فبالرغم من حصول لقاءات مهمة بين القادة العرب في عمان على هامش القمة او في عواصم البلدان العربية المختلفة لتطوير العلاقة والتعاون بين الدول والقادة العرب ، إلا ان الخلافات لا تزال تعصف بين دول مركزية كالسعودية ومصر على خلفية الموقف من الحروب الدائرة وخاصة حول الموقف من سورية، حيث ترى مصر اهمية الحفاظ على وحدة الاراضي السورية والجيش السوري، ولهذا صوتت لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن الذي يدعو لوقف إطلاق النار والفصل بين الجهات المعتدلة والمتطرفة، ما آثار غضب السعودية. وعلى خلفية عدم رغبة مصر في التورط في الحرب اليمنية، وايضاً بسبب رفض القضاء المصري الاتفاق المصري- السعودي حول جزيرتي تيران وصنافير، ما أدى الى التراشق الاعلامي بين الجانبين، على الرغم من تأكيد القيادتين على أهمية العلاقات.
في ظل كل ما تقدم والضعف الذي يعتري العالم العربي ماذا ستكون رسالة العرب الى ترامب ورسالة القادة الى الشعوب، وما هي الخطوات العملية التي سيقدم عليها الزعماء العرب لحل أزماتهم بعد ان قدم بعض العرب أوراق اعتماد للرئيس ترامب؟؟ وهل سيذهبون للعلاج ام للتكيف مع الوضع الراهن والقبول بحالة التدهور؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية