رغم أن الاحتفال بعيد الأم موجود في الغرب منذ بداية القرن العشرين إلا أن هذه الفكرة ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين في الشرق،فيعود فضل الاحتفال بعيد الأم في الوطن العربي إلى مقال كتبه الكاتب الكبير علي أمين، قال فيه: " لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نُطلق عليه (يوم الأم) ونجعله عيداً قومياً في بلادنا وبلاد الشرق ... في هذا اليوم يُقدّم الأبناء لأمهاتهم الهدايا الصغيرة ويُرسلون للأمهات خطابات صغيرة يقولون فيها شكراً وربنا يخليك، لماذا لا نشجع الأطفال في هذا اليوم أن يُعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل ويتولوا هم في هذا اليوم كلٌ أعمالها المنزلية بدلاً منها. ". وبعد نشر هذه المقالة في جريدة (أخبار اليوم) المصرية في عموده الخاص (فكرة) تفاعل الجمهور مع المقال وتدحرجت الأمور حتى تم اختيار يوم الحادي والعشرين من مارس آذار يوماً للاحتفال بـ (عيد الأم)؛ وتم الاحتفال به لأول مرة في مصر عام 1956 ثم انتشر في بقية البلدان العربية .
ولم يكن يوم (عيد الأم) أجازة رسمية بل مناسبة اجتماعية يتم إحيائها في المحافل الأهلية والرسمية خاصة في المدارس، حيث كان له قيمة تربوية كبيرة، فلو سأل كل فرد منا نفسه "ماذا يتذّكر من أيام الدراسة الأولى؟ " لكان في مقدمة ذلك الأنشطة والاحتفالات المدرسية، ومنها الاحتفالات المتكررة سنوياً في يوم (عيد الأم) بحضور أمهات الطلبة، فتُقدم فيها الكلمات والأناشيد والمسرحيات التي تتمحور حول احترام الأم وقيمة الأمومة وبر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما واحترام الكبار والوفاء للآخرين... فلا ينتهي الاحتفال إلا وتلك القيم قد وجدت طريقها إلى منظومة القيم لدى الطلبة، فتكون هذه الاحتفالات ذات قيمة تربوية عظيمة تُغني عن عشرات الحصص الدراسة الروتينية.
وظل الأمر كذلك حتى نعق في آذاننا بوم التكفير وزعق فوق رؤوسنا غراب التحريم، فأثار الجدل الموسمي المقيت، فعلا صوت التحريم على صوت التحليل مع علو سطوة الإرهاب الفكري والقمع الثقافي والاحتكار الديني، الذي يمارسه تيار ديني يرى في نفسه ممثلاً أوحداً للإسلام وناطقاً وحيداً باسم الدين، ومالكاً حصرياً للحقيقة، فيُكرر علينا كلام التحريم المولود من رحم التكفير، فيُحرّم الاحتفال باليوم المغلوب على أمره باعتباره رجس من عمل الشيطان، وأثم ما أنزل الله به من سلطان، وبدعة تُخالف السنة وتُخرج من الملة، وضرب من التشبه بالكفار .
ولقد رد علماء الأزهر وغيرهم من علماء الأمة على مبررات التحريم، ومنها اعتباره بدعة فقال الدكتور محمد بكر إسماعيل " إن عيد الأم هو من بدع العادات لا من بدع العبادات لا يأمر بها الإسلام ولا ينهي عنها إلا إذا كانت تتصل بالدين من قريب أو بعيد" كما وضح علماء آخرون أن البدعة المنهي عنها هي ما أُحدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردوداً ولا أثم على فاعله، وبر الوالدين عامة والأم خاصة من الأمور التي شهد بها الشرع وحث عليها على مدار الوقت وأيام السنة. أما التشبه بالكفار فيقول الدكتور عبدالفتاح عاشور "ليس في عيد الأم تقليد للغرب أو الشرق فنحن نحتفل بهذا اليوم بما لا يخالف الشرع، بل بالعكس نحن ننفذ ما أمر الله به من بر الوالدين والأمر على وجه الخصوص فليس فيه مشابهة أو تقليد لأحد". وموضوع اقتصار أعياد المسلمين على عيدي الفطر والأضحى، فهذا حق عندما نتحدث عن الأعياد الدينية، أما عندما نتحدث عن المناسبات الوطنية والاجتماعية سواء سميناها أياماً أو أعياداً كيوم المرأة و يوم الأرض وعيد الاستقلال وعيد العمال وغيرها، فهي تكون في دائرة المباح سواء احتفلنا بها أم لم نحتفل.
ومن جهة أخرى فمهما أكرمنا ورعينا الأمهات والآباء في عيد الأم ومهما غلت أثمان الهدايا المُقدمة وقيمتها المالية والمعنوية إذا لم يصاحبها رعاية وإكرام واحترام لهما طوال أيام السنة، فلا معنى وقيمة للاحتفال بعيد الأم، وإذا تحقق الاحترام والإكرام والرعاية على مدار الوقت، فماذا يضير منظروا ثقافة التحريم أن يُقدّم طفلٌ وردةً لأمه في هذا اليوم، أو تنهض فتاةٌ من نومها لتطبع قبلةً على وجه أمها صباح عيد الأم، أو تجتمع السيدات المتزوجات عند أمهن في ذلك اليوم... أما آن لجدل تحريم الاحتفال بعيد الأم أن ينتهي؟ اغربوا عن وجوهنا... سئمناكم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية