يوفر الثامن من آذار فرصة للأطر النسوية عادة للتقييم، تقييم الأداء والبرامج والمسار، بما يخدم التغيير والتعديل، كما يوفر فرصة للحوار الاجتماعي حول القضايا المفصلية وتحديداً المختلف عليها. الثامن من آذار لهذا العام، بالكاد وفر فرصة للتقييم، لكنه وفر فرصة نادرة، للأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة، للحوار مع رأس النظام، فرصة الحوار مع الرئيس.

بعيداً عن المداخلات المدرسية، دخل النقاش في المضامين التي تصنع التغيير المنشود، حول التمهيد للمواءمة واستحقاق المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. لقد بادر الرئيس بنفسه للحوار المباشر حول الأفكار المطروحة في الاجتماع، وضعية المرأة التي ينبغي أن يكون عليه حالها استناداً للمصادقة الخالية من التحفظات، الالتزام الطوعي والاختياري الذي وضعه النظام السياسي الفلسطيني على نفسه، عبر مسار إعمال نفاذ الاتفاقية، بما يتطلبه ذلك من مواءمات مطلوبة. 
فالانضمام وإن كان سياسياً في حينه، لكنه صيرورة التطبيق ستحوله إلى أداة قياس التطورات، ما فوقها وما تحتها، تُحترم أو لا تُحترم، إما أن نكون جزءاً من العالم وعهوده ومواثيقه أو اننا في وادٍ آخر، إما جزءا من منظومته التشريعية التي طورتها التجارب الانسانية، دون انتقاء أو تجزئة أو إدارة الظهر لها، كأهل الكهف. الإجابة عن سؤال الدولة العميقة، بمعنى أن تكون التشريعات جزءاً من حياة المواطنين.
الحوار لم يستكمل نفسه، ابتُسِر، سيف الوقت، إلّا أننا تعرفنا على بعض البعض من أفكار الرئيس، بعض محددات الموقف الرئاسي، وعليه من الواجب إحاطة المعنيين-ات والمهتمين-ات، من دوائر أصحاب-ات المصالح، وفي مقدمتهم الحركة النسائية، ومدِّهم بالمعرفة، حقٌ لهم وواجب علينا.
يؤكد الرئيس في اجتماعه مع أمانة الاتحاد على أهمية أن ينصّ الدستور، أبو القوانين، على سموّ المواثيق الدولية على القوانين المحلية، وهو أمر مُدْهش، حاسم في إعمال مسار التطبيق. أهميته تنبع من كون القانون الأساسي لعام 2005، الذي يلعب دور الدستور في المرحلة السابقة لإقراره، قد تجنب النص الصريح على العلاقة الواضحة بين الدولي والمحلي، مما صنَّفه من قائمة «الدساتير الصامتة»، حيث اكتفى منح السلطة حق المصادقة والتوقيع على الاتفاقيات.. رابطاً المصادقة بموافقة السلطة التشريعية، وحالة ترتيب المصادقة على التزامات مالية، أي سلطة تشريعية تلك التي سنذهب اليها! بصريح العبارة: انقسامها كارثة علينا، وحدتها مشكلة من نوع آخر، مخاوف التطرف ضد المرأة! 
ليس هذا فحسب، أكد الرئيس على أنه ماضٍ في إجراء المواءمة اللازمة، وبأنه سيحيل للمجلس الوطني قرار المجلس المركزي الخاص بالكوتا النسائية للمصادقة. السؤال القلق الذي بقي معلَقاً، أي نوع من المواءمة سنشهد؟ فالمواءمة مصطلح لا يمتلك أداة قياس، لكن الاتفاقية تمتلك رؤية واضحة ومعايير وأدوات قياس، لذلك ينبري السؤال: أي مواءمة يعد الرئيس، باتجاه الالتزام بالمساواة الكاملة كما تقول الاتفاقية، أو باتجاه الإنصاف بمعنى مواءمة برؤية وسطية.
لقد أبرز الرئيس التعقيدات التي تقف أمام بعض البنود القانونية الرئيسية في قانون الأحوال الشخصية، واستجاب لمطلب إصدار قانون حماية الأسرة كإطار قانوني وإجرائي، يكفل توفير الحماية الفاعلة لضحايا العنف الأسري، مقراً بارتباطه بقانون العقوبات الذي ينتظر الرحمة والافراج. 
ما لم نتطرق إليه في الاجتماع الآذاري: الإجحاف بحجم مشاركة النسويّات في أعمال اللجنة الوطنية (الوزارية) المشكلة لمتابعة الالتزامات المترتبة على دولة فلسطين كدولة طرف في المواثيق والاتفاقيات من جهة. وعدم وجود آلية للاطلاع على أعمال اللجنة المشكلة على الأقل من جهة ثانية. السؤال القلق الذي بقي معلَّقا، إن كانت أعمال اللجنة سرية..هل ستدور خلف حجب مرفوعة!
كذلك، لم نتمكن من التطرق إلى متطلبات التمهيد للمواءمة، تحضير الأجواء والمناخات لتقبل التغيير، الحوار المجتمعي الذي ينبغي أن تتم إدارته، منعاً لإثارة غرائز الشارع وتحريضه، وتوظيف الخلاف الفكري في صالح تغذية الانقسام السياسي، تشويه وحرق عملية المواءمة قبل بدئها، منوهة الى أن الخلاف الفكري في المجتمع، لا يفرزه الخلاف الفصائلي، بل يُستفاد منه. 
في هذا، أذكِّر بالتشويه الذي تعرضت له مسودة قانون العقوبات أثناء قراءتها في المجلس التشريعي الأول، ما أدى إلى طيِّه ووضعه في الثلاجة. وقبله، الهجمة التي تعرض لها مشروع «البرلمان الصوري الفلسطيني» وتشويه مقتضياته. في كلا التجربتين، تم افتعال الخلاف وتوظيفه في السياق السياسي والتنظيمي! 
ما لم نقله، أن غبار المعركة المفتعلة، لم تخفِ اتفاق النساء على القضايا الصعبة، جميع النساء ترغب في وحدانية الزواج، انها فطرة، جميعهن مع حقهن بإرث الأموال الموروثة، لكنهن شاركن في صناعة الثروة بعد الزواج، فأي عدالة نذهب إليها؟.
ما طمعت في بحثه، فتح الحوار بين الاتجاهات الفكرية المختلفة، حثّ الجميع على رفع سقف التطويرات إلى الأعلى قبل بدء الحوار، كلٌ وفقاً لمرجعياته الفكرية، رفع السقف بإطلاق التفكير ليبدأ من حقائق المشهد في الواقع المُعاش نحو مقاربة النصوص، فتح الجميع باب الاجتهاد بما يمكن من إيجاد قاعدة بسيطة للحوار الجادّ، بين من لديهم رؤية وطنية واجتماعية ومبدئية نحو فلسطين حرة، لا تميّز ولا تفرق بين مواطنيها على أي صعيد عام.
 ما لم نبحث عميقاً بحكم الوقت، ضرورة رفع التناقض عن الممارسة، وأن كل شيء قابل للنقاش والاجتهاد، حتى تلك القضايا التي تعتبر في حكم «التابويات». فلا يعقل أن يكون بإمكان المرأة الوزيرة بالغة وراشدة حين توقع باسم شعبها، اتفاقية اقتصادية خطيرة، وتكون الوزيرة قاصراً بحاجة إلى وليّ يوقع بالنيابة عنها حين زواجها؛ إن كانت بكراً لم تتزوج: أي منطق وأي أهليّة! 
  ما لم نقله، ضرورة استمرار الحوار مع رأس الهرم السياسي ممثلاً بالرئيس، سبر غور الأفكار في هذا المنعطف الهام في المسيرة الوطنية والاجتماعية، فالطريق الى تطبيق «سيداو»، ليس زهرياً أو مفروشاً بالورود، انه طريق تصادفه المطبات والعقبات، سيسهل الطريق الصعب، مشاركة النساء في عملية المواءمة في جميع مراحلها وأطرها، عبر عدم السماح للتفاصيل بأن تطغى على المبادئ. 
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد