تقرير: سياسة ترامب قد تجر الأراضي الفلسطينية لجولة عنف جديدة

مواجهات (توضيحية)

نيويورك/ سوا/ منذ انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ارتفعت حدة التوتر بشأن المستوطنات الجديدة، واحتمالات فتح سفارة الولايات المتحدة في  القدس ، وتراجع آفاق حل الدولتين.

وانتابت اليمين الإسرائيلي سعادة غامرة مع توقع أن تكون الإدارة الأمريكية الجديدة على استعداد للسماح بضم إسرائيل للقدس بالكامل، حتى أن الكنيست الإسرائيلي٬ انتهز الفرصة لإقرار قانون يشرعن البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، غير المشروعة وفقا للقانون الدولي.

وفي الوقت نفسه؛ هددت القيادة الفلسطينية، بسحب الاعتراف بإسرائيل الذي طرحته منظمة التحرير الفلسطينية، وحل السلطة الفلسطينية. علاوة على ذلك، تبدو محادثات الوحدة الجارية بين حركتي فتح و حماس ، بناءة.

ومن ثم، فمن المنطقي أنه إذا اتحدت الضفة الغربية وقطاع غزة مرة أخرى تحت قيادة واحدة، سيكون لانهيار حل الدولتين آثارا عميقة على مجمل السكان الفلسطينيين في القطاع والضفة.

وربما يلجأ الفلسطينيون إلى أساليب متفاوتة للمقاومة، لمواصلة البقاء وسط بيئة خانقة على نحو متزايد، في حالة انهيار حل الدولتين مع فشل السلطة الفلسطينية كصمام أمان.

 ومر 23 عاما على أولى محاولات السلطة الفلسطينية بناء دولة بلا سيادة، وأثر مشروعها على سبل حشد الفلسطينيين والتنسيق بين جهودهم.

ومنذ نشأة السلطة الفلسطينية، أعرب نشطاء وقادة المعارضة عن قلقهم من تزايد استبدادها.  وأبدوا استياءهم من تفريغ منظمات المجتمع المدني، والاعتقالات، والتعذيب، والحملة على الحرية الأكاديمية ووسائل الإعلام.

ومع مرور الوقت، صار المجتمع الفلسطيني أكثر استقطابا، ما يصعب على الجماعات المختلفة التنسيق مع بعضها البعض.

وفي الواقع، كان استبداد السلطة الفلسطينية، من دواعي إنشائها الرئيسية، من منظور إسرائيلي.

وذكر رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين بوضوح أن إسرائيل يمكنها الاستعانة على نحو متزايد، بالسلطة الفلسطينية المسلحة لقمع الفلسطينيين. وبهذه الطريقة، يمكنها تجنب التعرض للمساءلة من النقاد الداخليين والخارجيين، باعتبارها قوة محتلة.

لكن الاستقطاب الذي نتج عن نظام السلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى مزيد من العنف، وفق ما ترى دانا الكرد، طالبة الدكتوراه من جامعة تكساس، في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز.

وقد أظهر بحث أجراه ويندي بيرلمان من جامعة نورث وسترن، أن طريقة التعبئة السياسية اعتمدت في كثير من الأحيان، على مستويات التشرذم بين الجماعات المشاركة.

بخلاف ماحدث في الانتفاضة الثانية، التي امتدت من 2000 إلى 2005. وفي ذلك الوقت، صارت الفصائل أكثر تشتتا بكثير، وبالتالي، أكثر عنفا بكثير. وقد تميزت الانتفاضة الثانية، على سبيل المثال، باللجوء المفرط للتفجيرات الانتحارية. كما زاد الضحايا الفلسطينيون على نحو حاد مقارنة مع عدد الضحايا في الانتفاضة الأولى. وكانت المكاسب السياسية للانتفاضة الثانية أقل بكثير بالنسبة للفلسطينيين.

توضح الكاتبة أن الأبحاث التي أجرتها مؤخرا داخل الأراضي الفلسطينية، أظهرت أن الممارسات الاستبدادية في حد ذاتها يمكن أن تولد الاستقطاب والتشرذم، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف فعالية التعبئة. حيث تخلق السياسات الاستبدادية ـ مثل القمع أو الاستمالة ـ حالة من التقوقع ضمن الفئات المستهدفة وإشاعة المظالم فيما بينها .

وعلى سبيل المثال، أصبحت الجماعات الإسلامية ـ مثل الأذرع التابعة لحماس أو الجهاد الإسلامي ـ العاملة  في الضفة الغربية، أكثر انعزالية خوفا من القمع: على أيدي كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وصارت هذه الجماعات تعتمد بشكل متزايد على تكتيكات "الذئب المنفرد" وتعمل بسرية قصوى وعلى نحو شفهي. كما أنها تلجأ أيضا إلى تدابير أكثر عنفا، مع صعوبة اللجوء لأنواع المشاركة السياسية الأخرى، مثل الانتخابات (حتى على مستوى الجامعة.

ويتناقض تماما مع عمليات حماس قبل حملة القمع التي شنتها السلطة الفلسطينية، وكانت تشمل الخدمات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بحرية أكثر بكثير بحرية مما هي عليه اليوم. ونقلت الكاتبة عن نشطاء تحدثت معهم في الضفة الغربية أن المظالم بين الإسلاميين والجماعات السياسية الأخرى قد تفاقمت، مما يصعب فرص التعاون بينهم.
  

وأوضحت الباحثة، أن المشاركين في بحثها يبدون آراء أكثر استقطابا٬ عندما يواجهون سياسات استبدادية معينة، لا سيما القمع. وتشمل أساليب القمع الاستدعاء للتحقيقات، والحملة على الحشود، والاعتقالات. وكلما كانت الجماعة أكثر تهميشا، (مثل الإسلاميين التابعين لحماس)، تزداد حدة الاستقطاب في وجهات نظرهم. كما وجدت أن التابعين لجماعات المعارضة أكثر رفضا للتنسيق مع الآخرين، عبر الطيف السياسي.

وحتى عندما كان يحدث تداخل في أهداف السياسة، ترفض الفئات المهمشة التعاون في حملات مشتركة مع من هم خارج دوائرهم الداخلية.

وتشير الكاتبة إلى أن مثل هذه الديناميكية لا تبشر بالخير بالنسبة لإمكانية العمل الجماعي المنظم. ونظرا لأن المجتمع الفلسطيني صار مجزأ للغاية ويعاني من الاستقطاب، زادت صعوبة عمل الجماعات المختلفة معا من أجل هدف مشترك. وقد تنشأ تحديات لسلامة ورفاه المجتمع الفلسطيني (كما في حالة الضم الإسرائيلي للأراضي)، غير أن الفصائل الفلسطينية لن تكون قادرة على الاتفاق على مسار موحد في ظل الظروف الراهنة. وكما رأينا من التجارب السابقة (وخاصة الانتفاضة الثانية)، يزداد مستوى العنف مع غياب التنسيق

وهناك عدد من الأسباب المرجحة لهذا الرأي: زيادة القمع من قوة خارجية قد تحفز استجابات أكثر عنفا، كما أن غياب التنسيق بين الجماعات٬  يصعب معه التوافق على مواجهة القمع بنهج موحد للاعنف على أساس المبادئ المشتركة. وهناك أيضا إمكانية "المزايدات" عندما تلجأ جماعة إلى المزيد من العنف لإقناع الجمهور أن لديها القول الفصل. وأيا ما كانت الآلية، فإن زيادة الاستقطاب تؤدي إلى الإقلال من التنسيق، وبالتالي المزيد من العنف.
 
ولا شك أن السلطة الفلسطينية كانت من بين مصادر الاستقرار في الأراضي الفلسطينية منذ إنشائها، عندما كانت التنظيمات الشعبية تعنى بخدمة المواطنين. ولكن تحول السلطة الفلسطينية ـ المدعومة من الخارج ـ إلى الاستبداد، سيكون له عواقبه. وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية، وبتشجيع من إدارة ترامب، قررت أنها لم تعد تكترث بالعمل مع السلطة الفلسطينية، وسحبت قيادة السلطة الفلسطينية تأييدها لعملية السلام، يمكننا أن نتوقع ردا من الفلسطينيين.

فعلى سبيل المثال، كانت مستويات التشرذم في المجتمع الفلسطيني منخفضة في الانتفاضة الأولى، التي استمرت من  1987 إلى 1993 (قبل وجود السلطة الفلسطينية)، فظلت الانتفاضة متماسكة إلى حد كبير وغير عنيفة.

غير أن رد الفعل الفلسطيني، لن يتم تنظيمه مثلما كان يحدث في الماضي. فلم يعد في فلسطين المنظمات ذات التكتيكات الفعالة والتأييد الشعبي واسع النطاق. ومن ثم، ترى الكاتبة أن الإسرائيليين يواجهون المزيد من انعدام الأمن، كما يواجه الفلسطينيون المزيد من القمع. وفي ظل غياب سبل التنسيق الفعالة، سوف يزداد تحول اليائسين إلى الوسائل العنيفة، الأمر الذي ستكون عواقبه وخيمة على كل من الجانبين في هذا الصراع.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد