على مدار تاريخ القضية الفلسطينية المؤسس على المآسي والنكسات والنكبات، كانت المرأة الفلسطينية وفية لأهلها وشعبها وقضيتها، تشاطرهم الوجع والألم، وتشاركهم الأتراح والأحزان، وتخوض معهم ركب الصعاب والتحديات، دون أن تلين لها قناة أو يتسلل إليها يأس أو وهن أو قنوط.

 وفي يوم المرأة العالمي فإننا نفتخر بتكريم وتبجيل المرأة الفلسطينية التي تلخص، بسيرتها ومسيرتها في مختلف المجالات، هموم ومعاناة وقضايا الشعب الفلسطيني، وتجسد كل قيم الوفاء والتضحية والعطاء التي تشكل القاعدة الراسخة لتدشين البناء الداخلي لشعبنا والأرضية المتينة لدفع وتعزيز مسيرة تحرره الوطني.

 لا نضيف جديدا في يوم المرأة العالمي حين نؤكد أن المرأة الفلسطينية تعيش في إطار من العزّة المطلقة والكرامة البالغة النابعة من احترام دورها ومكانتها وقيمتها، دينيا ووطنيا وإنسانيا، وأنها تحظى باحترام وتقدير لا تحوزه نظيراتها في الغرب الذي يدعي الديمقراطية ويتشدق بالدفاع عن حقوق المرأة فيما يعاملها كسلعة قابلة للبيع والشراء ويمتهن كرامتها.

 لقد أثبت تاريخ شعبنا أن المرأة الفلسطينية وقفت –ولا زالت- كشريك كامل إلى جانب الرجل في مسيرة البناء الداخلي والتحرر الوطني، وأن دورها كأم وزوجة وربة بيت وحامية للأسرة ومربية للأجيال كان القاعدة الأساسية لدعم وإسناد وإنجاز المهمات والمسؤوليات والتحديات الوطنية، إضافة إلى دورها في مضمار العمل الوطني والكفاحي كمقاومة ومناضلة مارست كل أشكال العمل المقاوم.

لقد عاين الجميع كيف استشهدت المرأة الفلسطينية في سبيل الدفاع عن شعبها وقضيتها، ودخلت السجون والمعتقلات لتدفع ضريبة الحرية والكرامة والاستقلال، وكيف تجرعت كافة أشكال الألم والمعاناة جنبا إلى جنب مع الرجل في شراكة كاملة تبرز عظمة وشموخ الشعب الفلسطيني ومدى تكاتفه وتآزر كافة مكوناته لنصرة قضيته.

 إن الدور الذي مارسته المرأة الفلسطينية بلغ شأناً كبيراً خلال الانتفاضات الأخيرة التي أشعلها الشعب الفلسطيني، وخصوصا في معركة حرب الفرقان نهاية العام 2008 ومطلع العام 2009، وغيرها من المفاصل والمنعطفات والمراحل الكفاحية، حيث شمرت المرأة الفلسطينية عن ساعد الجهاد والمقاومة، ووقفت جنبا إلى جنب مع الرجل في مواجهة الهجمة الصهيونية، لتتناقل الألسن وتتداول وسائل الإعلام أسماء وسير نماذج مضيئة لمجاهدات ومناضلات ارتفعن إلى مستوى المرحلة، وبلغن قمة التضحية والفداء، عبر مختلف أشكال العمل المقاوم، بدءا بالسكين، مرورا باستخدام القنابل والإسهام في تنفيذ العمليات الجهادية المختلفة، وصولا إلى اقتحام المستوطنات وتنفيذ العمليات الاستشهادية.

 ومع هذا التطور النوعي الذي بلغته المرأة الفلسطينية جهاديا وكفاحيا، فإننا نؤكد أن الجهاد القتالي والميداني جاء متوجا للجهاد التربوي والأخلاقي الذي اضطلعت به مُذْ وطأت أقدام الاحتلال أرضنا المباركة، فإعداد النشء وتربية الأجيال على أسس من الفضيلة والأخلاق والصلاح، وتغذيتها بالقيم والمفاهيم الجهادية، وزرع حب الوطن وحتمية التضحية والعطاء لأجل حريته، وبذل المال والروح في سبيل إنجاز تحريره واستقلاله، كلها مهام جليلة وأدوار عظيمة لم تتوانى المرأة الفلسطينية في إنفاذها وتولي إنجاحها دون أي ملل أو تهاون أو تقصير.

 ولإدراك حقيقة الدور التربوي والأخلاقي للمرأة الفلسطينية يمكن الإشارة إلى الأعداد الهائلة من الشباب المتدين الملتزم، الطامح للجهاد والشهادة، المنافح عن الأرض والعرض والمقدسات، المبادر للتضحية والفداء، الجاهز للمقاومة والتصدي، المرتفع دائما إلى مستوى التحدي، الذي لم يبخل على دينه ووطنه بدمه وروحه وخلاصة عيشه وقوت أطفاله، ولا يزال على عهده مع الله، ووعده مع شعبه وأمته، إيمانا وثباتا، رسوخا ويقينا.

 وفي إطار الجهاد السياسي عقب الانتخابات التشريعية مطلع عام 2006 فقد أثرت المرأة الفلسطينية النظام السياسي الفلسطيني من خلال دورها المتميز في الحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني، إذ أدت دورها بكل جدارة واقتدار، ونستحضر في هذا المقام فقيدة الشعب الفلسطيني النائب في المجلس التشريعي مريم فرحات خنساء فلسطين التي رحلت عنا قبل عدة سنوات بعد أن تركت إرثا هائلا في العمل البرلماني والجهادي والنسوي والتربوي والدعوي يسجل في صحائف المرأة الفلسطينية بمداد من نور.

 إن تكريم المرأة الفلسطينية ينطلق أساسا من منطلقات دينية وعقائدية، ومن الضرورة بمكان تفعيل دور المرأة الفلسطينية على كافة الأصعدة والمجالات، وعدم الاكتفاء ببلوغها مقاعد البرلمان أو الوزارة، إذ أن المرأة هي المجتمع كله وينبغي أن يكون لها دور متميز في مناحيه ومجالاته المختلفة، وأن يتم إثبات وتفعيل حراكها وحيويتها كفاحيا وتربويا واجتماعيا في المرحلة الراهنة، والبرهنة على عودتها لاحتلال موقعها الأصيل ومكانها المرموق الذي رسمته لها مبادئ الإسلام السامية، وحرفتها عنه مبادئ البشر وأفكارهم الوضعية، يدا بيد إلى جانب الرجل، دون أي احتكار أو تمييز.

 وختاماً.. فإن من أبسط حقوق المرأة الفلسطينية علينا أن ندافع عنها في وجه الهمجية والعنصرية الصهيونية، وخصوصا فيما يخص الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، وأن نطرق أبواب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والحقوقية والمؤسسات التي تعنى بالدفاع عن المرأة، ولا نكل ولا نمل من دعوة كل أحرار العالم للوقوف إلى جانب المرأة الفلسطينية الأسيرة، والعمل على إنقاذها من براثن الاحتلال الغاشم.

 باختصار.. فإن شعبنا الفلسطيني لن ينسى التضحيات الكبرى التي قدمتها المرأة الفلسطينية، فهي لا تحتل منه نصف المجتمع بل تحتل منه موقع الروح والقلب بكل ما تعنيه الكلمة من معان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد