يقال إن "ستالين" وهو رئيسُ وزراء روسيا إبان الحربِ العالمية الثانية والمسئولُ عن تحويلِ الروس من مجتمعٍ زراعي إلي مجتمعٍ صناعي، إنه في "إحدى المناسبات طلب أن يأتوه بدجاجةٍ حيةٍ لكي يستخدمَها أمام بعضِ أعوانِه كعبرةٍ لا تنسى، أمسك الدجاجةَ بقوةٍ بيدٍ واحدة، وبدأ بيدِه الأخرى ينتفُ ريشَها واحدةً تلو الأخرى وبطريقةٍ منهجية، بينما كانت الدجاجةُ تحاولُ يائسةً أن تهربَ منه، تابع " ستالين" تجريدَه المؤلم للطيرِ الى أن أصبحَ عاريا تماما، وضع ستالين الدجاجةَ على الأرضِ وابتعد عنها قليلا وفي يدِه فتاتٌ من الخبزِ وقال: “راقبوا جيدا الآن”، وبطريقةٍ عجيبةٍ قفزت الدجاجة التي كانت ترتجفُ خوفا في اتجاهِه وتعلقت بأهدابِ سرواله، رمى "ستالين" حفنةً من فتاتِ الخبزِ إلى الدجاجة، وحين بدأت الدجاجةُ تتبعه في أرجاء الغرفة، التفت إلى زملائِه المصعوقين وقال بكلِّ برود"هذه هي الطريقةُ التي ينبغي أن يُحكمَ الشعبُ بها"، هل رأيتم كيف تتبعني هذه الدجاجةُ لكي تأكل؟ على الرغم من أنني سببت لها عذابا أليما .

تصرفُ "ستالين" في ذلك العهدِ لربما كان منطقيا من أجل إدارةِ التحولِ في المجتمعِ الروسي وما رافق ذلك من تغيراتٍ على صعيدِ القوى الدولية في أوروبا وأمريكا سقوطِ اليابان وانهيارِ الألمان، ذلك المنهج الذي استخدمه "ستالين" يسعى الرئيسُ الأمريكي حديثُ الولاية "دونالد ترامب" إلى تطبيقِه على الأقلياتِ وخاصةً المسلمين في أمريكا ، وعلى الدولِ الكبرى والصغرى وخاصةً الدول العربية ، تلك السياسةُ مفادها " أنني سأنتفُ ريشَ الكل حتى تأتوني طوعا وحيثما أريد وُوفق ما أريد لأن مصلحةَ أمريكا أهمُّ من كلِّ شيء ، ترامب رفعَ مؤخراَ شعار "أمريكا أولا "فهو شغوفٌ بحلقاتِ وحلباتِ المصارعةِ الحرة ويعتقدُ جازما أن صراعَه مع الدول والأقلياتِ يمكنُ أن يحلَّ في حلبةِ مصارعةٍ من خلال جمعِ عددٍ من المصفقين لذلك الشعار.

ما يسعى له ترامب في المرحلةِ القادمةِ هو تأسيسٌ لما بعد عبارات "الإسلام المتطرف " للوصول إلي صيغةٍ دوليةٍ يتعاطى معها الإعلامُ ويروجُها للجمهورِ المحلي من أجل فرضِ سياساتٍ أكثر عدائية ضد الدولِ العربية والإسلامية ومعاداة شعوبِها وأفكارِها وترويض قواها من أجلِ الحفاظِ من جديدٍ على المصالحِ الأمريكيةِ في الشرق الأوسطِ ولضمانِ أمنِ وسلامةِ إسرائيل سواء من خلال التحالفاتِ القديمةِ أو استحداثِ تحالفاتٍ جديدةٍ من شانِها تعزيزُ الوجودِ الأمريكي في المنطقةِ وتقويضُ التنامي الروسي الإيراني بعد تعاظمِ قوةِ التحالفِ الروسي الإيراني بانضمامِ تركيا لهذا المحور .

ينظرُ الرئيسُ ترامب إلي عظمةِ أمريكا من خلال استعادة العنجهيةِ وسياسةِ الكيلِ بمكيالين والضربِ بقوةٍ ورفعِ العصا أمام العالمِ أجمع، ونشرِ القوةِ والرعبِ بين الشعوبِ الفقيرةِ والضعيفةِ في الوطنِ العربي وهنا يجد ضالتَه في تمريرِ سياساتِه ومخططاتِه الاستعمارية الجديدة ولكن بشكل ممنهجٍ عبر إثارةِ الجدلِ في تصريحاتِه وتعدياتِه على وسائل الإعلامِ والصحفيين وهي الطريقةُ المناسبةُ لتسليطِ الإعلامِ على تلك " التفاهات" وترك القراراتِ الحقيقية مغلفة وسرية وحبيسة البيت الأبيض فقط.

إن صناعةَ الإثارةِ الإعلاميةِ لقرارِ ترامب حول منعِ مواطني سبعِ دولٍ من دخول أمريكا، لحقته قراراتٌ من المحاكمِ الأمريكية ومن القاضي جيمس القاضى "جيمس روبارت" الذي جددَ آمالَ المسافرين لأمريكا بعد تعليقِ "حظر الدخول"، فقد اعتبرته الصحافةُ العربيةُ إشادةً حقوقيةً واسعةً بالحكم ، في حين أن ترامب لم يكلفْ نفسَه كثيراً بل هاجم الحكمَ من خلال تغريدِه على تويتر قائلا " سخيف وسيتم نقضُه " .

السذاجةُ العربيةُ لا زالتْ غيرَ مؤمنةٍ أن ترامب أصبح رئيساً، وأنه لا عودة قريبة  لعصرِ الحمائم في البيتِ الأبيض، ويعتقدُ بعضُهم  أن ترامب لن يكتبَ له النجاحُ في إدارةِ وحكمِ أمريكا طويلا لأنه رجلٌ مثيرٌ للجدلِ ومتهورٌ ويحبُّ مهاجمةَ الصحفيين ووسائلَ الإعلامِ وأنه لا توجدُ له خبرة سياسية ولا يتمتعُ بالحدسِ السياسي، اعتقدُ أن نصفَ المجتمعِ الأمريكي وأكثر مؤمنين بفكرِ ترامب، لأن ترامب جاء من خلالِ صندوقِ الانتخاباتِ ولم يرثْ الحكمَ عن أبيه أو جدِه.

لعلنا نحن عرب علينا أن نفكرَ بما يفكرُ به ترامب على من ستدورُ الدائرةُ في الوطنِ العربي من جديدٍ من الضحيةُ القادمةُ لصراعِ البقاءِ في الشرقِالأوسط والمغربِ العربي ، من سيكتوي بالنيرانِ ومن سيدفعُالأثمانَ ومن سيكونُ الدجاجةَ التي ترقصُ في أحضانِ ترامب وهل سيكتفي بنتفِ ريشِها أم قطعِ رقبتِها. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد