تتعالى الأصوات مع فجر كل يوم جديد لملاحقة ومحاكمة الجنود والقادة والجنرالات الإسرائيليين على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة ضد أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، وفي مختلف الأراضي الفلسطينية، وعلى ما ارتكبوه من جرائم ضد الأسرى والمعتقلين في السجن الإسرائيلي.
ان غياب ما يُسمى في عالم اليوم، بالعدالة الدولية، في ملاحقة الاحتلال ومحاكمة عناصره المجرمة، شجّع اسرائيل كقوة احتلال في فتح تحقيقات خاصة بها في جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين، ودفعها الى رسم خلاصتها ونتائجها كيفما تشاء وبما يتوافق وسياستها الاحتلالية، ومكّن عناصرها المختلفة وأدواتها المتعددة من التمادي في جرائمهم المتعددة بحق الشعب الفلسطيني.
إن الجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، كثيرة وكثيرة جدا، فيما لم تكن جادة ذات مرة في تحقيقاتها الخاصة التي نادرا ما فتحتها للتحقيق في بعض تلك الجرائم، ولم تتوفر لديها الرغبة في تحقيق المحاسبة أو الوصول الى العدالة من خلال نظام القضاء الإسرائيلي. وهذا أمر طبيعي لدولة محتلة تُمارس الإرهاب والجريمة المنظمة بحق المُحتَلين، وتوفر الحماية لمرتكبي الجرائم من الإسرائيليين..؟ وفي أحسن الأحوال كانت العقوبة شكلية ومخففة للتحايل والالتفاف على القانون الدولي، أو لغرض اسكات "العدالة الدولية" وتقييدها وعدم السماح لها بالتحرك الفعلي، أو حتى تحريك اللسان والعتاب اللفظي.
لهذا لم أتفاجأ من الحكم المخفف الذي أصدرته المحكمة العسكرية الإسرائيلية ظهر اليوم الثلاثاء بالسجن (سنة ونصف) بحق الجندي الإسرائيلي " اليئور ازاريا" الذي أطلق الرصاصة القاتلة من نقطة الصفر على راس الشهيد "عبد الفتاح الشريف" دون ان يكون هناك اي تهديد على حياة المتواجدين سواء من جنود الاحتلال او مستوطنيه. فيما ما حدث اليوم يعزز لدينا القناعة بأن القضاء الإسرائيلي، جائر وظالم وأداة من أدوات الاحتلال لقهر الفلسطيني وتشريع قتله، وأن المحاكم الإسرائيلية لا تقيم وزناً للقوانين الدولية أو للقضايا الإنسانية.
إن تاريخ القضاء الإسرائيلي قوامه الظلم، وشرعنة هدم حياة ومستقبل الشعب الفلسطيني، ولا يهدف إطلاقاً إلى تحقيق العدالة، بقدر ما هو متواطئ في تغطية جرائم حرب وفظائع تنتهك حقوق الإنسان، ولم يكن يوما مضى، عادلاً ونزيهاً أو مستقلاً لطالما أن الأمر يتعلق بالفلسطيني. كما ولن يكون في يوم آتٍ، على عكس من ذلك. فهو أداة من أدوات الاحتلال ويحتكم في عمله إلى توجيهات الجهات السياسية، ويستند في قراراته إلى أوامر الأجهزة الأمنية وقراراتها. لذا فلا غرابة في قراراته الظالمة، ولا استهجان من أحكامه المخففة بحق الإسرائيليين، ولا مفاجأة فيما صدر اليوم عن المحكمة العسكرية بحق الجندي الإسرائيلي قاتل "الشريف".
إن من يراهن على القضاء الإسرائيلي في إنصاف الضحايا وتحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين، فهو واهم. ومن يعتقد بأن المحاكم الإسرائيلية يمكن أن تنتصر لضحايا فلسطين، فهو "مخطئ". ومخطئ كذلك من يعتقد أنه ومن خلال القضاء الإسرائيلي وعبر المحاكم المختلفة ومتعددة الأسماء، يمكن للشعب الفلسطيني أن ينتقم لشهدائه أو أن ينتزع حقوق أسراه ويحقق حلمهم بالحرية.
ان غياب العدالة الدولية واستمرار الحالة على ماهي عليه اليوم، جعلت من دولة الاحتلال تتصرف على أنها فوق القانون ومحمية من الملاحقة والعقاب، بل وسعت إلى ترسيخ ثقافة "الإفلات من العقاب"، ليس فقط لمن يعملون في الأجهزة الأمنية وإنما أيضاً لدى كل الإسرائيليين، مما شجعهم على التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري وارتكاب المزيد من الجرائم دون رادع.
لذا فإننا أيها السادة بحاجة إلى جهد فلسطيني، فاعل وضاغط، بدعم عربي واسلامي حقيقي، لاستحضار "العدالة الدولية" الغائبة، وتفعيل أدواتها المختلفة تجاه الإسرائيليين مرتكبي الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية