النقد: جهود تقليص العجز في الموازنة يجب ألا تؤثر على مستوى الخدمات
رام الله / سوا / أشاد صندوق النقد الدولي بأداء وزارة المالية الفلسطينية، لتعاملها بمهارة في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، و"المنهج الحذر" الذي تتسم فيه الميزانية العامة للعام الحالي، والتي صادق عليها الرئيس محمود عباس ، اليوم الأربعاء.
جاء ذلك في تقرير للصندوق، لخص نتائج وملاحظات زيارة وفد رفيع من الصندوق لفلسطين برئاسة كارين اونغلي، بدأت في 31 كانون الثاني الماضي واستمرت حتى 9 شباط الجاري، في مهمة لتقييم آخر التطورات الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة والموقف المالي للسلطة الوطنية.
ووفق بيان وزعه الصندوق، اليوم الأربعاء، التقت البعثة رئيس الوزراء رامي حمد الله، ووزير المالية الدكتور شكري بشارة ، ومحافظ سلطة النقد عزام الشوا ، وعددا من المسؤولين الفلسطينيين.
ونسب البيان لاونغلي قولها: "يواجه الاقتصاد الفلسطيني أوضاع متزايدة الصعوبة. فبينما تشير تقديراتنا إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي من 3.5% في 2015 إلى 4% في 2016، لم يكن ذلك كافيا لتوفير فرص عمل جديدة، وارتفعت البطالة إلى أكثر من 28% في شهر أيلول"
وأضافت: ولا يزال الاستهلاك هو المحرك الأساسي للنمو، حيث تظل أجواء عدم اليقين السياسي والقيود المفروضة على العبور تشكل عائقاً أمام استثمارات القطاع الخاص في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وقد استمرت أعمال إعادة البناء في غزة بتمويل من المانحين، لكن صرف الدفعات المالية تأخر والأوضاع الإنسانية حرجة، ولا سيما مع تدهور تقديم الخدمات العامة.
واستمرارا للثناء على أداء وزارة المالية الذي تضمنته تقارير سابقة، قالت اونغلي "إن وزارة المالية والتخطيط تعاملت بمهارة مع الظروف الاقتصادية العصيبة، وساهمت جهودها الكبيرة لتعبئة الإيرادات في تخفيض عجز المالية العامة بدرجة ملحوظة في عام 2016. وعلى وجه الخصوص، ساهمت المناقشات بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل في سداد الالتزامات السابقة إلى الحكومة الفلسطينية، وساعدت هذه العوامل غير المتكررة في زيادة الحصيلة الضريبية وغير الضريبية بواقع نقطتين مئويتين تقريباً من إجمالي الناتج المحلي".
وأضافت: مع الارتفاع الحاد في الإيرادات الكلية، تراجع عجز النفقات المتكررة إلى 5.6% من إجمالي الناتج المحلي في 2016، بعد أن بلغ 9.6% من إجمالي الناتج المحلي في 2015، غير أن ما حدث من انخفاض إضافي في دعم المانحين للموازنة العامة ساهم في قصور التمويل وتراكم المتأخرات.
وحذرت اونغلي من انه "رغم التقدم الذي تحقق مؤخراً بصدد الموازنة العامة، فمن المرجع أن تكون 2017 سنة مليئة بالتحديات".
وفي هذا السياق، رحب صندوق النقد بـ"المنهج الحذر الذي تتسم به موازنة 2017، والذي يفترض انخفاض دعم المانحين وعدم تلقي تحويلات إضافية غير متكررة من إسرائيل".
وقالت اونغلي "رغم جهود تعزيز الإيرادات المحلية، فإن الانخفاض المفترض في إيرادات المقاصة والمدفوعات الأخرى من إسرائيل، يشير إلى انخفاض الإيرادات الكلية، بينما تستمر ضغوط الإنفاق دون تغيير، ومن المتوقع أن يزداد عجز النفقات المتكررة بنحو 2% من إجمالي الناتج المحلي، ما يمكن أن يتسبب، مع انخفاض دعم المانحين للموازنة بنسبة 15% إضافية، في فجوة تمويلية تبلغ قرابة 6% من إجمالي الناتج المحلي".
وأضافت: نظرا لهذه الضغوط على المالية العامة، والتي يرجح أن تستمر على المدى المتوسط، نشجع السلطات على البناء على جهودها الأخيرة، واستكشاف خيارات تخفف حدة الظروف القائمة، ويمكن أن يتضمن هذا على المدى القصير النظر في إجراءات للطوارئ كأن تصبح الزيادة في فاتورة الأجور مقصورة على التضخم، على اعتبار أن الأجور هي أكبر بند من بنود الإنفاق".
على المدى المتوسط، قالت اونغلي إن استراتيجية إدارة المالية العامة الجديدة، التي أوشكت على الاكتمال، تشكل خطوة مهمة أخرى يمكن أن تدعم الجهود المبذولة لتعزيز كفاءة الإنفاق وتدفع لتحقيق تحسينات دائمة في المالية العامة.
وأوضحت: من خلال خطة عمل تحدد إجراءات إدارة المالية العامة، تضع ترتيباً دقيقاً لأولوياتها، يمكن إرساء أساس قوي لزيادة مشاركة المانحين ودعمهم لأولويات الحكومة في سياق جدول أعمال السياسات الوطنية للفترة 2017-2022، ومن المجالات الأخرى ذات الأولوية، إصلاح جهاز الخدمة المدنية ومعاشات التقاعد، إذ أن اعتماد منهج استراتيجي للتعامل مع فاتورة الأجور من شأنه تحرير موارد للاستثمارات العامة ذات الأولوية.
وقالت ان "السياسات المحلية القوية ستكون عاملاً أساسياً في معالجة مخاطر المالية العامة، ولكن كل الأطراف عليها دور تؤديه، وهو ما يكتسب أهمية خاصة لضمان ألا يتأثر تقديم الخدمات العامة سلباً بجهود خفض العجز، وتحقيق أوضاع أكثر قابلية للاستمرار على صعيد الموازنة. وفي هذا الصدد، من الضروري إيقاف التراجع في دعم المانحين ومواصلة المناقشات مع حكومة إسرائيل بغية إرساء تحويلات الإيرادات على مسار يمكن التنبؤ به، ونتطلع أيضاً إلى استكمال تنفيذ الاتفاق الأخير بشأن قطاع الكهرباء في الوقت المقرر، وعلى أساس من الشفافية والعدالة، مع توجيه اهتمام خاص لانعكاسات نجاح التنفيذ على الموازنة العامة".
وشددت على أهمية "بذل جهود للحفاظ على الاستقرار المالي بما يكفل للقطاع المالي إمكانية دعم التقدم الاقتصادي المستمر".
وفي هذا الخصوص، قالت اونغلي "لا يزال احتمال إنهاء إسرائيل لعلاقات المراسلة المصرفية من المخاطر الأساسية، ولا تزال سلطة النقد الفلسطينية ملتزمة بتعزيز إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفقاً للمعايير الدولية. وفي هذا السياق، نرحب بعلاقات العمل البناء بين سلطة النقد الفلسطينية والبنك المركزي الإسرائيلي، ومن الخطوات المهمة الأخرى، ما تم مؤخرا من قبول "مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" طلب سلطة النقد الفلسطينية إجراء تقييم شامل لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، علاوة على خطط الاستمرار في الإصلاحات ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بدعم فني من صندوق النقد الدولي وغيره من شركاء التنمية".
وختمت اونغلي بقولها "تبدو الآفاق المتوقعة للاقتصاد مليئة بالتحديات. فمع توقعات النمو التي تشير إلى معدل أعلى بقليل من 3% على المدى المتوسط، سيظل متوسط الدخول دون تغيير وتستمر البطالة في الارتفاع، وحتى هذه التوقعات يخيم عليها احتمال انخفاض معونات المانحين وبطء إعادة إعمار غزة مقارنة بالوتيرة المرغوبة، وفي هذا السياق، تزداد أهمية معالجة مخاطر المالية العامة والقطاع المالي، كما يتعين الإشارة أيضاً إلى أن المثابرة في جهود استعادة الثقة في عملية السلام تشكل أهمية بالغة في استعادة وإطلاق إمكانات النمو الاقتصادي".