بدأت السلطة الفلسطينية بتلقي التمويل الدولي مباشرة بعد انعقاد مؤتمر الدول المانحة للسلطة الفلسطينية في شهر أكتوبر من عام 1993م، وقد قال الرئيس الشهيد ياسر عرفات حينها بانه سيحول غزة الى سنغافورة الحديثة.
وقد قدرت سلطة النقد الفلسطينية حجم المساعدات الدولية خلال الفترة من 1996م وحتى 2015م حسب البيانات الواردة في الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية بحوالي 72.937,16 مليار دولار.
وشارك في تمويل السلطة الفلسطينية طوال هذه المرحلة مختلف دول العالم بما فيها الدول العربية وعلى رأسها الدول الخليجية الاغنى بثرواتها النفطية.
ولقد ادارت السلطة الفلسطينية كل هذه الاموال في اطار تثبيت ركائز الحكم السياسي والسيطرة الامنية وتشكيل مراكز القوى الضاغطة على المجتمع الفلسطيني والمتحكمة به، في اطار فتح كافة الطرق وازالة أي عقبات يمكن ان تواجهها في اقرار الحل النهائي مع اسرائيل وبما يضمن سيادتها السياسية والامنية على الاراضي الفلسطينية، وجرى كل ذالك برعاية وتوصيات الدول المانحة.
وغاب عن دوائر السلطة الفلسطينية سواء اكانت التنفيذية او حتى السياسية منها، وضع السياسات الاستراتيجية لاستغلال اموال المانحين في مجالات بناء ركائز الدولة والمشاريع الاستراتيجية وتطوير مقدرات الشعب الفلسطيني، في مجالات البنية التحتية والتعليم والصحة والخدمات وتطوير ودعم القطاع الخاص الفلسطيني، والذي يشكل اهم ركائز بناء الدول المتحضرة الراغبة في التنمية والنمو المستدام.
فلم تشهد غزة رغم كل هذه الاموال أي تطورات على مستوى البنية التحتية فعاشت اهم محافظاتها دون شبكات صرف صحي، وغاب التطوير على شبكات الطرق وخاصة الرئيسية، واقتصرت المشاريع في مجال المياه على استخدام المياه الجوفية بندرتها وارتكزت على شراء المياه من اسرائيل، ولم تلتفت السلطة ايضا الى بناء وتنمية القطاع الصحي بحيث تصرف حتى اليوم مئات ملاين الشواقل سنويا على ما يعرف بالعلاج بالخارج، كما واقتصرت اسهاماتها الاستراتيجية في قطاع الاسكان على بعض التجارب المحدودة كمدينة الشيخ زايد او بعض الابراج السكنية محدودة التأثير، وغاب دورها التنموي في قطاع التعليم فلا زلنا نشهد ظاهرة 60 طالب في الغرفة الصفية، بينما المعتمد عالميا لا يتجاوز 25 طالب.
ولا زال قطاع غزة يعاني ويكابد نتاج هذه السياسات التي خلقت ومع مرور الزمن الاف الازمات المركبة والمعقدة على مختلف الصعد والمجالات الحياتية.
فلو صرفت اموال التمويل الدولي للسلطة الفلسطينية بالشكل الصحيح والتوجيه الذي يخدم متطلبات ومصالح الشعب الفلسطيني لتحولت غزة بالفعل الى سنغافورة .
ولندلل على ذالك دعونا ننظر بحيادية كاملة الى التجربة القطرية في غزة وما حققته من مشاريع ذات بعد استراتيجي على قطاعات البنية التحتية "الطرق الرئيسية ، المياه، الصرف الصحي ، المؤسسات الطبية ، قطاع التعليم ، ومؤسسات وشركات القطاع الخاص ، والاسكان "، والتي لم تتجاوز قيمتها المالية النصف مليار، أي بما لا يتجاوز فرق صرف العملات الخاص بما صرفته كل دول العالم في الاراضي الفلسطينية منذ انشاء السلطة الفلسطينية وحتى اليوم.
ان الرؤية القطرية والتي اعتمدت من قبل الدولة القطرية ويشرف عليها السفير محمد اسماعيل العمادي، وخصص لها مكاتب استشارية وهندسية في غاية من التطور والمهنية ، توجهت الى الصرف على الاولويات الاستراتيجية التي من شأنها ان تنعكس ايجابا على مجمل مكونات المجتمع الفلسطيني بغض النظر عن خصوصياته واحتياجاته.
فعندما تؤهل الطرق الرئيسية الرابطة بين المحافظات فنحن نتحدث عن خدمات للمواطنين وضمان تنقلهم السلس والميسر، بالإضافة الى انه يدعم تنمية اقتصادية واستثمارات محلية ودولية عربية وفلسطينية واجنبية في غزة، فالعالمين في الاستثمار مقتنعون تماما انه لا يمكن الاستثمار في بلد يفتقر الى الحد الادنى من الطرق والبنية التحتية الخاصة بها.
وكذالك المشاريع الاسكانية وخاصة مدينة حمد لإسكان ذوي الدخل المحدود في ظل الحصار المفروض على غزة، فقد ساهمت هذه المدينة الاستراتيجية في تحقيق العديد من الاهداف الاقتصادية والانسانية معا، فهي من جانب وفرت مساكن لطبقات ذوي الدخل المحدود ، وخلقت نوعا من التطور وبناء الخبرات في قطاع شركات المقاولات الفلسطينية من جانب اخر، ودعمت تشغيل العمال الفلسطينيين، وساهمت في استغلال اراضي فلسطينية محررة لطالما سيطرت عليها اسرائيل ومنعت الفلسطينيين من استغلالها.
كما وساهمت الاموال والجهود القطرية في تطوير كثير من المشاريع والمؤسسات الصحية والتعليمية والخدمية بما يحقق الرؤية الفلسطينية للتنمية والاعتماد على قدرات الشعب الفلسطيني.
ولابد لنا جميعا ان نعترف بان الشقيقة قطر هي الدولة الوحيدة التي لم تخضع مشاريعها او برامجها لأي شروط او مطالب او محددات او سقف سواء اكان هذا السقف مالي او بنوع المشاريع او طبيعتها، بل تركت تحديد الاولويات والتفاصيل الهندسية والفنية للمؤسسات الفلسطينية سواء اكانت اسكان او تعليم او صحة او اشغال او بلديات او مؤسسات اهلية.
وتميزت المنحة القطرية بان خصصت الاموال لمشاريع تقترح فيما بعد ولم تخصص الاموال لمشاريع مقدمة سلفا، وبمعنى اكثر وضوحا فان الاشقاء في قطر وضعوا اموالهم تحت تصرف الفلسطينيين وليس العكس، كما يفعل كل المانحين الاجانب مع السلطة الفلسطينية.
كما ان الاموال القطرية هي اول واهم واكبر الاموال الدولية التي قدمت للحفاظ على مؤسسات القطاع الخاص والتعويضات الخاصة بهم ، والحفاظ على حياة كريمة للصيادين الفلسطينيين الذين يواجهون الموت يوميا في عرض البحر بسبب الانتهاكات الاسرائيلية بحقهم.
وعليه نقول لمختلف الاطراف والجهات الشعبية والرسمية والفصائلية في فلسطين، ان احترام من يحترم الشعب الفلسطيني ويدعم صموده ويقدم له وسائل التنمية، هو بمثابة الواجب الوطني، ولابد ان يكون بعيدا عن الاستخدام السياسي الذي لم يجلب لشعبنا الى مزيدا من الكوارث والويلات.
وكما يحترم ويقدر البعض دول حاصرت غزة وساهمت في فرض مزيد من السطوة الاسرائيلية على السلطة الفلسطينية ، عليهم ايضا ان يقدموا الاحترام لأشقاء عرب يقدمون ما لديهم دون أي شروط تفرض، او وصاية تكتب، او حتى تدخل فيما يريد الشعب الفلسطيني، لا على المستوى الانساني ولا على المستوى الاقتصادي ولا حتى على المستوى السياسي.
فلا يمكن ان يكون مقبولاً ان يقوم البعض الفلسطيني بإطلاق التحليلات والاتهامات والعنتريات السياسية على من يقدمون لكل الشعب الفلسطيني خدمات ومشاريع استراتيجية يستفيد منها الاجيال القادمة.
ولهؤلاء اقول :"اذا ما كنتم مصممين على ذالك فانا ادعوكم ان لا تمشوا بسياراتكم على أي من الطرق التي مولتها قطر، ولا تتلقوا خدمات العلاج في أي من المستشفيات التي بنتها او طورتها قطر، كما انه لا يجب عليكم ان تعلموا ابناؤكم في أي من المدارس التي بنتها قطر، ولا تسكنوا او تشتروا أي من الشقق التي بنتها قطر، واتركوها لمن يؤمنوا بانه لابد ان يقال شكرا قطر .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية