التوافق الذي تلا مؤتمر الأستانا بين النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة، والذي شهد لأول مرة قتالاً مشتركاً للجانبين في ريف دمشق ضد "داعش"، يمثّل تحولاً مفصلياً في الصراع الإقليمي الدائر منذ سنوات، ليس في سورية فقط، ولكن في العراق، وليبيا، وربما مصر، واليمن وفلسطين وعلى أطراف الأردن أيضاً.
وفي الحقيقة، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي سبقت بإرسال معلومات من قبل روسيا للرئيس التركي عشية الانقلاب، ساعدته على الاحتفاظ بمنصبه وحكمه، والتقارب بين البلدين ينعكس مباشرة على الملف السوري، فأن ترعى تركيا الحوار بين النظام السوري والمعارضة، وأن يقبل النظام السوري بأن يذهب ممثلوه إلى تركيا يدلل على انفراجة في العلاقة بين الطرفين، وكان هذا تلا إعلان تركيا انحسار تدخلها في الشأن السوري وحصره بالمنطقة الحدودية وبما يضمن عدم تمدد "دولة الأكراد" إلى أراضيها.
وقد جاء انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، ليزيد من فرص الحل السياسي في سورية، كذلك من التقارب بين كل من واشنطن وموسكو، ما يعني تغيراً في المواقف تجاه كل ملفات الشرق الأوسط، خاصة وأن ترامب يبدو، ومنذ أيام حكمه الأولى، عاقداً العزم على طي صفحة سياسة سلفه باراك أوباما بكل اتجاهاتها، خاصة الخارجية منها، وبالطبع هذا يشمل عدم ال حماس لمتابعة ملف دمقرطة الشرق الوسط (الربيع العربي)، إن لم يكن طيه تماماً.
ولقد اتضح هذا المنحى سريعاً فيما يخص معركة الموصل، حيث كانت السياسة الأميركية في أواخر أيام أوباما تشير إلى أن واشنطن تسعى إلى إخراج "داعش" من العراق ودفعها إلى سورية، أي تحرير حليفها العراقي من وطأة وجود تنظيم الدولة على أراضيه، وتعقيد مأزق الملف السوري بحشر "داعش" في سورية فقط، لكن سياسة ترامب تبدو غير ذلك، فهو متوافق مع روسيا على محاربة التنظيم، ولعل هذا كان مقابل أن تظهر روسيا قدراً من الحياد بين أطراف الملف السوري، وهي التي فعلاً تقدمت بمشروع دستور جديد للبلاد، يحقق مستوى من الإصلاح السياسي يرضي الأطراف السياسية من المعارضة، المهم أن هذا التوافق بعد هذا التغير في السياسة الأميركية سرعان ما عجّل في حسم معركة الموصل التي كانت تبدو طويلة، بحيث يكون الوقت كافياً لانتقال "داعش" من العراق إلى سورية.
الآن وقد تحولت المعركة ضد "داعش" إلى حرب يشارك بها الجميع بهدف واحد وهو سحق التنظيم، فإن التنظيم وكما حدث من قبل مع سلفه القاعدة، بدأ يفكر في الانتقال إلى جبهات أخرى أو إلى مناطق أخرى، وحيث إن الأردن كان ساحة مفترضة، نظراً إلى وجود أنصار للتنظيم خاصة في جنوب الأردن، كذلك قدرة عناصره أو فلوله الهاربة من العراق وسورية، على التسلل إلى شماله، نظراً لوجود حدود برية طويلة بين الأردن وكل من العراق وسورية، فقد قام الأردن بشن الغارات الجوية الساحقة في تلك المنطقة، وذلك لقطع الطريق على هذا المنحى، لذا فإن التنظيم الذي يواجه في الوقت ذاته حرب إبادة في ليبيا، بعد التقارب أيضاً بين الغرب وروسيا، في هذا الملف، لم يجد التنظيم سوى جبهة سيناء.
ولأول مرة يعلن "داعش" استهداف إسرائيل بإطلاق الصواريخ على إيلات، وهو الذي يحارب الجيش المصري منذ سنوات في سيناء ويرى بأم عينه المجردة الجنود الإسرائيليين دون أن يفكر في استهدافهم!
من جهة أخرى، بدأت عملية تسخين جبهة غزة بين "حماس" وإسرائيل، بعد أن أطلق قادة إسرائيل: بنيامين نتنياهو ، وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، التصريحات النارية، مع بدء عجلة "التفاوض الأمني" بين الجانبين بالرعاية المصرية، التي تفسر الانفراجة في فتح معبر رفح خلال الأشهر الأخيرة، وذلك لتحسين شروط الطرفين في صفقة التبادل المفترضة، والتي هي على كل حال لن تحدث في المدى المنظور، حيث تعوّد الطرفان على التوصل لمثل هذه الصفقة بعد مفاوضات ماراثونية، لكن "حماس" التي ليس بمقدورها أن تحسم أمورها الداخلية تجاه الحلفاء الإقليميين، بسبب الافتراق في الموقف بين قيادتيها السياسية والعسكرية تجاه المحاور الإقليمية، والتي بالتالي لم تستطع أن تحل أياً من مشاكل غزة بشكل نهائي، لا الكهرباء ولا رواتب موظفيها ولا المصالحة ولا الحصار ولا إنهاء الانقسام، كذلك إسرائيل التي رغم أنها تنفست كثيراً بعد انتخاب ترامب، إلا أن متابعة ملف الاستيطان تحتاج حرباً على غزة للفت الأنظار إليها وإبعادها عن قرار ضم المستوطنات في الضفة الغربية.
من المرجح إذن أن يتم تسخين ملفات الشرق الوسط كلها في الربيع الذي بات على الأبواب لتشهد المنطقة العربية ربيعاً ساخناً، ولكن من نوع آخر غير ذلك الربيع الذي كان عام 2011 / 2012، وما أن يحل الصيف حتى تصل الأمور به إلى صيف حار، بحيث يمكن القول: إن بعضاً أو عدداً من الملفات قد يصل إلى حد الحسم والإغلاق، وذلك توطئة لفتح ملفات أخرى، فمن تابع أمور المنطقة بشكل دائم أو مستمر، يمكنه أن يتساءل عن السبب وراء فتح بعض الملفات دون غيرها، أو عن السبب وراء فتح بعض المجتمعات وإسقاط بعض أنظمة المنطقة دون غيرها، ومن يدري ربما تكون شراكة ترامب / بوتين، سبباً في إسقاط أنظمة أخرى، أو فتح مجتمعات أخرى، أو على أقل تقدير تغيير الوجهة، ليس باتجاه استقرار المنطقة، ولكن نحو إعادة ترتيبها من جديد، وهذه العملية إن كانت ستواجه عقبات، فلا بد من إزالتها، والإزالة قد تستوجب تحطيم تلك العقبات أو القيام بعليمات عسكرية ما، وليس بالضرورة شن حروب، فيما سيكون لردة الفعل أيضاً، وبالمقابل شأن آخر.

Rajab22@hotmail.com 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد