2014/09/24
298-TRIAL-
من المفروض ان تكون الأمور قد هدأت وأصبح بمستطاع الجميع التفكير مليا بما أنتجت الحرب الأخيرة بعيدا عن ترديد الشعارات والجمل الثورية الطنانة التي لا طائل منها سوى إشباع الغرور الذاتي والاستمرار في خداع النفس.
اليوم لا بد من تفحص المشهد حتى نرى الى أين نحن ماضون ، وللبحث في الخيارات والبدائل، خصوصا وانه لا يوجد لدينا ترف إضاعة الوقت عندما يكون مءات آلاف المواطنين بلا مأوى، وعندما يصبح الملاذ هو المخاطرة بالحياة وركوب البحر والذهاب الى المجهول.
الحرب في غزة كانت مبادرة خالصة لحركة " حماس " وبالاساس بدأت في الضفة الغربية كمحاولة لبدء انتفاضة ثالثة توءدي الى انهيار السلطة وخلق حالة من الفوضى تؤمن ل"حماس" سيطرة واسعة ونفوذ اكبر على أساس انها ستملأ الفراغ الناشيء عن انهيارالسلطة. وهذا تم تنفيذه من خلال خطف المستوطنين الثلاثة في منطقة الخليل قبيل الحرب.
وتدحرجت الأمور حتى وصلت الى مواجهة شاملة في قطاع غزة ، وبالرغم من البطولة التي تميز بها المقاتلون في غزة من جميع فصائل المقاومة، الا ان النتائج لم تكن كما ظنت واعتقدت "حماس"، خاصة بعد إضاعة فرصة المبادرة المصرية في الأيام الاولى للحرب سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى وقيام اسرائيل بتدمير كم هائل من المنازل ومنشآت البنية التحتية في ابشع وأسوأ عملية قتل وتدمير تشهدها المناطق الفلسطينية المحتلة.
واضطرت "حماس" والفصائل الى الموافقة على مبادرة اقل من السابقة لوقف إطلاق النار، ومع كل ما حصل لم تنهار السلطة ولم تحقق فصائل المقاومة مطالبها بسبب ربط اسرائيل الموافقة على فك الحصار وإعادة الاعمار تارة بنزع سلاح الفصائل وتارة اخرى بوجود السلطة الفلسطينية على الأقل فيما يتعلق ب فتح المعابر. وتحقق عكس ما كانت تريد "حماس" وتعزز موقف السلطة وأصبحت أقوى من السابق بفعل اعتبارها العنوان في كل ما يتعلق بالحل في غزة وهذا تكرس بدءاً من تشكيل الوفد المفاوض مع اسرائيل .
"حماس" من جهتها تعاملت مع نتائج الحرب باعتبارها انتصاراً لها وبالذات لانها استعادت صورتها السابقة باعتبارها فصليا مقاوماً .ولكنها اصطدمت باستحقاق عودة السلطة بكل معناها الى غزة كشرط للتعامل مع احتياجات القطاع وتجاوز اثار الحرب.
عندها بدأت المشاكل تطفو على السطح في كل التفاصيل من توزيع المساعدات حتى تولي حكومة الوفاق مسؤولياتها بما يسمح بإعمار غزة والبدء في التعامل مع المشاكل الملحة للمواطنين. ولسان حال "حماس" يقول اننا انتصرنا وعلينا ان نحصد ثمار هذا النصر بان تكون لنا حصة جيدة في الغنائم وفي كل الترتيبات بما في ذلك في الحكم والاقتصاد. وهذا الفهم والموقف عمليا يعيق التقدم نحو اعادة بناء غزة والتخلص من اثار العدوان البربري الاسرائيلي الذي تم بذريعة قيام "حماس" بتفجير حالة الهدوء التي كانت ساءىدة بناء على اتفاق العام ٢٠١٢.
وإذا كانت " حماس" قد اختطفت شرعية المقاومة وتصرفت على انه لم يكن بتاريخ الشعب الفلسطيني مقاومة قبلها ولا بعدها على الرغم من المشاركة الفاعلة والمهمة لفصائل اخرى في مقاومة العدوان مثل حركة " الجهاد الاسلامي" وحتى المجموعات المسلحة ل"فتح"، فهذا يبرر لها من وجهة نظرها الاستفراد بالقرار واعتبار غزة حديقتها دون الأخذ بالاعتبار مصالح المواطنين بغزة والمصلحة العليا في ربط الوضع هناك والحلول الخاصة بالقطاع بالقضية الوطنية عموماً. وقد برزت إشارات واضحة من بعض قيادات "حماس" بأنهم يضيقون ذرعاً بمجرد الربط بين غزة وباقي اجزاء الوطن. وهذا يظهر بوضوح ان مطالب "حماس" في غزة ،وهي مطالب الكل الوطني، مرتبطة فقط بغزة وليس باعتبارها مقدمات للمطلب الأكبر والاهم المتعلق بإزالة الاحتلال، وهذه اشكالية كبيرة تعطل عودة قطاع غزة للشرعية كجزء من وطن محتل يشمل كامل الضفة الغربية وفي القلب منها القدس الشرقية. وليس المطلوب هو فك الحصار عن غزة واعمارها بمعزل عن الضفة وبعيدا عما يحدث فيها وفي القدس فالمشروع واحد.
تتمسك "حماس" بحكومة التوافق الوطني ليس بصفتها الحكومة التي ستدير مناطق السلطة بما فيها غزة وتشرف على اعادة الاعمار ، بل بصفتها البوابة التي تؤمن تدفق الأموال لتستفيد منها الحركة التي تريد ان تشارك في كل شيء بحصص كبيرة. و هذا الموضوع بات يغضب الرئيس ابو مازن الذي بات يطرح مجموعة من المبادىء على "حماس" الموافقة عليها اذا أرادت ان يجري تطبيق ما اتفق عليه بخصوص الوحدة وكذلك بخصوص المفاوضات مع اسرائيل . والمفروض ان يكون موقف السلطة والرئيس واضحاً من فكرة الوحدة وتطبيقها وهذا هو الوقت الذي تفرض فيه قواعد الوطن الواحد والحكومة الواحدة والأدوات الواحدة ويوضع حد نهائي للانقسام ،فعلى "حماس" ان تقبل بذلك او ترفض فتحمل المسؤولية في قطاع غزة لوحدها، وربما هذا ينسجم مع ما المح اليه محمود الزهار عندما أعلن انه بعد انقضاء مدة الحكومة اي الستة شهور ستتخذ "حماس" الموقف المناسب. 199
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية