أرسى التنظيم القانوني الوطني والدولي قواعد قانونية آمرة –لا يجوز مخالفتها-، يجب على رجال الأمن ممن يحملون صفة الضبطية القضائية التقيد المطلق بها، ورسم في الوقت ذاته حدود الأعمال المناطة بهم كالبحث والاستقصاء وجمع الاستدلالات عن الجرائم، وذلك في معرض مباشرتهم لمهامهم القائمة على معاونة السلطة القضائية في حماية مصالح المجتمع وأفراده، كما رهن استدعاء أو احتجاز الأشخاص بمذكرة صادرة عن النيابة العامة إلا في حالة الجرم المشهود.
لقد تلقى عدد كبير من المواطنين خلال شهر يناير/ كانون الثاني 2017م، استدعاءات وتبليغات بالحضور إلى مقرات أجهزة الأمن في قطاع غزة ، على خلفية ممارسة حقهم الدستوري في الرأي والتعبير أو في التجمع السلمي احتجاجاً على أزمة الكهرباء، وتعرضت منازلهم إلى التفتيش والرقابة المتواصلة.
وبمعزل عن الحديث في الضمانات التي كفلها الإطار القانوني الوطني والدولي المتعلق في الحقوق والحريات العامة، فإن المنظومة التشريعية الفلسطينية جاءت منسجمة إلى أبعد الحدود مع المعايير الدولية المتصلة بوجوب تمتع الأشخاص بحريتهم الشخصية في حدود القانون، عندما جعل القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003م (الدستور المؤقت) من تلك الحرية قاعدة أساسية وأن سلبها هو الاستثناء يجب أن يتم بموجب أمر قضائي، فقد نصت المادة (11) منه على أن: "1-الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مكفولة لا تمس. 2-لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون.."، كما علق تفتيش المنازل أو دخولها أو مراقبتها على أمر قضائي مسبب ووفقاً لأحكام القانون، والأمر القضائي الذي تقصده المشرع الفلسطيني في كلتا الحالتين سواء الاستدعاء أو تفتيش المنازل ومراقبتها هو الصادر إما عن النيابة العامة أو القضاء وليس عن أي جهة أخرى حتى وإن كانت تحمل صفة الضبطية القضائية باستثناء حالة التلبس بالجريمة، ثم جاء قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001م متماشياً مع القانون الأساسي وحصر صلاحية إصدار مذكرات الحضور والإحضار فقط في يد النيابة العامة من خلال المادة (106)، وألزم قانون الاجراءات الجزائية مأموري الضبط القضائي الذين يباشرون تنفيذ مذكرات الحضور أو الإحضار الصادرة عن النيابة العامة تبليغ مضمون المذكرة للشخص المقبوض عليه من وفقاً للمادة (112).
وفي السياق نفسه كفل القانون الأساسي حماية خاصة للحقوق والحريات من خلال المادة (32) منه والتي نصت على أن: "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر".
هذا وكفل التنظيم القانوني الدولي حرية الأشخاص، وفي مقدمته الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م الذي نص على عدم جواز القبض على أي إنسان أو حجزه تعسفاً وفقاً للمادة (9)، وأكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م على أنه لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه، أيضاً من خلال المادة (9) من العهد الدولي.
ولكل ما ورد أعلاه فإن أي استدعاء وبأي شكل كان إن لم يصدر بشأنه إذناً صادراً عن النيابة العامة يعتبر غير مشروع وغير قانوني وهو مساس بالضمانات الدستورية والقانونية ويندرج ضمن الاحتجاز التعسفي المحظور في القانون يستوجب على النائب العام تفعيل أدوات المسائلة والمحاسبة استناداً إلى المادة (20/1) من قانون الاجراءات الجزائية التي تنص على أنه: "للنائب العام أن يطلب من الجهات المختصة اتخاذ الإجراءات التأديبية بحق كل من يقع منه مخالفة لواجباته أو تقصير في عمله، ولا يمنع ذلك من مسائلته جزائياً"، كما ينبغي على المواطنين عدم الاستجابة لها إلا إذا كانت وفقاً للأصول القانونية، وعلى المواطنين الدفاع عن مبدأ سيادة القانون, وعن حقوقهم المشروعة والمكفولة، إنهم مصدر السلطات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية