لعل أفضل وأقصر طريق لإنهاء الانقسام، هو التوقف عن سياسة التفاهم الثنائي بين حركتي حماس وفتح، فوراً، والتوجه في ذات اللحظة والتو، إلى تشكيل إدارة سياسية جماعية / فصائلية، ليست مكونة أو مشكلة من مستقلين أو تكنوقراط أو ما إلى ذلك، ذلك أننا لا نعني بما نقوله _ هنا _ تشكيل حكومة السلطة التنفيذية فقط، ولا نعني ما يسمى بالإطار القيادي أبداً، فحيث إن القيادة الفلسطينية توجهت إلى اللجنة التنفيذية ليس للبت في أمر تعديل أو « إقالة « حكومة الحمد الله الثانية، بل ل فتح طريق للتحرر من «شراكة» حماس في قرار تشكيل الحكومة، بعد أن اشترط اتفاق الشاطئ تشكيلها بالتوافق، وحيث إن الرئيس لا يريد الاستمرار في هذا الخيار الذي منح حماس القدرة على تعطيل عمل الحكومة وتمكينها من العمل في قطاع غزة ، وأخضعها لابتزاز _ إما تظهير قائمة موظفي الانقلاب الحمساوي، أو منعها من ممارسة صلاحياتها في قطاع غزة و بل وحتى منع وزراء الحكومة أنفسهم من دخول مقرات وزاراتهم والاتصال بموظفيها الشرعيين، العاملين بها منذ ما قبل 2007.
ماذا لو أن القيادة تقدم مبادرة للفصائل، بما في ذلك حماس، للقيام بإدارة جماعية مؤقتة للسلطة، والمنظمة، إلى حين الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية، فذلك يؤدي إلى احتواء فوري للخلاف واستمرار عملية الشد والرخي بين الحركتين، كما يحقق الوحدة الوطنية الحقيقية، بالسياسة التي ستؤدي حتماً لوحدة الجغرافيا، كما أنه يمنع من أن تتفرد حماس بقرار مصير غزة، وعقد صفقة الأمن مقابل الغذاء، في الوقت ذاته يحقق رقابة على الملف التفاوضي، ويقوي الطرف الفلسطيني في مواجهة ضغوطات، يبدو أنها تمارس عليه أكثر مما تمارس على الجانب الإسرائيلي، خاصة مع بدء رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة، المشكلة بعد انتخابات الكنيست العشرين، جملة من المبادرات التي لا يجد فيها الجانب الفلسطيني جديداً أو جدياً وبالتالي يعلن رفضها تباعاً، الأمر الذي يولد انطباعاً لدى المراقبين والمتابعين _ خاصة الدوليين _ بأن الجانب الفلسطيني هو الذي يظهر تشددا، يمنع من إطلاق للمفاوضات.
بعد معركة الكرامة عام 1968 ظهر واضحاً أن المقاومة الفلسطينية إنما هي جدية، ولم تظهر نتائج الحرب التي جاءت بعد أشهر قليلة من نكسة العام 67 للفلسطينيين فقط، أن الظاهرة الفدائية المعلنة للتو، باتت أملاً، بل وعنصراً مهماً، إن لم يكن رئيسياً ومركزياً في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، بل أظهرت ذلك لكل القوى في المنطقة، لدرجة أن الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان قد تلقى شخصياً عبء نكسة حزيران، وجد فيها زورق النجاة، لدرجة انه سارع إلى دعمها، والقول بأن الثورة الفلسطينية وجدت لتبقى وتنتصر.
المهم أن الفدائيين ورغم أعدادهم القليلة في ذلك الوقت والتي لم تتعد بضع مئات، ما كانوا فصيلاً واحداً، ولا تنظيماً أو حزباً وحيداً، بل وما كانوا موحدين ضمن أيديولوجيا، وحتى أن علاقات فصائل العمل الوطني بالدول الإقليمية والدولي_ وكان العالم في حرب باردة _ كانت مختلفة ومتعددة، ورغم ذلك كان لانخراط كل فصائل العمل الوطني في م ت ف وتحويل المنظمة إلى إطار جبهوي، أو ما يشبه ما كان يسميه جورجي ديمتروف البلغاري بالجبهة الوطنية المتحدة لمواجهة الاحتلال النازي، الذي احتل معظم دول أوروبا الشرقية ومنها بلغاريا، من أجل إنجاز وتحقيق مهمة التحرر الوطني، كان لذلك الانخراط فعل السحر، الذي حقق إنجازات مفصلية، منها أولاً _ الإبقاء على الوجود الثوري الفلسطيني نحو عقدين من السنين، رغم محاولات إجهاضه من قبل أكثر من طرف، في مقدمتهم بالطبع إسرائيل بشكل مباشر التي شنت عدة أجتياحات وعدة حروب على الوجود الفدائي الفلسطيني في لبنان، ثم إنجازات سياسية هامة جداً، منها مقعد المنظمة كمراقب في الأمم المتحدة، ومن ثم وبفضل الانتفاضة فرض الاعتراف بالمنظمة على إسرائيل وعقد اتفاق أوسلو معها، الذي دشن أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية.
باتت الوحدة السياسية أكثر أهمية مع وجود القيادة وكذلك قيادات الفصائل داخل الوطن، ومع وجود سلطة ذاتية، لأن ذلك يؤثر مباشرة على حياة نحو أربعة ملايين فلسطيني، إضافة للتأثر الحاسم على مجمل المشروع الوطني.
إن الخلافات والاختلافات بين فتح وحماس الآن، أقل عمقاً مما كانت عليه بين فتح والشعبية _ مثلاً _ في عقود ماضية، ورغم ذلك فإن الانقسام ما زال قائماً منذ ثمانية أعوام، وفي الحقيقة، لا يخفى على أحد أن الأصابع الإسرائيلية تفعل فعلها بهذا الشأن، وكلما تقدم الفلسطينيون بخطوة جدية على طريق إنهاء الانقسام، سارعت إسرائيل إلى إرسال الإشارات الخبيثة، من نمط الحديث عن التهدئة أو المفاوضات.
بعد أن أعلن عن الورقة السويسرية مباشرة، بدأ التسريب بالحديث عن وجود صفقة تهدئة مقابل كسر الحصار، ومجرد أن أعلن رئيس الحكومة عن مبادرة المعابر مقابل موظفي حماس، حتى بدأ الحديث عن إشارات خاصة بالمفاوضات، بما في ذلك التحرك الفرنسي.
التفاصيل تؤكد ما نذهب إليه، ذلك أنه قد مر أكثر من ستة أشهر على تقدم القيادة الفلسطينية بمشروع قرار تحديد سقف زمني من قبل مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، ومن ذلك الوقت، بل وحتى قبله والحديث عن مشروع القرار الفرنسي!
لقد مضى على دخول الفصائل لـ م ت ف نحو نصف قرن، تغيرت وتبدلت خلالها الدنيا بأسرها، لذا فربما ليس هنالك من حل سوى أن تتحد الفصائل مجدداً في إطار، ربما يكون هو م ت ف ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تجديد برنامجها وهياكلها، ليس للأخذ بعين الاعتبار المستجدات العامة، ولكن أيضاً الأخذ كذلك بأن دخول فصائل إسلامية _ حماس والجهاد وغيرها _ يستحقق تعديل البرنامج والأدوات، فنظام الشراكة ما زال ممكناً، ولكن ليس من خلال الإخضاع أو الاحتواء، بل من خلال التوصل لبرنامج مشترك وإطار جامع، يحقق الوحدة ويضمن الانتصار!
Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد