قال لي صديقي المثقف والمسكون بالقضية: منذ عشرات السنين لم نسمع خبرًا مفرحًا، منذ فترة طويلة، وإنما تتلاحق الأخبار المحزنة. وقالت صديقة مشتركة: هناك خبر مفرح، وهو حملة مقاطعة إسرائيل، حيث كان يشهد الفندق الذي كنا نقيم فيه في الأردن اجتماعًا للجنة المقاطعة، وشهد في اليوم السابق ندوة تحدث فيها الطبيب النرويجي مادس جيلبرت، عن تجربته في غزة ، وكانت القاعة ممتلئة بالحضور، لدرجة أن المئات لم يتمكنوا من المشاركة من كثرة الاكتظاظ.
هناك خبر مفرح آخر، وهو القرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الفلسطيني بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، ولكن الفرحة ناقصة لأن هذه الخطوة النوعية من دون رؤية، ويغلب عليها أنها تأتي في سياق سعي حثيث لإنقاذ «اتفاق أوسلو» والعودة إلى متاهة المفاوضات، بدلًا من اعتماد مسار جديد ي فتح طريق الأمل والمستقبل أمام الفلسطينيين بعد سنوات من الخيبة والإحباط.
تشكيل القائمة العربية المشتركة لخوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي العشرين خطوة كبيرة تبرر الفرح، وبشارة خير نأمل أن تكون بداية صفحة جديدة لا يقتصر تأثيرها على شعبنا في أراضي 48، بل يمتد ليصل إلى مختلف الفصائل والتيارات الفلسطينية داخل منظمة التحرير وخارجها، بما يفتح الطريق نحو إعادة بناء وتوحيد مؤسسات منظمة التحرير بمشاركة مختلف ألوان الطيف السياسي.
لأول مرة تُشكل قائمة يُمثل فيها الوطني والقومي والشيوعي والإسلامي، وتضم مرشحين من الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وفيها مسلمون ومسيحيون ويهودي ودرزي وبدوي وثلاث نساء، اثنتان في مكان مضمون، وثالثة بالتناوب إذا أخذت القائمة ما يتجاوز 11 مقعدًا.
صحيح أن ما جعل تشكيل مثل هذه القائمة ممكنًا رفع نسبة الحسم في الانتخابات الإسرائيلية القادمة من 2% إلى 3.25%، وذلك بهدف تقليل عدد المقاعد التي سيحصل عليها العرب بعد إقرار مشروع قانون قدمه حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان، لينقلب السحر على الساحر، إذ إن من المتوقع أن يرتفع عدد المقاعد العربية من 11 إلى 15 مقعدًا بعد تشكيل القائمة المشتركة، في حين أن نسبة حزب ليبرمان في الكنيست تتراجع وفق الاستطلاعات، وإذا استمر تراجعها سيكتوي بنار نسبة الحسم المرتفعة التي أراد أن يُقصي بها القوائم العربية. لقد انتصرت الأحزاب العربية الرئيسية على نفسها وخلافاتها واختارت خوض الانتخابات بقائمة واحدة، رغم أن خوض الانتخابات بقائمتين من شأنه أن يضمن نفس عدد المقاعد السابقة، ولا تزال الآمال معقودة على إمكانية نجاح جهود لجنة الوفاق في التوصل إلى صيغة مع الحزب الديمقراطي العربي تعزز الالتفاف حول قائمة واحدة.
إن مغزى تشكيل القائمة المشتركة تاريخي، لأنه يظهر بالملموس أن الخلافات الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية لا تلغي إمكانية العمل المشترك، خصوصًا أن ما يجمع الفلسطينيين في أراضي 48، وفي كل مكان، أكبر بكثير مما يفرقهم. ومن كان ينكر ذلك من الفلسطينيين تعرّض لصدمات متلاحقة جراء التطرّف والتمييز العنصري الذي تعمق بشكل كبير من خلال قيام إسرائيل بجملة لا تنتهي من الإجراءات والسياسات والقوانين العنصرية التي بلغت العشرات، ووصلت الذروة بإقرار الحكومة الإسرائيلية لمشروع قانون «الدولة اليهودية» الذي يشرعن بشكل صارخ حقيقة إسرائيل، ويهدد بشكل غير مسبوق الفلسطينيين، ليس في داخل ما يسمى الخط الأخضر فقط، وإنما أينما تواجدوا، وليس بشكل سياسي فقط، وإنما سياسيًا وحضاريًا وثقافيًا واجتماعيًا، وعلى كل المستويات والصعد.
يجب أن ينتهي الوقوع في فخ لعبة التطرّف والاعتدال وأنصار التسوية ورافضيها بين الفلسطينيين والعرب، لأن إسرائيل لا تريد أي تسوية، وإنما تهدد بالمخاطر الفلسطينيين جميعًا، ومثلما زيفت ماضيهم وتاريخهم تريد مصادرة حاضرهم ومستقبلهم وفرض الاستسلام عليهم من دون استثناء، حتى الفلسطينيين الذين تخيلوا أنهم إذا تأسرلوا يمكن أن ينالوا حقوقهم أو الحد الأدنى منها على الأقل.
إن القائمة المشتركة، خصوصًا إذا أدت إلى نجاح 15 عضوًا وأكثر يمكن أن تسارع إلى تنظيم علاقة فلسطينيي 48 بأنفسهم، بوصفهم أقلية قومية وجزءًا لا يتجزء من الشعب الفلسطيني. فمحاولات قلع كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني لشوكه بنفسه بمعزل عن الشعب وعن مشروعه الوطني ومؤسسته الوطنية الجامعة التي دشنها ورسمها «اتفاق أوسلو» انتهت إلى الكوارث التي حلت بالفلسطينيين أينما تواجدوا داخل فلسطين المحتلة وفي الشتات، وفي الضفة والقطاع، بما فيها القدس ، وفي الجليل والمثلث والنقب، ومخيمات سورية ولبنان، وفي العراق، وغيرها من الأماكن التي يتعرض فيها الفلسطينيون إلى أوضاع مأساوية ومتفاوتة في سوئها ولكن أقل ما يقال عن أقلها سوءًا إنهم لا يحسدون عليها.
إن القائمة المشتركة خطوة نوعية يمكن أن يبنى عليها، أتت بعد عشرات السنين وشهدت تشكيل لجنة الدفاع عن الأرض وانتهت إلى لجنة المتابعة، والآن وصلت إلى لجنة الوفاق الوطني، وستكون لها آثارها الإيجابية فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه الجماهير العربية داخل إسرائيل، وفي تعزيز وحدة التيارات الوطنية، وما يرافق ذلك وينتج عنه من تعزيز النضال الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلالي العنصري، ومن أجل تحقيق أهداف ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني المباشرة والبعيدة.
وسوف تترسخ قيمة هذه الخطوة إذا لم يتم التعامل معها كمسألة انتخابية تنتفي أهميتها بعد الحصول على المقاعد المطلوبة في الكنيست، بحيث يمكن أن تنقسم بعدها القائمة إلى كتل و»تعود ريما لعادتها القديمة»، وإنما من خلال التعامل معها كخطوة على طريق تنظيم ومأسسة الفلسطينيين كأقلية قومية تدرك أن النضال في داخل الكنيست وحده لا يغني بل يضر، لأنه يعطي شرعية لإسرائيل وسياساتها وقوانينها العنصرية، فلا بد من خوض نضال شعبي موحد ضد جوهر إسرائيل وليس سياساتها التفصيلية فقط، من شأنه تحقيق إنجازات تتجاوز السقف المحدود الذي يتيحه العمل في إطار الكنيست، وما يبرهن على صحة ذلك أن النضال من خارج المؤسسة الصهيونية حقق إنجازات كان آخرها إفشال «مخطط برافر» لتهجير سكان النقب.
إن ردة فعل الأحزاب الصهيونية على تباينها واختلافها توضح القلق التي ينتابها جراء تنظيم الفلسطينيين العرب لأنفسهم، وتجسد ذلك القلق في تصريحات القادة الإسرائيليين، وخصوصًا ليبرمان الذي طعن بالقائمة وطالب بشطبها، واعتبر أنها تدل على أن لا فرق بين العرب بين قومي وإسلامي وشيوعي، بين حنين وحنين، في إشارة إلى دوف حنين وحنين الزعبي.
المصالحة التاريخية بين مختلف التيارات على قاعدة القواسم المشتركة وتنظيم التعامل مع الاختلافات هي القادرة على فتح طريق الوحدة، وهي ضرورة ستفرض نفسها عاجلًا أم آجلًا، وهي خشبة الخلاص الوطني، وكلما تحقق أسرع كان أفضل، لأنه سيجنب الشعب الفلسطيني تقديم تضحيات وأثمان ومعاناة أكبر.
Hanimasri267@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد