بعد موجة كاسحة من رسوم الكارتون/ الكاريكاتير التي اجتاحت الصحافة الإسرائيلية للتهكم على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عندما تلصص للوصول إلى الصف الأول أثناء المظاهرة في العاصمة الفرنسية إثر أحداث «شارلي ايبدو»، ها هي ذات الصحافة وبذات الأسلوب تتهكم على الطريقة التي يحاول بها نتنياهو، في اطار حملته الانتخابية، أن يخرج عن العرف والتقاليد ويفتعل معركة مع إدارة اوباما، فقد أحدث كاريكاتير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، موجة من التوتر المتزايد بين الرأي العام الإسرائيلي ونتيناهو من جهة، وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أُخرى، الكاريكاتير يصور نتنياهو يقود طائرة تتجه صوب برجي التجارة في نيويورك، مثل هؤلاء الإرهابيين الذين قاموا بتفجير البرجين قبل عدة أعوام، نتنياهو وإسرائيل، ليس أقل إرهاباً، هكذا يوضح الرسم بكل بساطة، إرهاب يقوده رئيس الحكومة في معركته ضد إدارة اوباما، ليس لحساب إسرائيل ولكن لحساب نجاحه في انتخابات الكنيست القادمة، ولهذا الكاريكاتير أكثر من دلالة، كلها تشير إلى توتر متزايد في العلاقات بين إدارة نتنياهو وإدارة اوباما، على خلفية تلك الترتيبات غير البروتوكولية التي اتبعها نتنياهو، للتسلل إلى واشنطن متلصصاً من خلال دعوة ملتبسة لإلقاء خطاب في الكونغرس لكي يوظف هذا الخطاب في سياق حملته الانتخابية لكسب مقعده مجدداً كرئيس لوزراء إسرائيل!
بدون إعلان، سبق وأن تلقى نتنياهو دعوة من الكونغرس لإلقاء خطاب أمامه في الحادي عشر من الشهر القادم، دون أن يكون للرئيس الأميركي أي علم بمثل هذه الدعوة، ذلك أن تقاليد البيت الأبيض أن لا يلتقي الرئيس مع أي زائر أثناء حملة انتخابية، كي لا يفسر مثل هذا اللقاء وكأن واشنطن تصطف لمؤازرة هذا الرئيس في حملته الانتخابية، موقف تقليدي متعارف عليه، لذلك تم إخفاء هذه الدعوة التي فضحتها وسائل الإعلام، الأمر الذي أدى إلى تنصل البيت الأبيض من الدعوة، والإعلان عن أن الرئيس لن يستقبل نتنياهو في حال وصوله إلى البيت الأبيض، لكن هناك مسافة زمنية بين تاريخ عقد الكونغرس لجلسة خطاب نتنياهو، لذلك عمد هذا الأخير إلى الطلب من الكونغرس لتأجيل هذه الجلسة إلى بداية آذار القادم، أي قبل أيام قليلة من عقد انتخابات الكنيست لضمان تأثير هذا الخطاب على الناخب الإسرائيلي، خاصة وأن نتنياهو سرب إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه سيكون الرئيس الثاني الذي ألقى ثلاثة خطابات أمام الكونغرس الأميركي، بعد رئيس الحكومة البريطانية الأسبق ونستون تشرشل، إذن نتنياهو بنفس عظمة تشرشل!
لكن هذا الخلاف، بطبيعته البروتوكولية، لم يخف حقيقة التلاعب الإسرائيلي بالتحايل على السياسة الأميركية، خاصة في سياق ملف المفاوضات الأميركية الإيرانية حول البرنامج النووي الإيراني، فعندما زار وفد من رجالات الكونغرس مؤخراً إسرائيل، التقى ببعض قادة الموساد، الذين أعربوا عن مخاوفهم من ضغط نتنياهو على إدارة اوباما، لوضع عراقيل أمام هذه المفاوضات من خلال طرح قانون بمزيد من العقوبات في الكونغرس الأميركي ضد إيران، وزير الخارجية الأميركية جون كيري علق على هذا الأمر بقوله إن مثل ذلك الإجراء يعتبر وكأن إسرائيل تقذف قنبلة على طاولة المفاوضات والمحيطين بها، في حين أعلن البيت الأبيض، أنه في حال نجحت إسرائيل بالضغط على الكونغرس لإقرار عقوبات جديدة على إيران، فإن الرئاسة، ووفقاً للدستور ستستخدم حق النقض، لأن عقوبات جديدة، ستسد الطريق أمام نجاح المفاوضات مع إيران، خاصة وأن المحادثات بين الجانبين شهدت تقدماً ملموساً في الأيام الأخيرة.
من مصلحة نتنياهو الانتخابية، إعادة فتح ملف إيران على نطاق واسع، فبعد الضربة الإسرائيلية لكل من حزب الله وإيران في القنيطرة في الجولان السورية، فإن إعادة فتح ملف البرنامج النووي الإيراني، من خلال تصعيد الخلاف، من شأن ذلك كله توجيه رسالة للناخب الإسرائيلي من أن هناك تهديدات كبيرة تحيط بالدولة العبرية، حكومة بقيادة نتنياهو، هي الوحيدة القادرة على التصدي لهذه التهديدات. الحديث عن مشاورات أميركية إيرانية هادئة ومثمرة لا يخدم تطلعات نتنياهو باستمرار احتلال مقعد رئاسة حكومة الدولة العبرية، لذلك كله وفي مواجهة مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية، والإدارة الأميركية، حاول تنتياهو إعادة التصعيد على الملف الإيراني.
وسائل الإعلام الإسرائيلية، كانت أكثر ميلاً لانتقاد نتنياهو والسخرية منه، وقد أشارت إلى أن جون كيري الذي علم عن دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس من وسائل الإعلام، هو ذاته الذي تصدى ولا يزال للتوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن وإلى محكمة الجنايات الدولية، كيري هاتف نتنياهو مرتين، من دون أن يلمح أو يفصح نتنياهو عن ترتيبات زيارته المرتقبة لواشنطن، ما يشير إلى طبيعة الخديعة التي حاول نتنياهو من خلالها افتعال مزيد من التوتر بين الكونغرس وإدارة اوباما من جهة، وبين الإدارتين، الإسرائيلية والأميركية من جهة أُخرى!
ولا ندري حتى الآن، فيما إذا كانت هناك ألاعيب أُخرى، لم يتم كشفها حتى الآن، لا تزال في جعبة المشعوذ نتنياهو، لكن من المؤكد، أن حسابات الانتخابات للكنيست من الممكن أن تدفع بالمشعوذ إلى الجنون!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد