لو يجرب قادة الصف الأول والثاني، كذلك الناطقون الرسميون وغير الرسميين باسم حركة حماس أن يصمتوا، ولو لفترة وجيزة، ولو من باب "استراحة المجاهد"، ولو حتى من قبيل الأخذ بتقليد عربي قديم، وهو تحريم الاقتتال والغزو في الأشهر الحرم، ولو أنهم يقومون خلال أسابيع محددة ( أسبوعان، ثلاثة أو أربعة) بالصمت ومراجعة ما قاموا به وما فعلوه بحق أنفسهم وأهلهم وشعبهم خلال السنوات الماضية، لربما يكون ذلك أفضل لهم، لكنه بالتأكيد سيكون أفضل بالنسبة لغالبية الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص منه، شعب قطاع غزة ، المبتلى بهؤلاء الذين أقل ما يمكن أن يقال فيهم، بأنهم ينعقون ليل نهار بكل ما يزيد من أوجاع الناس، التي كانوا هم السبب الأول والأخير فيها !


ولأننا نعرف الجوقة الحمساوية حق المعرفة، ونعرف جيدا ما لديهم وما يفتقرون إليه، بما في ذلك عقدهم الشخصية والسياسية، ومما نعرفه عنهم، أنهم صم بكم، لا يقرؤون ولا يستمعون، ولا يناقشون، وبالبلدي لا بياخدوا ولا بيعطوا، وأنهم يضعون في أذن طينا وفي الأخرى عجينا، فإننا وقد يئسنا من توجيه النصح لهم، نقول ما نقول، ونجتهد فيما نجتهد، ليس من أجلهم، بل لوجه الله أولا ومن أجل شعبنا ثانيا، ولعله بات من نافل الكلام القيام بتفنيد ما يقوله أفراد جوقة التعديد والردح، وسبق لنا وان اشرنا في مقال سابق، إلى أنهم، وبكل صفاقة يظنون، وبدافع من استخفافهم بالقوانين العامة، وبمجموع الشعب مصدر السلطات، مانحها وحاجبها، في الوقت ذاته، يظنون _ وكل ظنهم إثم _ بأنهم إن اتفقوا معك فأنت شرعي ومؤمن ونظيف ووطني، وإن اختلفت معهم فأنت زنديق ووسخ وفاقد للشرعية.


سبق وان اشرنا في مقال سابق بأنهم تصل بهم السخافة لدرجة أن يلغوا الشعب بأسره، فيعتبروا أنهم هم وحدهم مصدر الشرعية، وهم من يمنح الناس صكوك الغفران وبراءات الطهارة، وحيث أنهم ذهبوا إلى حد "عقد اجتماع بعض أعضاء المجلس التشريعي المنتهية ولايته منذ خمس سنوات ( هم أعضاء "حماس" في غزة )، فقد تباروا في "نزع" صفة الشرعية عن الرئيس، وكأن المجلس التشريعي يتمتع بصفة مختلفة عن صفة الرئيس، فإذا كان المجلس منتخبا فالرئيس منتخب وإذا كان الرئيس قد مضت مدة ولايته فالحال ذاته ينطبق على "التشريعي"، إضافة إلى أن اجتماع بعض أعضاء "التشريعي" في غزة، في جلسة لا تعتبر ولا بأي حال جلسة شرعية، لأكثر من سبب : منها _ عدم اكتمال النصاب، كذلك الافتقار للشرعية البرتوكولية، حيث لا بد أن تبدأ دورة "التشريعي" بدعوة الرئيس، إضافة لافتقادها للشرعية الوطنية بسبب من مقاطعة الكتل النيابية الأخرى، باستثناء كتلة "حماس".


احد سمات خطاب "حماس" الذي يمتاز بالمفارقات المضحكة، هو ارتفاع عقيرته ليل نهار بعجز حكومة التوافق عن حل مشكلات غزة، ونسي هذا الخطاب الذي يقول به قادة "حماس" بمن فيهم إسماعيل هنية نفسه، أنهم حكموا غزة _ رسميا _ سبع سنوات، وما طالوا الزير من البير _ بالعكس هم من اسقطوا الزير في البير، وإذا كان هناك مواطن غزاوي واحد بمن فيهم أعضاء "حماس" لديه اعتقاد بقدرة الحركة على حل مشاكل غزة، سنكون أول من يدعو إلى إعادة حكومة هنية!


في النظر إلى مأزق المصالحة أو بمعنى أدق إنهاء الانقسام نقول بان المشكلة بين "فتح" و"حماس" أعمق بكثير من خلاف أيديولوجي أو سياسي أو تنظيمي، فما بينهما على هذا الصعيد أقل من شقة التباين بينهما وبين اليسار وحتى "الجهاد الإسلامي"، على سبيل المثال، ولو كانت فلسطين دولة مستقلة، لقلنا بان "فتح" و"حماس" تمثلان يسار ويمين الوسط السياسي، على التوالي.


الصراع سياسي وعلى السلطة وبين مشروعين متناقضين في الحقيقة، "حماس" خرجت بغزة، وهي تريد الاحتفاظ بها، وكانت ستضع حدا لصراعها مع إسرائيل، لو نجحت في تظهير غزة ككيان مستقل، وقد حاولت ذلك خلال سبع سنوات، ومن اجل ذلك تحالفت خلال تلك السنوات بمحور الممانعة أولا ثم مع تركيا ثانيا، وحاولت من خلال ما يسمى بكسر الحصار أن تخرج بغزة، ولو أن نظام الإخوان بقي في حكم مصر، لجعلوا من غزة كيانا مشابها لقبرص التركية، أما "فتح" فهي تسعى لتحقيق المشروع الوطني، بإقامة دولة غزة والضفة و القدس ، وفي حين أن "حماس" تريد من المصالحة أن تكون مجرد صفقة سياسية _ من وراء ظهر الشعب وحتى من وراء ظهر الفصائل _ مع "فتح" لتقاسم غنائم السلطة، دون اهتمام لا بالانتخابات ولا بالمقاومة الشعبية في الضفة والقدس، فان "فتح" تريد من المصالحة وحدة اندماجية كاملة وإنهاء للانقسام، وفقط تحاول أن لا تقع في المطب ( الإسرائيلي / الحمساوي ) وهو أن تتحول غزة من رافعة للمشروع الوطني إلى عبء عليه، وان يتم إغراق السلطة / مشروع الدولة، في غزة، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل من بعيد.


أما "حماس"، فإنها ومنذ سقوط نظام الأخوان في مصر وهي في حالة هبوط، وهي باتت حركة سياسية كما لو أنها رقصت على السلم السياسي، لا هي قادرة على العودة إلى محور الممانعة، ولا على تطبيع علاقتها مع السلطة و"فتح"، وهي حركة سياسية تنتمي للإسلام السياسي، لكنها ليست واقعية / عقلانية كما هو حال "نهضة" تونس، ولا هي متطرفة كما هو حال "داعش" و"القاعدة" !


لا مخرج لغزة والحال هذا، إلا بتسليم السلطة الداخلية والفعلية والأمنية لحكومة ورئاسة السلطة، ولا يحق لـ "حماس" أن تنوب عن "موظفيها" وان تتحول إلى نقابة عمالية، فلتترك هذا الأمر للموظفين أنفسهم والذين عليهم، أولا أن يتوحدوا مع نقابة العاملين في الوظيفة العامة أولا، للانتهاء من هذا المظهر الانقسامي، ثم أن يناضلوا نضالا مطلبيا / نقابيا وفق قانون الخدمة المدنية. ولا حل كذلك إلا بإخضاع الكتائب العسكرية، بما فيها "القسام"، للقيادة السياسية العليا للشعب الفلسطيني، ودون ذلك فانه لا جدوى من الإعمار ولا من فتح المعابر، مع احتمال تجدد المواجهة في أية لحظة، فلا بد من إغلاق أبواب المواجهة العسكرية بين غزة وإسرائيل نهائيا، وفتح كل بوابات المواجهة مع الاحتلال في القدس والضفة الغربية المحتلتين !


Rajab22@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد