أظهرت الصورة التي جمعت الرئيس محمود عباس ووزيرة العدل الاسرائيلية تسيفي لفني في لندن الاسبوع الماضي وكأنهما يندبان حظهما ويعبران عن همومهما حول ما توصلت اليه المفاوضات وقرار اسرائيل تعليقها رداً على اتفاق المصالحة بين حركتي فتح و حماس .

ومع ذلك يظل هناك شك في طبيعة العلاقة وشكلها بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية وأطرافها المتباينة، وأن هناك غموض اكثر في توجهات الرئيس عباس على الرغم من تشدده كما هو معلن في موقفه من العودة للمفاوضات وشروطه التي تحدث بها اثناء لقاءه وفداً اسرائيلياً نهاية الشهر الماضي موعد انتهاء فترة التسعة اشهر من المفاوضات، و أنه مستعد للعودة للمفاوضات لمدة ثلاثة اشهر على ان يتم وقف الاستيطان وتعريف الحدود.

الرئيس محمود عباس يحاول ان يطرح شروط تخلى عنها في السابق من أجل العودة للمفاوضات على أسس جديدة وأكثر وضوحاً وتمكنه من تحقيق اختراق مع حكومة يمينية متطرفة لا تعترف بحقوق الفلسطينيين، و حكومة إسرائيل تحاول برئاسة زعيمها بنيامين نتنياهو ادارة الصراع وفرض وقائع جديدة على الارض ومفاوضات لا تقود إلا لمزيد من جلب الويلات على الفلسطينيين، ولديها من الخيارات الكثيرة لمواجهة الفلسطينيين، فهي حكومة وان بدت انها غير مستقرة ويحاول بعض اطرافها التهديد بالانسحاب منها، إلا ان الوضع العام في اسرائيل مريح اكثر مما هو عليه لدى الفلسطينيين المحتلة اراضيهم ويعانون من جراء جرائم الاحتلال المستمرة بحقهم.

الرئيس عباس فضل الصلح مع حماس لكنه لم يقطع الامل في العودة الى المفاوضات وهي بالنسبة له لم تفشل وهو يحاول، فالمساعي وان توقفت بشكل علني لكنها مستمرة ويدور حديث عن مبادرة اوروبية مبنية على التصور الذي قدمه وزير الخارجية الامريكية والذي حمل اسرائيل مسؤولية كبيرة في فشل المفاوضات وقال ان اسرائيل تتجه لان تكون اكثر عنصرية اذا استمر الوضع على ما هو عليه، إلا انه يجب ان لا يغيب عن بال الفلسطينيين ان الولايات المتحدة الامريكية لن تضغط على اسرائيل فهي ما زالت تقدم الدعم السياسي والعسكري لها ولم تقدم للفلسطينيين شيئ.

ومع ذلك المشروع الصهيوني في ازمة و اسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة وضعت نفسها في الزاوية من خلال تعنتها و تعليقها للمفاوضات، وهي في ذات الوقت تبحث عن الخروج من الازمة من دون ان تدفع الثمن وتعيد الحقوق للفلسطينيين، وتضع تصورات وخيارات وبدائل عن تعليق المفاوضات وجمود ما يسمى العملية السلمية كي لا تستمر في ازمتها وتتهم من انها السبب في ذلك و قد تقبل بحلول ربما تفرض عليها.

ولعل ما قدمه رئيس الاستخبارات العسكرية الاسبق عاموس يادلين يعطينا مؤشراً عن ما تفكر به اسرائيل، الذي قدم تصورا عن خيارات اسرائيل الاربعة وهو موافقة اسرائيل اتفاق سلام مقبول اسرائيلياً، والثاني اتفاق سلام غير مقبول على الإسرائيليين ويلبي رغبة الفلسطينيين، والثالث بقاء الوضع الراهن، اما الخيار هو الرابع عدم التوصل إلى اتفاق بما يخدم مصالح إسرائيل في بلورة حدودها وتحسين وضعها في المفاوضات مع الفلسطينيين وسلب حق الفيتو في ما يتعلق بحل الدولتين.

يادلين يرى ان الخيارين الاول والثاني غير واقعيين وأن استمرار الوضع الراهن أفضل من اتفاق وفق الشروط الفلسطينية وقد ينطوي على خطر الانزلاق نحو الدولة الواحدة، وهنا يستدرك قائلا ان أفضل الخيارات لإسرائيل هو خيار تصنعه بنفسها، وان تقوم اسرائيل باتخاذ خطوات من طرف واحد لترسيم الحدود، عبر خطة استراتيجية لفرض حل الدولتين حتى من دون اتفاق كامل بين الطرفين ومن دون منح الفلسطينيين حق الفيتو على تنفيذ حل الدولتين.

ما قدمه يادلين يوضح ان هناك عدة توجهات وخيارات اسرائيلية ويتم بحثها ونقاشها، صحيح ان ما قدمه هو في اطار البحث والنقاش لكنه ليس بعيدا عن صناع القرار وما يفكر به الاسرائيليين، فالمناخ الاقليمي والدولي السائد يساعد اسرائيل على حرية الحركة وقد تجد المساعدة من بعض اصدقائها الامريكان والأوربيين في تمرير هكذا خيار للخروج من الضغط الناعم الممارس عليها خدمة لمصالحها.

وقد يتعاطى معه بعض من القيادة الفلسطينية او من الفلسطينيين، وخطورة ذلك هي ان أي اتفاق مؤقت مع اسرائيل يعتبر اتفاق دائم ولنا في اوسلو عبرة، فإسرائيل راضية عن انسحاب قواتها من قطاع غزة وهي سعيدة بتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية وعزل الضفة عن القطاع ومنع أي تواصل باستثناء تقديم بعض المزايا والرشاوى للفلسطينيين، وهي ربما تفاجأ الفلسطينيين بذلك بتكرار التجربة في بعض مناطق الضفة الغربية، وتبرر للعالم انها قدمت حلا مؤلماً لكنها هي من تسيطر على كل شيئ.

و لم تكتفي بذلك فهي تقوم بعملية تهديد مستمرة للفلسطينيين، وترتكب جرائم القتل والاعتقالات اليومية وتحاصر قطاع غزة وتهدده، ومستمرة في بناء المستوطنات و تمارس الارهاب والعنصرية و العنف الذي ازدادت وتيرته ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية حتى امتد الى فلسطينيي الداخل من خلال حملة تاج حير “دمعة الثمن”، الذي يقوم بها المستوطنين المجرمين بغطاء حكومي و تحت بصر وأعين الاجهزة الامنية.

اسرائيل تعتقد انها ستخيف الفلسطينيين وستدفعهم على الهرب والاستسلام وعدم مواجهة هذا العنف والعنصرية التي تمارسها بحق الكل الفلسطيني كي تجبرهم على القبول بالخيارات والحلول التي تطرحها الزمن تغير فالفلسطينيين لم يعودا كما في عصر النكبة فهم يدركون كل المخططات الاسرائيلية ولن يسمحوا لإسرائيل وممارساتها العصرية والإرهابية بإرهابهم.

هذا عن بعض خيارات اسرائيل في المقابل هناك من يتحدث عن ملامح خطة إستراتيجية فلسطينية في خطاب ابو مازن الاخير وانه يحاول تقديم خيارات جديدة بدأها بعقد اتفاق المصالحة مع حركة حماس، ومحاولة اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، ومحاولته تسويق ذلك دولياً لقبوله وان فلسطين دولة تحت الاحتلال.

كل هذه خيارات على ورق ومن دون فعل حقيقي وهي خيارات الرئيس ابو مازن الذي مازال يراهن على استمرار المفاوضات، وعدم اشراك الكل الفلسطيني في وضع استراتيجية وطنية وحتى ان صدقت نواياه في ذلك فخطاه بطيئة في تحقيق ذلك، فالخيارات امام الفلسطينيين كثيرة لكن الرئيس ابو مازن يبحث في الخيار السهل بالنسبة له في ظل موازين قوى لا تعمل لصالح الفلسطينيين الذي يقبعون تحت الاحتلال وحالهم يرثى له، وفي ظل استمرار تفتيت المشروع الوطني ولعب اسرائيل على عامل الوقت في تدمير مقدرات الفلسطينيين.

مواجهة اسرائيل لا تأتي بالندب والشكوى وانتظار تغيير الحكومة الاسرائيلية وتوعية الاسرائيليين بحقوق الفلسطينيين، من دون وضع استراتيجية وطنية فلسطينية يتم اشراك الكل الفلسطيني فيها ومراجعة خياراتهم النضالية واستغلال كل وسائل النضال المتاحة سياسيا ودبلوماسيا وشعبيا لن يستطيع الفلسطينيين مواجهة الاحتلال ونيل حقوقهم.
Mustafamm2001@yahoo.com
mustaf2.wordpress.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد