هل يُعقل أن يطلب أحدٌ ما من الضحية المجني عليها أن لا تصرخ أثناء جلدها ؟! ، بل ويلومها على صراخها ويُحملّها مسؤولية تبعات صراخها المزعج . هذا ما حدث بالضبط بعد ثورة الكهرباء التي أشعلها البؤساء الذين كُتب عليهم الشقاء في قطاع غزة المنكوب بالاحتلال والحصار والانقسام . فقد عمد أحد خطباء الجمعة الحزبيين حتى النخاع – وربما كثير غيره – بطريقة لا تخلو من الخبث الممزوج بقدر كبير من الغباء، وبمضمون فيه كميةٍ لا بأس بها من الاستخفاف بعقول المصلين المخلوط بشيءٍ من العبط وقليل من الهبل . فألقى بالمسؤولية كاملة فيما يتعلق بأزمة الكهرباء في غزة على السلطة في رام الله برئاستها وحكومتها، فانهال شتماً وسباً وقدحاً بمن يقف على قمة الرئاسة ورأس الحكومة دون أن يبعث ولو بهمسة عتاب أو لمسة نقد إلى السلطة الفعلية في غزة ومن يقف ورائها بدورها في أزمة الكهرباء المتفاقمة في قطاع غزة .
وكأن السلطة في غزة أو من يقف ورائها بريئة من هذه الأزمة براءة الذئب من دم يوسف – عليه السلام – أو كأنما قيل لهم افعلوا ما شئتم بشعبكم فقد غفر الله لكم، ذلك بأنكم حملتم لواء المقاومة ورفعتم شعار الممانعة، وبما اسلفتم في الأيام الخالية من دعم لثورات الربيع العربي الخائبة . أو ربما أوحى أحدٌ ما في روعكم أن المقاومة بقرة مقدسة لا يجوز الاقتراب منها أو المساس بها فضلاً عن توجيه النقد إلى سلطتها ومحاولة تصحيح مسارها، فاستنكرتم خروج الجماهير الغاضبة المحتجة على تفاقم أزمة الكهرباء مطالبة بحقوقها الحياتية الطبيعية في الحصول على خدمة الكهرباء الضرورية . ثم استهجنتم صراخ الشعب البائس فأزعجكم صوت صراخه ولم يزعجكم أنين عذاباته ومعاناته المتواصلة منذ سنوات طويلة . فهذه الجماهير الغاضبة المتظاهرة ضد انقطاع الكهرباء المتكرر والمتواصل لم تكسر طوق صمتها، وتخترق جدار خوفها، وتحطم قيد عجزها، إلا بعد أن طفح كيل معاناتها، وزاد حمل عذابها، ووصل السخط منها منتهاه، وبلغت قلوبها الحناجر، وزلزلوا زلزالاً شديداً، وضاقت بهم غزة بما حملت من هموم تنوء منها الجبال... بعد سنوات عجاف ذاقوا فيها ويلات الاحتلال وحروبه المتتالية، وقسوة الحصار وكوارثه المتواصلة، وبؤس الانقسام وآثاره المُدّمرة، وانقطاع الكهرباء كمحصلة للثلاثي النكد : الاحتلال والحصار والانقسام .
ولا شك أن المسؤولية الأولى لما يحدث في غزة وكل فلسطين تقع على عاتق الكيان الصهيوني الذي يحتل كل فلسطين رغم اختلاف شكل وتفاصيل الاحتلال ما بين الضفة وغزة وفلسطين المحتلة عام 1948، فهو احتلال متشابه في جوهره من حيث السيطرة والسيادة على الأرض الفلسطينية، هذه السيطرة بالجيش والمستوطنين هي أصل كل أزمات ومعاناة الشعب الفلسطيني المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، التي رضيت بأن تقوم بوظيفة الإدارة المدنية الإسرائيلية، فتدير شؤون السكان تحت الاحتلال وإلى جانب الاستيطان، ثم على السلطة في غزة التي تقف ورائها وتديرها حركة حماس وتسيطر عملياً على شركة الكهرباء في غزة ولا تُسلم الشركة ما تستقطعه من أموال عشرات ألاف المشتركين من موظفيها الحكوميين، ولن ينفع كلا الطرفين في غزة ورام الله الضجيج الإعلامي المناكف المتبادل الذي يُحمَل فيه كل طرف الطرف الآخر بالمسؤولية عن الأزمة.
وبعيداً عن توزيع الاتهامات والمسؤوليات عن أزمة الكهرباء، لا بد من حل أزمات غزة المتفاقمة، وعلى رأسها أزمة الكهرباء، فما المانع أن تتشكل لجنة وطنية من كل الأطراف تتركز مهمتها في حل أزمة الكهرباء بالطرق العلمية والعملية المناسبة ويلتزم بقراراتها الجميع وينفذ مشاريعها كل الأطراف دون استثناء، دون أن يضع أحدٌ نفسه خارج نطاق المسؤولية في تحمل نصيبه لحل الأزمة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية