يضع الفلسطينيون خصوصاً في قطاع غزة المحاصرة منذ أن تولى حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوجان الحكم في تركيا أمالاً عريضة بأن تسهم تركيا في دعمهم سياسياً واقتصادياً، خصوصاً قي ظل المواقف التركية الإعلامية المساندة للقضية الفلسطينية والداعمة للشعب الفلسطيني في وجه ممارسات الاحتلال، ويعتبرها الكثير من الفلسطينيين في القطاع طوق النجاة الذي سيجلب لهم الحلول للكثير من مشاكلهم خصوصا في ظل الانسلاخ العربي الخطير عن دعم القضية الفلسطينية وتوجههم إلى قضايا أكثر سخونة وأهمية في نظرهم مثل القضية السورية، والقضية اليمنية، وخطر التوسع الإيراني في المنطقة.

في خضم هذه الآمال العراض التي ينتظرها الشعب الفلسطيني من تركيا أردوغان قامت تركيا أمس بالتنديد بالعملية الفدائية التي نفذها شاب مقدسي من جبل المكبر قام خلالها بدهس مجموعة من الإسرائيليين بشاحنة كان يقودها وإدانتها بشدة ، على لسان نائب رئيس الوزراء التركي الذي قال نصاً : نؤكد إدانتنا لعملية إرهابية جديدة وجديرة بالازدراء في مدينة القدس ، وبحسب نائب رئيس الوزراء التركي فان الإنسانية تستحق أن تتوحد الأمم من اجلها لمواجهة الإرهاب على حد قوله، هذا الموقف وقع كالصاعقة على رؤوس الفلسطينيين وألقى بظلاله الثقيلة عليهم، و فتح الأبواب على مصراعيها للتساؤل عن جوهر ومدى الدعم التركي السياسي والاقتصادي للفلسطينيين؟ وهل علينا كفلسطينيين التعويل كثيراً على الدور التركي والمواقف التركية كلاعب رئيسي سيسهم في الانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي ورفع الحصار وتحسين الحياة في قطاع غزة؟!

بداية لا بد من الاعتراف أننا كشعب يلاقي في كل لحظة من لحظات وجوده الويلات بسبب الحصار والممارسات الإحتلالية القمعية وظروف الحياة المعقدة لمجمل أبناء الشعب الفلسطيني خصوصاً في قطاع غزة ، نبحث عن قشة تنقذنا من براثن هذا الاحتلال المتغول الذي يجثم على صدورنا منذ عقود، وعندما ظهرت الأردوغانية بشعاراتها الرنانة تعاطف معها الفلسطينيون معها على الفور وبدأ الشعب الفلسطيني خصوصاً في غزة يتغنى بالمواقف التركية وبدأ ينسج الأحلام والأساطير حول الدور التركي المنتظر معتبراً تولي أردوغان للحكم في تركيا بمثابة انطلاق حقبة جديدة وانطلاقة واعدة لعودة الإمبراطورية العثمانية المفقودة وعودة الدور التركي الرائد في العالم، ومما زاد من حجم التفاؤل مواقف أردوغان الإعلامية الشهيرة في أكثر من موقف لدرجة جعلت منه بطلا ملهماً وزعيماً ليس لتركيا فحسب بل للعالم الإسلامي برمته.

بداية علينا أن نعترف أن الفلسطينيين قيادةً وشعباً جانبهم الصواب تماماً عندما وضعوا كل هذه الآمال العراض على الدور التركي المؤمل لعدة أسباب في مقدمتها أننا نسينا أو تناسينا أن تركيا ترتبط بدولة الاحتلال الإسرائيلي الخصم الأزلي والأبدي للشعب الفلسطيني بعلاقات دبلوماسية مترتب عليه التزامات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة جداً يصعب على تركيا التنصل منها أو حتى مراوغتها والالتفاف حولها، كما نسي الفلسطينيون في غمار فرحتهم بصورة الخطاب الإعلامي العاطفي لأردوغان أن تركيا اليوم هي سابع أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال فقد وصل حجم التبادل التجاري بينهما لقرابة ستة مليارات دولار، وليس أدل على عمق العلاقة الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل ما صرح به رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأن حجم

التبادل التجاري بين الجانبين في أعلى مستوى له في التاريخ، بالرغم من الوضع الصعب في العلاقات الدبلوماسية كما قال نتنياهو.

كما نسينا أو تناسينا أن تركيا مثقلة بالتزامات حلف الناتو التي تنضوي في إطاره، والتحالف مع الولايات المتحدة، وسعيها الحثيث للانضمام إلى منظومة الاتحاد الأوروبي.

مما لا شك فيه أن حركة حماس كانت ولا زالت سعيدة بالحكم الأردوغاني لتركيا وتعتبره ذخراً استراتيجيا لها عل اعتبار أن حماس وحزب العدالة والتنمية خرجا من مشكاة واحدة هي مشكاة الإخوان المسلمين، لكن هل هذه الشراكة الدينية تكفي لأن نصب كل تطلعاتنا على تركيا ونعتبرها المنقذ والمخلص للشعب الفلسطيني، وأنها ستقوم لا محالة برفع الحصار وحل مشاكل القطاع ودعم الشعب الفلسطيني بلا حدود؟!!

إن المتتبع للدور التركي السياسي والاقتصادي مع الفلسطينيين يجد أن هذا الدور لم يكن متناسباً البتة مع حجم تركيا وثقلها قي المنطقة، فباستثناء الفرقعات الإعلامية التي قام بها أردوغان كالتي حدثت بينه وبين شمعون بيريس في مؤتمر دافوس وغيرها من المواقف العاطفية التي جلبت لتركيا الكثير والكثير من المتعاطفين العرب والفلسطينيين لم يكن لتركيا دوراً سياسياً بائنا فاقعاً ، فهي تحاول التعتيم على علاقاتها الإسرائيلية وتسلط الأضواء على دعم فلسطين، وتفصل بين دعمها السياسي للشعب الفلسطيني وبين علاقتها الاقتصادية والعسكرية مع دولة الاحتلال، كما إنها تحاول الفصل بين علاقاتها الفلسطينية وبين علاقاتها العربية، لتخرج فلسطين خاسرة من كل هذا الفصل التعسفي للسياسة الخارجية التركية؛ أما على الصعيد الاقتصادي فتركيا لم تقدم سوى مساعدات اقتصادية محدودة جداً لقطاع غزة بلغت بحسب المصادر التركية 400 مليون دولار على مدار 12 عاما خلت تمثلت في تمويل بعض المشاريع في القطاع وتمويل منح طلابية وتقديم مساعدات للفقراء والمعوزين، مساعدات لا تليق بحجم تركيا كقوة إقليمية وشرق أوسطية كبرى.

ومما يؤكد أن تركيا ليست بالحليف الذي - نأمل ونصبو ونتطلع- علينا أن نراجع مواقفها الأخيرة في سوريا وكيف مكنت بسكوتها وتغاضيها من سقوط حلب ولا زال التقتيل الروسي والإيراني وحلفاء النظام يُمارس ليل نهار في جميع أرجاء سوريا ومثله ضد السنة في العراق وتركيا خامس أكبر جيش نظامي في العالم تتفرج ولا تحرك ساكناً.

ختاما إن المراهنة على تركيا كمخلص ومنقذ للشعب الفلسطيني يجب أن تسقط من أجندة الفلسطينيين لأن دولة كتركيا لا تستطيع أن تمد الشعب المحاصر في قطاع غزة بسفينة توليد كهرباء وعدت بها مراراً وتكراراً لا تستطيع أن تدير دفة سفينة الشعب الفلسطيني نحو الانعتاق من نير الاحتلال واسترداد الحقوق المسلوبة. ختاما أنا شخصياً لم أراهن يوما على تركيا فلو لم تكن إسرائيل وأمريكا راضيتان عن وجود أردوغان في الحكم لما بقي في الحكم ساعة واحدة.!

E- nassermhs-1966@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد