استنتج الدكتور موسى أبو مرزوق أن «المصالحة» أصبحت متعذرة وأن إنهاء الانقسام بات متعذراً بالتالي، ولذلك فليس هناك من «حل» سوى ان يبقى هذا الانقسام، وأن يتم «التوافق» على إدارته بواسطة «الفيدرالية» التي تُبقي «إقليم» غزة تحت سيطرة حركة حماس مقابل بقاء الضفة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية او حركة فتح، وان يُدار الشأن «العام» من قبل حكومة او هيئة عليا ليقال بأنها (أي الهيئة او الحكومة) صيغة اتحادية عليا.
بكلمات أخرى يتم بموجب اقتراح الدكتور ابو مرزوق الاستعاضة عن وحدة التمثيل ووحدة الأرض والشعب والقضية ببقاء او الإبقاء على حالة الانقسام بصورة قانونية ورسمية بغض النظر عن فشل او نجاح الحكومة العليا او الحكومة الفيدرالية في البقاء والفعالية والتأثير.
الدليل على كل ذلك قاله الدكتور ابو مرزوق صراحة: { ما دمنا غير قادرين على إنهاء الانقسام فليس أمامنا (أي لم يعد أمامنا) سوى الصيغة الفيدرالية...]!!
طبعاً لم يقل لنا بصورة ملموسة او بصورة واضحة، او حتى بصورة صريحة لماذا لم يعد بمقدورنا ان ننهي الانقسام!!؟
ولم يقل لنا ما الذي تغير منذ انعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح وحتى يوم اقتراح أبو مرزوق؟؟
وكيف «استنتجت» حركة حماس أن صيغة الفيدرالية باتت هي الحل او المخرج الوحيد بعد ان كان الأستاذ خالد مشعل قد اعلن بصورة لا تقبل التفسير او التأويل استعداد الحركة للدخول في شراكة وطنية قائمة على وحدة المؤسسات الوطنية!!؟
حسب ما نعلم لم يتغير شيء خلال هذه العشرين يوما التي تفصل ما بين كلمة مشعل واقتراح ابو مرزوق يبرر او يفسر هذه الاستدارة السياسية الكبيرة في «رؤية» حركة حماس، ولا في رؤية حركة فتح حتى تطلع علينا حركة حماس بهذه «الأفكار» وبهذه المبادرة المفاجئة!!
إذن، لماذا ولماذا الآن جاء الذي جاء على لسان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؟؟
نحن هنا أمام عدة احتمالات:
إما ان يكون ما اقترحه الدكتور ابو مرزوق هو الذي قصده الأستاذ خالد مشعل في كلمته الى مؤتمر فتح السابع، أو أن الاقتراح الذي ورد على لسان أبو مرزوق هو محاولة لقطع الطريق على الاستعداد الذي أبداه مشعل أمام المؤتمر.
فإذا كان الأمر الأول هو الصحيح فإن حركة حماس «تلعب» بعواطف الناس، وتحاول التذاكي عليهم، وهي بالتالي تكون قد حسمت أمرها باتجاه تكريس الانقسام تمهيدا للانفصال التام «وهو أمر سأوضحه بعد عدة سطور فقط».
أما إذا كان الأمر الثاني هو الصحيح فإن حركة حماس في الواقع تكون قد «أكدت» على أنها لا تمتلك رأياً واحداً او موحداً مؤهلاً للدخول في أي نوع من الشراكة الوطنية الجادة، لأن مراكز القرار متعددة وربما تكون مختلفة الى درجة يستحيل او يصعب (على الاقل) الركون اليها او الارتهان لقرارها او توقع التزامها.
وفي كل الأحوال فإن طرح الفيدرالية في هذا التوقيت بالذات يثير الكثير من الريبة والشكوك.
فبعد ان سادت هذه الأجواء التي أسعدت الناس في بلادنا، وبعد ان عاد لهم جو من الثقة بالمستقبل بعد نجاح مؤتمر فتح، وأجواء «الوحدة» التي أثارتها كلمة الأستاذ خالد مشعل، وبعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير والخطاب الذي ألقاه السيد جون كيري، وبعد ان حسمت فرنسا أمرها بصورة نهائية لعقد مؤتمر باريس .. بعد كل هذه الأجواء يبدو اقتراح ابو مرزوق اقتراحاً «خارج» السرب، ويعيد الأمور الى ما دون الصفر، بل يوجه ضربة قاتلة لكل هذه الأجواء، بل ويسمم الواقع الفلسطيني ويعبث به بصورة خطرة إلى أبعد حدود الخطر.
اذن التوقيت في غاية القصدية والاستهداف.
أما الخديعة التي ينطوي عليها هذا الاقتراح فهي ابعد من الشرك واكبر من مجرد مكيدة لماذا؟
ببساطة لأن هذا الاقتراح لو قُدر له «النجاح» لأي سبب كان تحت ذريعة او مسمى (ليس بالإمكان احسن مما كان) فهو سيقطع الطريق على عقد المجلس الوطني، كما سيقطع الطريق على أي انتخابات ديمقراطية، وهو سيمنع أي إعادة بناء جادة للنظام السياسي الفلسطيني.
هذا الاقتراح في الواقع يراهن على ان «يُرصّد» الانقسام على طريق الانفصال لكي يضع هذا «الرصيد» في بنك جماعة الإخوان المسلمين «كسند» آجل الاستحقاق، ليصار الى انتظار فشل الحكومة الفيدرالية او إفشالها لكي يتحول الانقسام او الانفصال الى واقع «قانوني» مكرس.
اما الموضوع غير المرئي في هذا الاقتراح، فهو ان الصيغة الفيدرالية هي عبارة عن الاسم الحركي لصيغة لا يمكن ان تكون فيدرالية في الواقع السياسي وحالة الانفصال الجغرافي التي تشرف عليها وتسهر عليها إسرائيل وتعمل على تكريسها بكل ما لديها من سياسات وإجراءات ووسائل.
الشيء غير المرئي في فيدرالية أبو مرزوق هو ان إسرائيل تعتبر نفسها قد انسحبت من قطاع غزة، وهي لا تنوي الانسحاب قط من الضفة، بل ان إسرائيل وفي هذه الأيام تحديداً تجاهر بأنها ستضم الضفة اليها او الجزء الأكبر منها، وهي تعتبر غزة أراضي فلسطينية، في حين لا تعتبر شبراً واحداً من الضفة الغربية أرضاً فلسطينية، وهو الأمر الذي يعني ان «الفيدرالية» ستكون على إقليمين منفصلين تماماً (وهو امر ينفي وينسف الطابع الفيدرالي بالمطلق) من جهة، ولكنها «ستكرّس» كواقع بين اقليم محاصر ولكنه «فلسطيني» وإقليم تحت الاحتلال وليس معترفاً به إسرائيليا كإقليم فلسطيني، وهذا هو بالضبط جوهر الخديعة.
إنها خديعة ماكرة فعلاً لأن مفهوم الدولة الفلسطينية سينتهي الى كون قطاع غزة هو الدولة ولا شيء غير ذلك.
إذا كان أبو مرزوق لا يعني ولا يقصد ذلك فتلك مصيبة، أما اذا كان يعلم فالمصيبة أعظم والله من وراء القصد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية