شباب غزة يهربون من موت إلى موت أخر ويدفعون الثمن

69-TRIAL- غزة –طارق حمدية  " بعد عجزي عن وجود فرصة عمل ، قررت أن أترك قطاع غزة لسوء الأوضاع المعيشية، فبدأت التفكير بالهجرة إلى أوروبا حتى انتهى بي المطاف  في هولندا بعدما طفت بعدة دول ، كان هذا لسان حال المواطن طلال فايز  (26عاماً) من مدينة غزة  التي ولد وترعرع فيها . وخلال الحرب الثانية علي قطاع غزة  بدأ المواطن فايز  بتجهيز نفسه للهجرة التي أرادها وحزم أمتعته ، حيث كانت هذه الحرب دافعاً كبيراً له ليترك بلاده التي عاش فيها ، حسب قوله، منوهاً إلى أنه تواصل مع العديد من الأشخاص في مصر وليبيا  لإتمام جميع أوراقه الخاصة بالسفر. ويضيف "ذهبت أولاً إلى مصر عبر أنفاق مدينة رفح  ومن ثم تهريباً إلي ليبيا عبر الحدود الليبية المصرية وعملت هناك ما يزيد عن عامين لكن الحقيقة أن العائد من العمل غير مجدي ولم أنجح صراحة، وبعدها ذهبت إلى هولندا، حيث معاناة الهجرة عن طريق المياه ، فمن هروب إلى ملاحقات شرطة السواحل ومن مكان إلى مكان اخر، حتى بدأت أتعود على صعوبة التنقل "، لافتاً إلى أنه ترك خلفه والدته وعدداً كبيراً من أشقائه الذين لهم في قلبه حب كبير " ولم يعرف فايز أن التعايش في بلاد لغتها ليس اللغة العربية  فيه صعوبة كبيرة، فبعد رفض السلطات الليبية السماح له بالبقاء على أراضيها قرر البحث عن بلد أخر  ، وذلك بعد أن وضع أمام خيار إعادته عبر الترحيل إلي جمهورية مصر العربية . وبدأت فكرة الهجرة تراود شباب غزة وتقتحم عقولهم عقب انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة بشكل كبير ، واستشراء البطالة، وانتشار الفقر، وعدم الحصول على فرص عمل بعد التخرج من الجامعات، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ سنوات. ويعتقد الشباب الراغبون في الهجرة من قطاع غزة أن ظروف المعيشة في بلاد الغرب لاسيما أوروبا ستكون أفضل. وشهد قطاع غزة خلال اقل من شهر بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي هجرة مئات الشباب باتجاه بعض الدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، حيث تتم إجراءات الهجرة بدفع مبلغ من المال لشخص يتكفل بإخراجهم عبر الأنفاق الأرضية على الحدود مع مصر، ومن ثم الهرب عبر قوارب من شواطئ الإسكندرية من مصر  باتجاه إيطاليا، رغم الخطر الكبير الذي يحدق بهم وقد يؤدي بحياتهم . ويوم السبت  الموافق الثالث عشر من الشهر الجاري  لقي خمسة عشر  فلسطينياً مصرعهم غرقاً فيما تم إنقاذ ما يزيد عن سبعين شخصاً آخرين إثر غرق مركب قبالة شاطئ العجمي بالإسكندرية ، فكانت هذه السفينة قد سرقت أحلام من عليها ودمرتها ونقلتهم من موت إلي موت أخر  . وحسب ما ذكرت وسائل الإعلام المصرية نقلاً عن مصادر البحرية العسكرية  "خفر السواحل" إن قواتها تلقت إشارة استغاثة بغرق مركب يطلق عليها مركب أبو عثمان  قبالة منطقة شاطئ العجمي بالإسكندرية وقد توجهت قوات البحرية ومروحيات عسكرية بالإضافة إلى قوات حرس الحدود إلى مكان الحادث فتبين اصطدام المركب بحجر صخري كبير أدى إلى غرقها، ومصرع خمسة عشر فلسطينياً، و تم إنقاذ ما يزيد عن سبعين آخرين كلهم من قطاع غزة  بعد انتشالهم من المياه وتبين أنهم كانوا متوجهين إلى إيطاليا في "هجرة غير شرعية"، فيما ذكرت السفارة الفلسطينية بدولة اليونان أن السفينة قد أغرقت عمداً  وقالت في بيان لها "إن السفينة تعرضت للإغراق عمدا، في إطار ما وصفته بتنافس عصابات الموت والمهربين ، وأوضحت السفارة أن سفينة مصرية تحمل اسم سفينة "الحاج رزق" ارتطمت بسفينة المهاجرين وأغرقتها في حدود المياه الإقليمية المالطية (على بعد 120 ميل بحري من الشواطئ الإيطالية) بعد أن كانت انطلقت من شواطئ الإسكندرية شمالي مصر بترتيبات من "مهرب" يدعى "أبو حمادة" كما وأشارت السفارة إلى أن النجدة وصلت للسفينة من إيطاليا ومالطا صباح السبت الماضي، ما يعني أنهم مكثوا في المياه نحو ثلاثة أيام، إذ وصلت سفينة يونانية تجارية وأنقذت ثلاثة فلسطينيين أحياء يمكثون الآن في خانيا بجزيرة كريت - .  وأعلنت منظمة الهجرة الدولية أمس، أن نحو 400 شخص، بينهم عشرات الفلسطينيين، من الساعين إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا اعتبروا في عداد المفقودين بعد قيام المهربين بإغراق السفينة التي كانت تقلهم، ما قد يشكل "الحادث الأخطر" من هذا النوع خلال السنوات الماضية .  وتفيد الإحصاءات الرسمية بأن عدد العاطلين  عن العمل في غزة تجاوز ال200 ألف شخص، بالإضافة إلي توقف معظم العاملين في قطاع غزة من تحصيل دخلهم اليومي خلال فترة العدوان الأخير علي القطاع مما كان له الأثر الكبير لدفع البعض بالتفكير والسعي إلي الهجرة  . 
الهجرة التي باتت حلماً يراود معظم شباب قطاع غزة ويفكرون بها ، حتى وإن كانت بشكلٍ غير شرعي أو غير آمن، الأمر الذي جعلهم يجازفون بحياتهم ويعرضون أنفسهم للموت ، إضافةً إلى إهدار أموالهم. حيث يقول المواطن نافذ إبراهيم " 37 عام " لقد هجرت القطاع قبل خمسة أعوام وعملت في ليبيا طوال الفترة حتى قررت زيارة عائلتي ولم أستطع العودة بسبب الإغلاق المحكم علي قطاع غزة وإغلاق المعابر  بشكل تام والسيطرة علي الإنفاق . مضيفاً " تكاليف هجرتي كلفتني أمولاً كثيرة ومجازفة بحياتي حينما عبرنا الحدود . لكن لم يكن أمامي خيار سوي الوصول إلي ليبيا كي أعمل بها مع أنني أدرك صعوبة العيش والتعايش لكني في بداية الأمر ذهبت إلى عدة مكاتب خاصة بالسفر، فطلبوا مني مبالغ هائلة، فذهبت إلى رجل دلني عليه احد أقاربي  وهو صاحب أحد أنفاق التهريب برفح ، فقام بعمل اللازم مقابل مبلغ مالي كبير ". ويتابع: بعد دخولنا لجمهورية مصر العربية ومن معي من الشباب مكثنا فيها أيام حتى تلقينا إشارة التوجه إلي الحدود الليبية ليتم تهريبنا إلي ليبيا وقد واجهنا صعوبة كبيرة خلال هذه الرحلة المليئة بالمخاطر والصعوبات وكل خطوة كان لها ثمنها إما بالأموال أو المخاطرة والمغامرة بأرواحنا  . وبرغم كل ما شاهده الفلسطينيين من موت وهلاك خلال رحلات الموت التي يخوضوها لازال البعض منهم يفكر ويسعي لخوض رحلات مشابهة برغم افتقارهم  إلي المعلومات حتى البسيطة عن الدول التي يودون الهجرة إليها مثل جغرافيا المكان ومناخها أو حتى المسافات والطرق التي سيقطعونها من أجل الوصول إليها   وعن أسباب الهجرة يقول المهندس محمد عبد العزيز "24 عام " لم أجد فرصة عمل بعد حصولي علي شهادة الدبلوم في الهندسة المدنية بالإضافة إلي تدمير بيتي خلال العدوان الأخير علي القطاع الذي تم استهدافه أكثر من مرة ناهيك عن المناكفات السياسية في الوطن الفلسطيني مما أدى إلي تقسيم الوطن والعائلة والأشقاء مضيفاً انه لا يوجد أي أماكن سياحية نذهب إليها سوي البحر والذي أصبح ملوثاً وغير صالح للسباحة كل هذه الأسباب جعلتني قبل أن أفكر بالهجرة أن أعمل علي بسطة لبيع المنظفات في الأسواق  ثم السعي إلي الهجرة  . فيما يقول الشاب  رامز سهيل "21 عام "أحاول من خلال الهجرة أن أصل إلي السويد أو النرويج بهدف البحث عن حياة كريمة فكل عمل هناك له مقابل وقد انجح في الوصول إلي ما أريد .  
 فؤاد راضي وهو أحد الغزيين الذين استطاعوا اللجوء إلى دولة السويد  منذ خمسة أعوام والذي وصل إلى تلك الدولة بعد مجازفة محفوفة بالمخاطر وبالمصائب، والتي كان في أقلها كما يقول  أن يغرق في مياه البحر الأبيض المتوسط أو أن يُلقى في سجن إحدى الدول العربية أو الأوروبية أو أن يتعرض للقتل أو السرقة على يد القراصنة والنصابين "المهربين".
ويشرف على عملية الهجرة غير الشرعية مهربين "نصابين محترفين" هدفهم الوحيد هو سرقة ما يملكه ذلك المهاجر بعد لمسهم لإصراره على هذا الطلب ، الذي يضطر للخروج من بلده لأسباب اقتصادية في مجملها وربما سياسية في حين أخر ، ونادراً ما تؤدي الهجرة "غير الشرعية" الهدف المنشود منها بعد طول عذاب ورحلة كبيرة يخوضها المهاجر تحيطها المخاطر والصعوبات قد تكلفه حياته وتحرمه أمواله عدا عن ذلك الوقت الذي يقضيه في الطرقات وهو يهرب من طريق إلي أخر ويتحول إلى سلعة بين أيدي المهربين يتاجرون فيه. ليبقي لسان حال ذويهم المستضعفين لا يوصف, وصراخهم في الأرض والبحر لعنة تُلاحق القيادة وظِلُها .. فسلامٌ على شعب مزقته المناكفات والتخبطات لتضيق غزة بأهلها وترفض كل الدول استقباله ويصبح البحر هو المكان المناسب لعيشه في الوقت الذي تنقلب فيه معادلة الوصول إلى سمك يكون طعامهم علي بعد أثني عشر ميلاً ليكونوا هم طعاماً للسمك وبعد أميال أكثر وبدلا من أن تكتب لهم شهادة مشرفة على تراب الوطن الحبيب فيموتون غرقاً مغتربين...
109
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد