مسيحيو العراق يحتفلون بالكريسماس في إربيل بعد سنوات من اضطهاد الجماعات المتشددة
اربيل/سوا/ "عندما تعالج السرطان، لابد من اتخاذ إجراءات قاسية"، هكذا بدأ بشار وردة، كبير الأساقفة الكاثوليكيين الكلدانيين في مدينة إربيل العراقية، عندما سألته عن حكم قتل عناصر ما يُسمى بالدولة الإسلامية.
وأضاف: "إنهم يعتبروننا مجدفين وكافرين. وعندما يرفضون التفاوض والحوار، ويرفضون حقنا في الوجود، وعندما لا يرونك إنسانا، ويحاولون تدميرك، فهل يكون أمامك خيار آخر سوى التخلص من عنفهم؟"
ووسط تصفيق وتهليل داخل الكاتدرائية سان جوزيف في إربيل، قدم وردة نفس الطرح أمام الحضور في قداس تكريس أُقيم بمناسبة ترميم وتجديد الكاتدرائية.
وحضر القداس أكثر من ألف مسيحي عراقي وسط أجواء من البهجة أثناء التدريب على عرض مسرحي كاثوليكي شاهده الحضور.
وترددت ترانيم رائعة على ألسنة رجال ونساء يرتدون زيا موحدا باللون الأصفر الشاحب.
وحضر أطفال المذبح مرتدين زيا باللونين الأبيض والأحمر القداس الذي أداره رئيس الأساقفة بالكاتدرائية العراقية.
مرت كاتدرائية سان جوزيف في إربيل بعملية ترميم وتجديد بعد سنوات شهدت هدم كنائس أخرى في محيط الموصل على أيدي جماعات متشددة
وسرعان ما حُمل الهواء بأدخنة البخور المتصاعدة من مبخرة يحملها أحد القساوسة ويهزها يمينة ويسرة أعلى الرؤوس لموكب القساوسة الذين يرتدون الزي الأبيض، وفي مقدمة الموكب قس يحمل صليبا فضيا.
ورُددت الترانيم باللغة الكلدانية، إحدى لهجات اللغة الآرامية التي كانت تستخدم في الشرق الأوسط في عهد السيد المسيح.
وتلى المجمع المقدس للكاتدرائية صلوات "الرب" باللغة الكلدانية أيضا.
وتضمنت عملية التجديد التي مرت بها الكنيسة رسم جداريات، أبرزها جدارية تعرض صورة للسيد المسيح رضيعا ومعه السيدة مريم العذراء.
ويعبد المسيحيون هنا "ماري" أو "مريم" باللغة العربية، وهو الاسم الذي يشير إلى العذراء، كما أن الدين الإسلامي يبجل السيد المسيح ابن مريم.
وكان هناك عدد كبير من المسلمين بين من حضروا قداس التكريس.
وكانت المرة الأولى التي التقيت فيها الأب بشار وردة عندما كان لا يزال قسا إبراشيا في كنيسة سان إيليا الكائنة بجوار أحد مساجد الشيعة في بغداد.
يأتي احتفال مسيحيو العراق بأعياد الميلاد بعد تحرير مناطق كثيرة في محيط الموصل من سيطرة ما يُعرف بتنظيم الدولة
وكانت نساء مسلمات، في أول لقاء لنا، يتلين الصلوات بالقرب من تمثال العذراء مريم في ساحة الكنيسة.
واصطحبني الأب بشار آنذاك لمشاهدة مدرسته الابتدائية التي يدرس بها 400 طفل مسيحي ومسلم (بنسبة 60 في المئة إلى 40 في المئة على الترتيب)
وأكد وقتها أنه لا وجود للتعليم الديني في المدرسة، "فقط نتعلم كيف نعيش معا، وندرس معا، ونتقبل بعضنا البعض."
وختم الأب كلمته بأنه هكذا "هي الطريقة العراقية التي نعيش بها معا"، وكان ذلك في 2005.
لكن سنوات العنف التي شهدتها العراق خلفت جرحا عميقا في تلك الطريقة التي تعايش بها المسلمون مع المسيحيين في البلاد.
وقُتل في تلك الفترة عدد كبير من القساوسة، أحدهم قُطعت رأسه ومُزقت أوصاله. وعُثر على قس من الموصل مقتولا بعد اختطافه، واختطف آخر ولم يُطلق سراحه إلا بعد دفع فدية.
ترددت الترانيم التي شهدها الاحتفال باللغة الآرامية التي تحدثها سكان الشرق الأوسط في عهد السيد المسيح
وقُتل عشرات المسيحيين جراء تفجيرات داخل الكنائس أثناء إقامة طقوس مقدسة.
وقتل تنظيم القاعدة في العراق وخلفاؤه في المنطقة مئات المسيحيين، وهجروا أعداد كبيرة من منازلهم.
لكن احتفالات أعياد الميلاد تأتي تزامنا مع حالة من الارتياح يعيشها مسيحيو العراق للمرة الأولى منذ سنوات عدة، إذ حُرر عدد كبير من القوى والمدن في محيك مدينة الموصل من سيطرة الجماعات الدينية المتشددة التي كانت تمارس العنف بلا هوادة باسم تنظيم الدولة.
وعلى المذبح الجديد، هناك قطعا صغيرة من الأحجار التي احتفظ بها الأب بشار وردة من أنقاض كنيستين هدمتا على يد مسلحي التنظيم في قريتين مسيحيتين بالقرب من ثاني أكبر مدن العراق.
وواصل العراقيون في إربيل احتفالاتهم بعيد الميلاد بعدانتهاء قداس التكريس بإطلاق الألعاب النارية، وكعكة ضخمة على شكل الكنيسة بالصليب الأحمر أعلى الكعكة.
وشدت الجوقة بأغنية ملؤها الشجن تحمل بين كلماتها حنينا إلى الماضي، هي" نشيد الوداع" باللغة العربية.
وكان من بين كلمات الأغنية: "فلنشكر الرب معا بصوت جميل."