مرحلة ما بعد حلب مرحلة فاصلة بكل تأكيد. لا يستطيع أحد ان ينكر اليوم ان هذه المعركة ستفضي حتماً الى احتمالين لا ثالث لهما:
فإما الحل السياسي وإما استمرار المعركة العسكرية في إدلب ثم في دير الزور والرقة ليصار فيما بعد ذلك الدخول في مرحلة سياسية جديدة ستتحدد ملامحها في ضوء سير المعارك في هذه المناطق الثلاث وأدوار القوى الدولية والإقليمية فيها.
كل شيء سيعتمد على درجة «اصطفاف» تركيا وكل شيء سيحسم في نهاية المطاف حسب تقدير الأتراك لموقعهم الجديد.
قلنا قبل عدة شهور من على صفحات «الأيام» ان تركيا بصدد القيام باستدارة كاملة والانتقال من محور الولايات المتحدة والخليج الى المحور الروسي الإيراني.
أثبتت الوقائع ان هذه الاستدارة من حيث المبدأ قد تمت بالفعل، وأن تركيا باتت على قناعة أن بقاءها في محور الولايات المتحدة لن يعطيها اية ضمانات حول «الشريط الكردي»، وان هذا البقاء ليس له فوائد إقليمية خاصة بتركيا، وحتى ان بقاءها في هذا المحور لن «يحميها» من داعش نفسه طالما ان هذا المحور «اعلن» الحرب على داعش حتى ولو كانت هذه الحرب استعراضية واستخدامية وغير جدية في الكثير من فصولها العسكرية.
لم تحسم تركيا بعد كامل موقفها ولم تصطف بصورة كاملة مع الحلف الروسي الإيراني، ولكن تركيا اليوم أصبحت في موقع غاية في الإحراج والحساسية لأن وجهتها العامة فيما يتعلق بالصراع في سورية وعلى سورية وهي اقرب الى روسيا من اي وقت مضى، وهي مرغمة على التنسيق مع إيران كشرط مكمل للعلاقة التي باتت تربطها بروسيا على الرغم من اعتراضها الشديد على دور حزب الله في الصراع هناك.
معركة ما بعد حلب هي معركة عسكرية سريعة اذا فشلت الجهود للجلوس الى طاولة المفاوضات، وهي حرب ستعمل روسيا لكي تكون خاطفة وقوية ومدمرة لكي تحصر داعش والنصرة في «الرقة» و«دير الزور» وبحيث تتحول هاتان المنطقتان الى مجرد «اوكار» عسكرية لداعش والنصرة، وبالتالي الخروج عمليا من دائرة الفعل والتأثير على المعادلة السياسية.
الأهمية الاستراتيجية لمعركة حلب هي بالضبط إخراج الفاشية الدينية من مركز الصراع السياسي، وتحويل وجودها الى وجود عسكري خارج نطاق الجغرافية الديمغرافية والسياسية وهذا هو بالضبط المعنى الحقيقي لحسم المعركة في مدينة حلب.
حادثة اغتيال السفير الروسي في انقرة تلقي بالكثير من الظلال على الموقف التركي والتنازع على الدور التركي داخلياً وإقليمياً وربما دولياً أيضاً.
يبدو أن الوضع الداخلي هش في تركيا لكي يسمح لأحد أفراد الشرطة المدربين على حماية الشخصيات والبعثات الدبلوماسية بالتصرف على هذا المستوى من «الاريحية» في اغتيال سفير لدولة عظمى بهذا الدم البارد، وبهذه الطريقة الاستعراضية، والتحدث الى «الجمهور» عن «المجازر» في حلب والرد عليها من خلال هذا الاغتيال.
وإذا لم يكن الوضع الداخلي هشاً ليسمح بهذا كله، فإن حادثة الاغتيال حي حادثة مريبة!!!
اذ كيف يمكن تفسير هذه «الاريحية» اذاً؟؟؟
وما هو سبب قتل الجاني طالما انه افرغ كامل رصاصاته في جسد السفير!!؟
الم يكن بالإمكان الإمساك به حياً على سبيل المثال!!
ألم يكن ممكنا إطلاق النار على رجليه مثلاً من قبل قوات مهنية ومدربة وقادرة على القيام بذلك؟؟!
نعم، إما ان الوضع التركي هش الى ابعد الحدود او ان الحادثة مريبة الى حدود أبعد من ذلك بكثير.
ولا يمكن استثناء أن الهشاشة نفسها هي التي أدت الى محاولة «إخفاء» الجريمة ليموت سرّ الاغتيال مع موت ذلك الشاب الذي اقدم على الاغتيال.
المهم ان دلالة الاغتيال ان كان لها دلالات سياسية كبيرة فهي تتركز على الموقف التركي والانتقالة التي حصلت على هذا الموقف.
تركيا كانت أمام خيارين أحلاهما مرّ!! إما ان تبقى في اطار الحلف الأميركي الخليجي دون ان تحصل على اي دور ودون ان تتمكن من «درء» مخاطر الشريط الكردي، وإما ان تنتقل الى المحور الآخر علها تجد لنفسها دوراً وعلها تستطيع «إحباط» خطة الشريط الكردي المتواصل.
تركيا اختارت المحور الروسي الإيراني لانها بكل بساطة كانت أمام خيارات أمرّ وأقسى.
وتركيا ستتعرض للمزيد من المشكلات بسبب هذه الانتقالة وموجات الإرهاب والاغتيال ستتعزز في كل مكان لأن الفاشية الدينية تعيش مرحلة حاسمة في الاختناق بعد ان كانت تجول وتصول في آلاف الكيلومترات المربعة، وبعد أن كانت تسيطر على منابع للمياه والنفط وعلى مقدرات كبيرة واكبر من مقدرات دول قائمة بالفعل. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد