أن تعترف بأنك تعيش في كنف حكومة تسأل عنك وتلبي احتياجاتك فهذه قمة الرجولة وأن لديك مراقب فني وأخر مالي، وتعيش أوقات عصيبة وأخرى تكون فيها مستريح من هموم الدنيا ضاربا بعرض الحائط كل المسئوليات والأولويات فهذا قمة الشعور بالسعادة المطلقة.

ولكن ... في غزة كل شيء مختلف فعليك الهموم والأولويات وعليك توفير السعادة المطلقة والكهرباء أيضا، والماء الصالح للشرب ودفع فواتير الهاتف والمحمول والانترنت، في غزة عليك أن توفر البدائل وتحترم الواقع لان ذلك يشعرك "بالوطنية"، في غزة كل شيء مختلف فعليك أن تكتب على حائط الفيس بوك أنك تشعر بالمرض حتى يزورك الأقارب والأحباب والأصدقاء وترسل لك باقات الزهور ولعل الأمر يصل إلى أكثر.

ما هو المختلف في حياتنا عن الآخرين؟ في المجتمعات المتحضرة توفر الحكومة الكهرباء والماء والتعليم بشكل منتظم حتى لا يضطر أرباب العمل إلي تخصيص جزء من وقتهم إلي توفير الكهرباء للأطفال في المنزل أو تشغيل ماتور ضخ الماء إلي الخزانات العلوية، لقد أضافت أزمات قطاع غزة المتوالية أعمال جديدة إلي أرباب العمل وربات البيوت وأصبح من أولويات يومها تشغيل الغسالة والمكواة وسخان الماء والثلاجة والمكنسة الكهربائية وموقد الكهرباء وشاحن البطارية الخاص بالليرات والآخر الخاص بالراوتر ، وذلك في وقت قياسي حتى لا تمضي مدة وجود العزيزة الكهرباء دون استثمارها بالشكل الأفضل .

إن أول الأسئلة التي تصادفني في البيت هو هل شحنت البطارية؟ وكان البطارية هي واحد من الأولاد لابد من الاهتمام بها إلي درجة أن السؤال عنها يداهم كل بيت في غزة، لأنها تمثل البديل الأفضل والآامن في ظل الحرائق التي أشعلتها الشموع في أجساد الأطفال في الماضي .

لقد اشتقت لحديث زوجتي عن المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الواقع العربي نتيجة الثورات العربية، واشتقت لتحليلاتها العسكرية عن قوة كوريا الجنوبية النووية، واحتاج إلي أرائها في كيفية تخطي عقبات الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تعاني منه السودان، وكيفية استثمار الأراضي الزراعية هناك لتكون مصدرا هاما للغذاء في العالم العربي والقضاء على الفقر والجوع في أطراف الصومال، إني والله لمشتاق أيضا لتحليل رياضي حول نجاعه نادي ريال مدريد خلال الأشهر الماضية دون أي هزيمة، حتى إني اشتاق للحديث معها على مستقبل أولادي هذه محاور محادثاتنا خلال السنوات الماضية ما الذي تغير ؟

لقد أصبح الحديث يوما بعد الآخر روتينيا، الأسئلة في تزايد والإجابات في تناقص، الكهرباء والماء والانترنت والحرب القادمة ومتى ي فتح المعبر ومن المسئول عن تأخر معاشات الشئون الاجتماعية .

في كل بيت من بيوت غزة حكومة مصغرة لها متطلبات واحتياجات لا توفرها الحكومة الأم تحت ذرائع سياسية واقتصادية وأمنية واقصائية، ولاعتبارات مختلفة لا تقوم الحكومة بواجبها تجاه مسئولياتها لأنها عاجزة عجز الرضيع عن الكلام ولكن يبقى الصراخ هو سلاحها في تحديد مطالبها دون الإيفاء بالالتزامات عليها.

في غزة لا يوجد اثنان يختلفان على إنهما ضحية عشر سنوات عجاف من الحصار والانقسام والحروب المتتالية، دون تحديد الوصول إلي طوق نجاه أو مخرج حقيقي من الأزمة، ففي كل يوم يجد أولياء الأمور أنفسهم أنهم أمام مطالب أبنائهم المتزايدة وهو غير قادر على تلبيه اي جزء منها لظروف اقتصادية أو مالية أو بسبب إغلاق المعبر.

عذرا أصدقائي من انطبقت عليه مواصفات الحكومة المصغرة فليعلم أنه مقصود بهذا المقال ولا عتب عليكم ولا علينا لأننا في الهوا سوا. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد