الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فهو يسعى دائماً لإثبات ذاته بين أقرانه وفي مجتمعه. يبدأ الفرد منَّا رحلة تحقيق الذات منذ الصغر بين الوالدين والأقران داخل مجتمع له تقاليده وأعرافه وثقافته. ولكي يستطيع الفرد تملك قلوب المحيطين به، فعليه أن يتصف بمجموعة من السمات والمهارات والفنون التي تمكنه من التربع على قلوب الآخرين. ومن هنا يأتي السؤال، لماذا يسعى الإنسان إلى جذب انتباه الآخرين؟

 إن الإجابة على هذا السؤال ترجعنا رويداً إلى طبيعة النفس البشرية التي تنأى عن التجاهل والاستبعاد، وتتغذى على الحب والاهتمام. لذا هناك الكثير من الأسباب التي تدفع الإنسان إلى جذب انتباه الآخرين منها ما يندرج تحت مفاهيم تحصيل الحب والاهتمام وقسم آخر يندرج تحت مفهوم التسويق الشخصي. فيقدم الشخص أفضل ما لديه للفت نظر زملائه ومرؤوسيه للظفر بترقيات أو نيل علاوات أو حتى الانضمام إلى فرق عمل ناجحة. ببساطة من خلال جذب انتباه الآخرين يستطيع الإنسان تحقيق النجاح العملي والمادي.

من هنا، إن جذب الانتباه مهارة وفن، وتتعلق هذه الظاهرة مباشرة بمصطلح "السحر الشخصي" أو ما يعرف ب "الكاريزما" وهي كلمة يونانية الأصل تعني الهدية أو التفضيل الإلهي. وهي تشير إلى القدرة على التأثير على الآخرين إيجابياً بالارتباط بهم جسدياً وعاطفياً وثقافياً. ذكر ديفيد جيلسباي في كتابه "كيف تكون مثيراً للاهتمام؟" العديد من الشروط لجذب الانتباه، مثل التصالح مع الذات، والاهتمام بالآخرين، والقدرة على التواصل الفعال، وأخيرا الاهتمام بالهوية الذاتية.

إن كل شرط يتمتع بنفس المستوى من الأهمية مع الشروط الأخرى، ولكن أعتقد أن الاهتمام بالآخرين هو أكثر الشروط تأثيراً وأهمية لتعلقه بالغير ومحاولة كسبهم والتأثير فيم وتكوين دائرة صلبة وجديرة بالثقة من المعارف والعلاقات.

 الاهتمام بالآخرين هو ببساطة أن تُشعر الطرف الآخر أنه مهم عندك. وأنك تفرح لفرحه وتحزن لحزنه. ويكون الاهتمام بالآخرين من خلال العديد من السلوكيات مثل التقدير، وإظهار الحب، والسؤال عن الحال، والإنصات، والهدية، والكلمة الطيبة .. الخ.فعلى سبيل المثال، يكون التقدير بذكر محاسن الشخص والثناء على أفعاله. كأن تقول لأحدهم: "أنت متكلم بارع!" أو "أنت تبذل جهداً رائعاً وستحقق ما تصبوا إليه". فهذه العبارات فيها من التقدير والاهتمام بالآخرين ما يجعلك محل ثقة لديهم ويعطونك تصريحاً للدخول إلى قولبهم والتأثير فيهم، بل وسينعكس هذا الأمر عليك إيجابياً حتى أنك ستصبح مرجعهم في كل أمر يتخذونه لأنهم يشعرون أنك تمدهم بطاقة إيجابية أو بكلمة أخرى هم ينجذبون نحوك ربما لسبب غير محدد بالنسبة لهم، ولكنهم يشعرون بالراحة والطاقة الإيجابية عند الحديث معك.

 أيضاً الحوار الفاعل هي طريقة لكسب الآخرين. وأعني أن تُبقي على حماس الشخص عندما يتحدث معك. فمثلاً إذا بدأ بالحديث في موضوع ما. اترك كل مشاغلك واعره كامل انتباهك وإنصاتك. ولتشعره باهتمامك بحديثه أعطه عبارات تدلل على اهتمامك بحديثه ورغبتك في أن يسترسل الطرف الآخر ما بدأه، مثلاً إذا كان الشخص يتحدث عن مشكلة حصلت معه في العمل. وبدأ حديثه ب"لقد حصلت مشادة بيني وبين مديري في العمل" ثم سكت. يأتي دورك لحثه على الاستمرار في الحديث، فتقول "مديرك في العمل؟" أو "حقاً! ماذا حدث؟" فأنت بذلك تدفعه للاستمرار من خلال طرحك سؤالاً تقتبس فيه من الكلمات التي استخدمها الطرف الآخر في حديثه.

أحد الطرق الأكثر فعالية في كسب قلوب الآخرين هي سؤال الآخرين عن آرائهم في أمر معين. فعندما تسألهم عن رأيهم يعطيهم ذلك شعوراً بأنهم ذوي أهمية وفائدة لديك. فمثلاً أسأل زميلك في العمل عن رأيه في شراء هدية معينة لزوجتك؟ أو كيفية التصرف في موقف ما. فهذه الطريقة وبناء على تجربتي الشخصية لها ما لها في كسب قلوب الآخرين وإشاعة سحرك الشخصي على حياتهم.

أيضاً إن إجمال كلام الآخرين يعطيهم شعوراً أنك أحسنت الاستماع إليهم وعلاوة على ذلك يعطيك هذا الأمر فرصة للتأكد من فهمك لما قيل. وبالمثال يتضح المثال، عندما ينتهي الطرف الآخر من الحديث، لخّص حديثه واقتبس من كلماته ثم أبدي رأيك فيما قال بأسلوب ممتع وجذاب.

من هنا، نجد أن هناك علاقة طردية بين القدرة على التواصل الفعال ومستوى قبولك عند الآخرين. وكما تقدم فإن كسب قلوب الآخرين لا يحتاج لبذل جهد عظيم. فيمكن تحقيق هذا الأمر من خلال القيام بأبسط الأمور، كالإنصات مثلاً.لذا فالاهتمام بالآخرين يتطلب من الفرد التمتع بقدرات ذهنية خاصة والانفتاح على الآخرين وقبولهم. ولا أبالغ حين أقول أن كسب الآخرين هو الطريق لتحقيق سعادتك وصلاحك. ويعود الأمر بالنفع عليك علمياً وعملياً وستكتسب خبرات تحقق ترابطاً وتلاحماً وانسجاماً بين عالمك الداخلي والخارجي. ومن هنا تأتي السعادة!

إيميل الكاتب: emad@apextac.net

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد