كان ولا يزال من المفترض أن لا يكون مقبولاً على الفلسطينيين خاصة فصائل الصمت الفلسطيني السماح بمرور جملة رددها الرئيس محمود عباس في خطابه أمام المؤتمر السابع لحركة فتح حول الإنقسام وقوله “إلي حصل حصل”، وجاءت كرد الجميل لحركة حماس بالسماح لأعضاء المؤتمر من قطاع غزة بالسفر إلى رام الله ومغازلته لها ورفضه وصف استيلائها على السلطة في قطاع غزة بـ “الانقلاب”، والإشادة برسالة خالد مشعل الذي تلاها أحد نواب الحركة في المجلس التشريعي.
عشر سنوات من الإنقسام ليست حدثاً عابراً لم يؤثر على المشروع الوطني، وما وصل إليه حال الفلسطينيين من تشظي وتفسخ سياسي وإجتماعي وتدمير لمقومات الصمود الفلسطيني، وحال الناس والقضية يزداد سوء يوما عن الاخر، من قتل ومصابين ومعاقين وعائلات ثكلى وحصار وضيق العيش والمعاش، وانتهاكات حقوق الإنسان اليومية، الاعتقالات والتعذيب والتضييق على الحريات العامة والشخصية، والحصار الخانق وأثاره، والخدمات المتدنية، وازدياد نسب الفقر والبطالة، وتهديد الموظفون بفصلهم وقطع رواتبهم ويعيشون هاجس يومي.
والشعور بالعجز وغياب الامل وما يخبئه اليوم التالي، وبروز ظواهر جديدة كالعنف وغياب الأمان وتهديد السلم الاهلي، وعشر سنوات من الانكار والتعصب والإقصاء وعدم قبول الاخر، والتهديد والتخوين، ونفي الاخر والانتصار للعصبية الحزبية، وتعصب كل ضد الاخر وعدم قبوله، والإنتصار للطائفة الحزبية ظالما أو مظلوما من دون إعمال العقل، والدفاع عن الانتهاكات والاعتداءات بعقلية ثأرية، وتبريرها بطريقة قبلية تمتهن كرامة الانسان وحريته.
المخيف هذا التعصب والذي لا نرى له نهاية، وتصلب كل طرف حول الموقف الذي يتبناه ويدافع عنه باستماته من دون التفكير والنقاش ان الاحتلال هو العدو الرئيس وهو من ينتهك حقوق وكرامة وحرية الفلسطينيين جميعا، ولا يميز بينهم، بل يمعن في سياسته وتعميق الانقسام من اجل تمرير مشاريعه وما يخدم مصالحه.
وكل يوم تتجلى صور المأساة الفلسطينية اينما تواجدوا، من هجرة الى هجرة ومن موت بالصواريخ الى موت في عرض البحر، وهروب من واقع سيئ الى واقع مجهول، الى معاناة على المعابر وحصار مستمر، وإهانة للكرامة واحتجاز وتقييد للحرية.
والرئيس لا يرى ذلك فهو مستمر في توجهاته السياسية، وعشر سنوات من الانقسام والفشل و 25 عاماً من المفاوضات لا يزال مصراً على مواقفه السياسية، على رغم كل البطش الإسرائيلي والعنصرية والفاشية وربما قناعته بأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية لن تعطيه شيئاً، ولا توجد لديه خيارات أمامه سوى انتظار مزيد من المستوطنات، وإمكانية ضم الضفة الغربية قائمة من قبل حكومة اليمين الاستيطانية، أو انتظار وما سيفعله دونالد ترامب، ولم يعد هناك أي امل في أي تحرك سياسي حتى المبادرة الفرنسية لم تعد قائمة بعد رفضها القاطع من نتنياهو وتأجيل المؤتمر الفرنسي إلى أجل غير مسمى.
الرئيس مصر على إستكمال ما قام به من تجريف لأي معارضة في حركة فتح وأقصى، لأسباب شخصية، كل من وقف ضد سياساته، وكرس نفسه حاكماً متفرداً يمسك بكل السلطات في يده، ولا يزال مصراً على النهج نفسه والسلوكيات ذاتها، ولم يحصل أي تغيير في حركة فتح أو على المستوى الوطني.
فالرئيس مستمر في سياسته الإقصائية وتفسير القانون حسب الهوى والمصلحة، ولن يفيده ومن زين له إتخاذ قراراً برفع الحصانة عن خمسة نواب من كتلة فتح البرلمانية في المجلس التشريعي للتحقيق معهم بتهم جزائية خطير، فهو يعزز من إستمرار حالة التصدع والتفكك في النظام السياسي بكافة مكوناته وانهياره، بتغييب القانون الأساسي، والإمعان في انتهاك سيادة القانون والفصل بين السلطات، ومزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان ومنظومة العدالة، وغياب إرادة الإصلاح، وصولاً إلى نظام شمولي يقوم على الهيمنة والتفرد في القرار.
المسألة تتعدى تطبيق القانون والإنتخابات كما يردد الرئيس دائماً، وإنهاء الإنقسام وإتمام المصالحة، إنما الحاجة ملحة لإعادة الإعتبار للمشروع الوطني وبناءه، وما حصل لا يزال يحصل وهو وصفة مجربة لعميلة التدمير الذاتي والخذلان والإحباط وضياع الأحلام ومزيد من خيبات الأمل، إذا هو حال العجز الوطني والسياسي.
Mustafamm2001@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية