240-TRIAL- من حسنات الانقسام أنه أعطى لكل من القوتين المتصارعتين ميدانا واسعا ومستقلا ليجرب كل منهما دون إزعاج الآخر حظه في ممارسة برنامجه.. السياسة من جانب والسلاح من جانب آخر، ولسبع سنوات ماضية كانت الضفة الغربية وقطاع غزة حقلي التجربة لكل منهما حيث ذهب إلى أبعد مدى في برنامجه والنتيجة أن لا شيء تحقق وهذا يستدعي أكبر من وقفة تفكير بل شيء على نمط صعقة كهربائية للإفاقة من وهم شعار أننا نقترب من الاستقلال لأن الواقع يقول إن النتيجة معاكسة.
فقد ذهبت الضفة بمشروعها في التسوية والالتزام بالاتفاقيات.. بالمفاوضات والتنسيق والتنفيذ الحرفي لما جاء في النصوص المحددة في العلاقة مع الإسرائيلي وتم جمع الأسلحة وتحررنا من فكرة أن المفاوضات مع إسرائيل كانت تتقدم ولكن عمليات حركة حماس المسحوبة كانت تخرب كل شيء، فلا عمليات تشوش على المفاوضات ولا أجنحة مسلحة للفصائل ولا تمرد على أوسلو، النتيجة أن كل هذا الالتزام كان بلا جدوى وأن الإسرائيلي أغلق بوابة التسوية بعد أن ابتلع الضفة الغربية وأغرقها بالاستيطان إلى الدرجة التي بدت فيها التجمعات السكانية الفلسطينية كجزر معزولة تستحيل معها إقامة الدولة الفلسطينية ويصبح الحديث عن حل الدولتين ضربا من الأحلام.
وعلى الجانب الآخر في غزة تمكنت حركة حماس من طرد السلطة والتزاماتها وتحررت من قيود كانت تعتقد أنها العائق أمام تحقيق فكرتها في قتال إسرائيل عسكريا والحصول على الاستقلال، ولم تشكل حركة فتح خلال السنوات الماضية في ميدان غزة أي تشوش على تسليح وتطبيق "حماس" لبرنامجها بحيث أعدت الأخيرة مسرح عملياتها كما كانت تريد من تسليح وأمن ومؤسسات وسلطة اعتبرتها سلطة المقاومة في حالة تمرد كبيرة على منظومة العلاقات التي أريد لها أن تكون بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وفي إطار تجربة برنامجها كان هناك ثلاث حروب شرسة آخرها هي الأطول بين تلك الحروب والنتيجة أيضا لا شيء.
إذن، نحن أمام استعصاء وعجز البرامج عن الاقتراب من الاستقلال وربما يكون الأمر معاكسا تماما حين يتم الغوص في الضفة الغربية وغزة بمفاوضات مع الإسرائيلي سواء مباشرة أو غير مباشرة على القضايا الإنسانية وبعيدا عن القضايا الوطنية، وقد يقول قائل إن الوقت الذي تمت فيه التجارب لا يكفي وإن المراقبين يستعجلون في إصدار الأحكام أو إن التحرير يحتاج إلى وقت طويل وإن هذا نوع من الإحباط أو التركيز على الفشل، ولكن السؤال الذي يمكن أن يقف أمام هذا القول هو أن الخط البياني لا يشير إلى صعود ثابت وحتى بنسبة صغيرة حتى نقول إننا نسير في المسار الصحيح سواء في الضفة أو في غزة ونحتاج إلى وقت أطول.
وربما أن النظرة من الجهة الإسرائيلية تعكس الأزمة بوضوح أكبر، فقد قام المشروع الإسرائيلي منذ سنوات بعد إدراكها لصعوبة تنازل الفلسطيني عن الحد الأدنى الممكن أي دولة في حدود 67 واستحالة موافقة أي حكومة إسرائيلية على هذا الحد، تغير برنامجها تجاه الفلسطينيين إلى شقين وهما إحكام السيطرة على الضفة الغربية والشق الآخر فصل غزة.  وإذا ما دققنا أكثر سنكتشف أن إسرائيل استولت استيطانيا على معظم أراضي الضفة بحيث لم يبق ما يمكن التفاوض حوله، ونجحت في فصل قطاع غزة الذي أصبح منطقة منفصلة عن باقي الوطن وبسلطة مختلفة وحين أراد الفلسطينيون إنهاء هذا الفصل اكتشفوا أن المسألة أبعد من حسن نوايا وأن الواقع المركب بتعقيداته على الأرض أصعب كثيرا من تغيير واقع الفصل في غزة التي تباعدت في السنوات الأخيرة ليس فقط جغرافيا بل اقتصاديا وثقافيا ونفسيا.
إذن، نحن أمام انسداد لمشروعي حركتي فتح وحماس بعيدا عن قدرة اللغة وبلاغة مفرداتها التي تحاول أن تنكر ذلك، أما الفصائل الأخرى فلم يكن دورها أكثر من مساعدة الطرفين في تجربة برامجهما بكل إخلاص، فقد تصرفت في الضفة وفقا لما تقتضيه شروط أوسلو وعلى رأسها غياب أجهزتها المسلحة، وفي غزة تصرفت بما هو رافض لهذه الاتفاقيات وشكلت أجهزتها العسكرية إلى جانب حركة حماس، مارست سلوكا ينسجم مع ما يتطلبه النظام القائم في غزة والضفة بلا إزعاج بل كان رديفا لكل منهما والنتيجة أن لا نتيجة على صعيد الاستقلال.
هذه المعادلة بأعدادها وأرقامها وإشاراتها ومحاولات الخروج بنتيجة هي معادلة مركبة ومعقدة وهذا ما نقصده حين نقول إننا بحاجة إلى ما هو أكبر من وقفة أمام حصاد الكفاح الوطني بتكاليفه التي تدفع حتى الآن من دم في غزة وأرض في الضفة وهي ما يستوجب النظام السياسي الفلسطيني أن يستولد مخارج لأزمة الاستعصاء القائمة من هذه المعادلة المركبة. ما هو الحل إذن؟ نغير الفصائل؟ ليس المطلوب تغيير القوى الفلسطينية القائمة والتي قدمت بحسن نواياها ما يكفي لإقناع الشارع بجدارة قيادتها له ولكن الطريق إلى جهنم أحيانا ما يكون معبدا بالنوايا الحسنة، لكن المطلوب من هذه الفصائل أن تتوقف وتعيد النظر للوراء وتفكر مرة أخرى بالوسائل وجدارة الطريق وهنا دور الفكر السياسي الفلسطيني الغائب عن اشتقاق معادلات جديدة حين ينغلق الأفق.
ان قوة إسرائيل ليست عسكرية فقط وإن بدا ذلك للوهلة الأولى بل تكمن قوتها في الفكر السياسي الفاعل والذي يحدد للقوة العسكرية دورها، قوتها في التفكير الاستراتيجي ومؤتمرات الفكر ومراكز الدراسات الموجودة في كل جامعة، وقوتها في أنها تعرف ماذا تريد لسنوات قادمة، وأحد الأمثلة أن مفكري إسرائيل في مؤتمر هرتسيليا التاسع الذي انعقد قبل خمس سنوات كانوا قد قدموا تصورا لقطاع غزة العام 2028 ووضعوا سياسية تتلاءم مع هذا التصور وأن القوة العسكرية أحد أدوات التنفيذ ليس أكثر.
هذا ما يغيب عندنا ويجب أن نعيد للفكر السياسي اعتباره خصوصا في الأزمات الوطنية الكبرى، ونحن الآن في عنق الزجاجة وعلينا البحث عن مخرج، علينا إجراء مراجعة للتجربة أو للتجربتين، فإسرائيل لديها نقاط ضعف كثيرة وكبيرة ولدى الفلسطينيين نقاط قوة كبيرة وليس أمام الفلسطيني سوى خيار الانتصار والسؤال هو كيف؟ الإجابة لدى الفكر السياسي الفلسطيني ولدى الفصائل ومفكريها ...!
Atallah.akram@hotmail.com
281

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد