مع سيطرة قوات الحكومة العراقية على حي الزهور، اكبر أحياء الموصل، ومع بحث الروس والأميركان خطة الخروج الآمن لمقاتلي المعارضة المسلحة من شرق حلب، يكون فصل مهم من حرب التفكيك التي تدور منذ سنوات في كل من العراق وسورية قد حط رحاله، مع أن ذلك لا يعني أبدا ولا بأي حال من الأحوال بأن الحرب في العراق وسورية قد وضعت أوزارها، أو أن أحد أطرافها قد حقق النصر المبين، ولو على أشلاء وجثث الضحايا الذين فاقوا دون ريب مئات الآلاف.
لكن يبدو أن التزامن في التوقيت بين معركة الحكومة العراقية مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وبين معركة النظام السوري وقوات المعارضة المسلحة، حول كل من الموصل وحلب اللتين تعتبران كل منهما بمثابة المدينة الثانية بعد العاصمتين: بغداد ودمشق على التوالي، له علاقة بوجود البعد الدولي في الحرب، ذلك أن روسيا سهّلت أو غضت النظر عن حرب الحكومة العراقية الحليفة لواشنطن في الموصل، مقابل غض واشنطن بدورها النظر عن حرب النظام السوري الحليف لروسيا في حلب، ما يمّكن من تعزيز قبضة كلا الدولتين في العراق وسورية على التوالي، ويظهرهما كقوتين تحققان النصر وتفرضان الهيبة، ليس داخل بلادهما وحسب ولكن أمام الدول الأخرى. 
لكن رغم هذا فإنه لابد من القول إنه وحتى مع اقتراب إعلان النصر، في بغداد ودمشق، إلا أن الأمر لن يكون نهائيا، وكما يقول المثل، المهم «مين اللي راح يضحك بالآخر» فرغم أن موسكو تبدو هي من تحقق التقدم والنصر منذ أن دخلت الحرب ميدانيا في سورية في تشرين الأول من العام الماضي 2015، ذلك أن «داعش» عدو الجميع، والحرب ضدها من قبل حكومة بغداد ومعها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لا يبدو انه متعاكس مع سياسة روسيا في المنطقة، في حين أن الحرب ضد مقاتلي المعارضة في حلب، تبدو ضد واشنطن وحلفائها من دول الخليج وحتى تركيا، الداعمين لمقاتلي المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد. 
فإذا كانت موسكو قد «ضحكت في عبها» وهي ترى قوات التحالف بقيادة واشنطن تحارب «داعش» في العراق دونها، فإن ما يمكن وصفه ـ تجاوزا ـ بخوض نصف الحرب ضد «داعش» في العراق، أي دون سورية، وقد تبين ذلك من خلال ممارسة الضغط على «داعش» لتخرج من العراق، دون تدميرها، بقصف أرتال قواتها المنسحبة قبل اندلاع حرب الموصل، من قبل الطيران الأميركي، وحتى تذهب داخل ممر إجباري لسورية، يعني بأن أميركا تطرد «داعش» من سورية وتقوم بدفعها في الوقت ذاته إلى سورية.
ولأن «داعش» تتقن فنون القتال، خاصة جانب حرب العصابات منه، فقد خرجت من الموصل بمعظم قواتها لتجنب ذاتها التدمير الكامل، ولأن قوات النظام السوري منشغلة بالحرب في حلب، فقد اندفعت تجاه تدمر، حيث استعادت معظمها قبل أيام!
في الوقت ذاته، حيث كل طرف دولي: أميركا وروسيا، أو إقليمي ـ تركيا على نحو خاص، يندفع للسيطرة على مواقع ومناطق بعد أن صارت العراق وسورية ساحتي قتال لحرب الكر والفر، وذلك عبر حلفاء خاصين به، أميركا حليف حكومة بغداد، روسيا حليف نظام الأسد، تركيا حليف الجيش الحر، وهكذا، حيث فقط «داعش» لا حليف لها رسميا أو معلنا، مع انه يتم توظيفها عن بعد ـ ربما من قبل الجميع، فالعراق وأميركا يدفعان بها إلى سورية، والنظام السوري يدفع بها للاصطدام مع النصرة والجيش الحر، وهؤلاء يحاولون أن يدفعوا بها في وجه النظام، وهكذا دواليك. 
مع انشغال روسيا ونظام الأسد بمعركة حلب، اندفعت «داعش» تجاه تدمر لتضيفها للرقة معقلها الأخير، فيما اندفعت تركيا والجيش الحر نحو مدينة الباب التي تسيطر عليها «داعش»، وهكذا تختلط الأوراق في ساحة قتال تشمل شمال العراق وشمال سورية.
ما يزيد من اختلاط الأوراق، هو التحول السريع في التحالفات، فبعد أن كانت تركيا ضمن تحالف تقوده واشنطن ويشمل دول الخليج، في الحرب ضد نظام الأسد، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، والتي على أثرها ابتعد عن واشنطن قليلا واقترب بشكل اكبر من موسكو، باتت أنقرة تخط لنفسها طريق منفصلا في سورية، فهي تهتم بالمناطق القريبة من حدودها الشرقية ـ لذا دخلت مع الجيش الحر مدينة الباب. 
وبعد أن كانت مصر تشكّل مع السعودية والأمارات محورا إقليميا، وبعد أن ظهر الخلاف السياسي بين مصر ودول الخليج في الملف السوري تحديدا، فإن رفع يد الخليج عن مصر، أعاد الروح للإخوان، كذلك فإن دخول أنقرة الحرب ضد «داعش» في الباب فتح عليها حرب الإرهاب أيضا.
وخلال ساعات كانت التفجيرات تعصف بتركيا ومصر معا، وهذه المرة فإن التفجير في كاتدرائية العباسية، يعني فتح جبهة الصراع الطائفي/ الديني على مصراعيه، وفتح جبهة أمنية إضافية، غير جبهة سيناء على القاهرة، تزيد من إرهاقها الاقتصادي، الذي إذا ما أضيف له الإرهاق الأمني داخل القاهرة، فإن ذلك يعني محاولة إسقاط نظام الاستقرار الذي يوحد البلاد.
جرّ مصر وتركيا معا، وكل منهما من زاوية مختلفة وربما لتحقيق هدف مختلف، إضافة للحرب المتواصلة داخل كل من العراق وسورية، إضافة للاستمرار في استنزاف السعودية بحرب اليمن، يعني أن عملية تمزيق الشرق الأوسط بدوله المركزية إنما هي عملية مستمرة، وان اختلطت أوراق اللعبة بين حين وآخر!


Rajab22@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد