2014/09/13
52-TRIAL-
فجر الدكتور موسى ابو مرزوق نهاية الاسبوع الماضي قنبلة سياسية ثقيلة الوزن تمثلت في استعداد حركة حماس للتفاوض مع اسرائيل "اذا ما بقي الحال على ما هو عليه الان". الكلمات تم اختيارها بعنايه فائقة ادراكا من الرَجُل لحساسية ما يقول و تقديرة لردود الافعال التي ستصدر عن اطراف عده، منها من سيشعر انه متضرر من هذا الموقف و منها من سيبارك سواء كان في السر او العلن، و لم يكن مصادفه اختيار فضائية الاقصى التابعه لحماس كمكان للاعلان عن هذا التصريح.
ردود الفعل كانت سريعه، و لان الدكتور موسى ابو مرزوق ليس مجرد قائد في حماس او ناطق اعلامي مع الاحترام الشديد لكل الناطقين الاعلاميين، كان رد حماس السريع في عدم نفي ما قاله بل توضيح المقصد من ذلك وهو عدم التفاوض المباشر مع الاحتلال و فقط مفاوضته بشكل غير مباشر كما حدث في سابق. تعقيب يؤكد بما لا يدع مجال للتأويلات ان ما قاله الدكتور موسى لم يكن صدفه او هفوه بل كان بتنسيق و علم قيادة حماس و مؤسساتها المختلفه. هذا لا يعني بطبيعة الحال ان الجميع يتفق مع هذا ( التكتيك) بل من المتوقع ان تسمع وجهات نظر مختلفه . تماما كما حدث للمنظمة و حركة فتح عندما قررت التفاوض المباشر مع اسرائيل و ما تبع ذلك من اتفاقات سياسية لها ما لها و عليها ما عليها.
على اية حال، و بعيدا عن الانتقادات التي سُمعت من هنا وهناك، و بعيدا عن استخدام الدين في عملية التحليل و التحريم و العودة الى تذكير بعضنا البعض بما قيل في السابق و ما سيقال اليوم، ان ما قاله الدكتور موسى ابو مرزوق هو ناتج عن الانسداد في الافق للمشروع الوطني الفلسطيني و هو تعبير عن حالة العجز و الشلل الذي يعاني منه النظام السياسي الفلسطيني، وهو بشكل خاص انعكاس لما تواجهه حركة حماس و قدرتها او عدم قدرتها على احداث اختراق في الحصار المفروض و تغيير في الوضع الذي كان سائدا قبل وبعد العدوان الاخير على غزة .
ما قاله الدكتور موسى هو انعكاس لحالة الاحباط من فشل اتفاق مخيم الشاطئ و ما نتج عنه من حكومة ظلما سميت حكومة وفاق لم يكن عجزها و فشلها مفاجأة على الاقل بالنسبة لي لان الدرس الاول الذي تعلمته في السياسة ان معالجة الازمات و ازالة العقبات لا يمكن ان يتم من خلال التهرب منها او انكار وجودها او وضعها تحت الطاولة الى حين. ما دفع حماس للتعبير عن استعدادها للتفاوض مع اسرائيل في هذا الوقت بالذات هو بمثابة رد فعل ايضا من وجهة نظرهم على الهجوم الاعلامي غير المسبوق الذي شنه الرئيس عباس شخصيا على حركة حماس و مواقفها مما اصابهم بالاحباط الشديد و فقدان الامل في اجراء اي تغيير في الاسابيع و الاشهر المقبلة، مما سيعكس نفسه على الاوضاع في قطاع غزة من فك للحصار واعادة الاعمار.
ما قاله الدكتور موسى ابو مرزوق هو رسالة ايضا للاخوة المصريين ، حيث تعتبر حماس ان ما حدث من عدوان و ما سال من دماء و ما حدث من دمار لم يغير الموقف المصري السلبي تجاه حماس. هو ناتج عن شعورهم ان مفاوضات القاهرة سواء كانت السابقة او اللاحقة ان حدثت لن تغير من الواقع بشيئ.
على الرغم من ذلك و بعيدا عن الهوس او التحليل الذي ليس له علاقة بالمنطق و الذي في الغالب يستند على معلومات و تقارير و تقديرات امنية كاذبه فأن الاعتقاد ان ما قاله الدكتور ابو مرزوق هو رسالة تعبير عن الغضب و الاحباط و اليأس موجه للرئيس عباس نتيجة مواقفه الاخيرة السلبية من وجهة نظرهم و كذلك هو رسالة للاخوة المصريين بضرورة تغيير مواقفهم السلبية تجاه حركة حماس.
مع ذلك، لنفترض ان الرسالة موجهه بشكل مباشر للطرف الاسرائيلي، وانها رسالة ليست تكتيكية بل فعلا حماس لديها الاستعداد ان تفتح خطوط مباشرة مع الطرف الاسرائيلي، بما يشكل عملية التفاف على الدور الحصري الذي تقوم به منظمة التحرير منذ عشرين عام باعتبارها الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، هل هناك من يعتقد ان اسرائيل ستتراقص فرحا و ستلتقف هذا التصريح و تبارك حركة حماس على هذا الموقف؟. المشوار طويل و طول جدا، اطول بكثير من المشوار الذي قطعته حركة فتح و منظمة التحرير و الثمن ايضا سيكون اغلى بكثير.
ليس مصادفه انه وحتى هذه اللحظة لم يعلق او يعقب على ما قاله الدكتور موسى ابو مرزوق اي مسؤول اسرائيلي رسمي. لقد تم تناول الموضوع في الاعلام الاسرائيلي و تناقلته بعض المواقع الالكترونية العبرية. لكن اذا ما قررت اسرائيل الاستفادة من هذا الموقف فأن الثمن الذي ستطلبه باهض جدا بحث لن تستطيع حركة حماس تسديده، على الاقل في الوقت الراهن.
لكي توافق الحكومة الاسرائيلية على مفاوضة حماس بشكل مباشر، سواء كانت مفاوضات سياسية او مفاوضات لها علاقة بالوضع الاقتصادي و الانساني لقطاع غزة فأن الشروط الاسرائيلية لن تكون اقل من ان تعلن حماس عن وقف كافة العمليات العسكرية ضد اسرائيل سواء كان في غزة او الضفه ووقف تصنيع الصواريخ وتدمير ما لديها و التوقف عن بناء الانفاق و تدمير ما لم يدمره الاحتلال و الاعتراف بشروط الرباعية، اي الاعتراف باسرائيل، و تغيير بنود ميثاق حماس كما غيرته منظمة التحرير ووقف التحريض في وسائل الاعلام . بعد كل هذه الشروط نتنياهو اذا ما اقتنع سيبذل الكثير من الجهد لاقناع اعضاء اليمين في حكومته و حزبه لكي يجلس على طاولة واحدة مع حماس او يسمح لاي طرف رسمي بالجلوس معها.
اي عاقل يعرف ما يدور من حوله يدرك ان حماس لا تستطيع ان تلبي هذه الشروط الاسرائيلية او حتى جزء منها، و ليس هناك اي مصلحة وطنية او سياسية لدفع حماس بهذا الاتجاه. البديل هو ان يبحث الفلسطينيون عن ما يوحدهم و يضمد جراحهم و يرص صفوفهم بدل من ان يضحكوا عليهم العدو قبل الصديق و القريب قبل البعيد.
البديل عن حالة الضياع هو الذهاب فورا الى حكومة وحدة وطنية حقيقية قادرة على تحمل اعباء المرحلة، و الذهاب الى انتخابات تشريعية و رئاسية و تفعيل الاطار القيادي المؤقت الى حين انتخاب مجلس وطني جديد و لجنة تنفيذية جديدة و تفعيل المجلس التشريعي الى حين اجراء الانتخابات.
Dr.sufianz@gmail.com 29
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية