قرر مؤخراً رئيس بلدية القدس المحتلة الإرهابي ( نير بركات )، بالاتفاق مع ما يُسمى ( لجنة احياء ذكرى الهجمات الإرهابية ) إطلاق أسماء جديدة على بعض شوارع ومعالم القدس المحتلة، ومنها ساحة باب العمود التي شهدت أول عملية فدائية في انتفاضة القدس نفذها الشهيد مهند الحلبي. فما هي خلفيات وجذور هذا القرار الصهيوني ؟ وما المطلوب فلسطينياً لمواجهته ؟
تأتي عملية إطلاق أسماء جديدة على بعض شوارع ومعالم القدس المحتلة في سياق مشروع تهويد القدس وكل فلسطين، وتتغير طابعها العربي والإسلامي والمسيحي، وفي إطار عبرنة وأسرلة القدس وفلسطين وسرقة تراثها وحضارتها وتاريخها، كما تُعتبر حلقة أُخرى للخطة المنهجية الصهيونية التي تستهدف مسح معالم وطن بأكمله يتم بواسطتها محو الذاكرة التاريخية والهوية الوطنية الفلسطينية المرتبطة بالأرض منذ آلاف السنين، واستمراراً للحرب الثقافية الهادفة إلى إضفاء الشرعية على الوجود اليهودي في فلسطين وشرعنة ضياعها بعد أن ضاعت فعلياً بالحرب العسكرية.
وتغيير أسماء الشوارع والمعالم في القدس خاصة وفي فلسطين عامة من العربية إلى العبرية يُراد من ورائها ربط الأسماء العبرية ذات الجذورالتوراتية بالتاريخ اليهودي القديم لنفي الرواية التاريخية الفلسطينية وتأكيد الرواية التاريخية الصهيونية , وإعادة تركيب البيئة المكانية من جديد لتنسجم مع الرواية الصهيونية التي تزعم ملكية اليهود لفلسطين، وهي عملية تجاوز للاحتلال والاستيطان إلى التهويد والعبرنة والأسرلة بواسطة استبدال الأسماء العربية بالعبرية والإسلامية والمسيحية بالتوراتية، في أكبر عملية لتزييف التراث الثقافي وتزوير التاريخ الوطني.
والجذور التاريخية لتغيير أسماء المعالم الجغرافية لفلسطين بدأت مع بداية المشروع الصهيوني ونشأة الحركة الصهيونية التي أرسلت إلى فلسطين عام 1871م بعثة ( صندوق استكشاف فلسطين ) وقامت بعملية مسح للمواقع الجغرافية والمعالم التاريخية لتزعم وجود ( 622 ) اسماً عبرياً توراتياً لمعالم فلسطينية. وبعد إنشاء الوكالة اليهودية لمؤسسة ( الكيرن كيمت ) المختصة بشراء وإدارة الأراضي الفلسطينية، شكلت هذه المؤسسة ( لجنة الأسماء ) قبل عام 1948م مهمتها إعطاء أسماء عبرية توراتية للمعالم الجغرافية والتاريخية الفلسطينية . وبعد قيام دولة ( اسرائيل ) شكلت الحكومة الصهيونية ( لجنة النقب ) عام 1949م مهمتها تغيير أسماء الأماكن في النقب من الأسماء العربية إلى العبرية التوراتية، امتدت صلاحيتها إلى كل فلسطين. وفي عام 1951م تم دمج لجنتي الأسماء والنقب في لجنة واحدة تضم علماء في الجغرافية والتاريخ والآثار واللغتين العربية والعبرية لا زالت هذه اللجنة تعمل حتى اليوم.
ومن نتائج هذا الجهد الصهيوني المنهجي والمتواصل تم استبدال أسماء الآلاف من الشوارع والمعالم والأمكنة الفلسطينية، ابتداءً من فلسطين التي أصبحت ( إسرائيل )، وانتهاء بساحة باب العمود التي أصبحت ( ساحة الأبطال ) ، مروراً بالضفة الغربية ( يهوداً والسامرة )، والقدس ( اورشليم )، والمسجد الأقصى ( هارهبيت )، وحائط البُراق ( هكوتل / حائط المبكى ) , وبحيرة طبرية ( يم هجليل )، والبحر الميت ( يم هميلح )، ومرج سهل بن عامر (عيمق يزراعيل ) , وجبل الجرمق ( هارميرون ) ... وغيرها من الآلاف التي كثير منها أسماء كنعانية تم سرقتها تطبيقاً لأمنية زعيم الحركة الصهيونية الأول ( ثيودور هرتزل ) الذي قال :"إذا حصلنا على القدس وكنت لا زلت حياً فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود وسوف ادّمر الآثار التي مرت عليها القرون" والتدمير والإزالة التي يتحدث عنها هرتزل لاتعني بالضرورة أن تكون مادية – رغم تدميرهم وإزالتهم لأكثر من ( 400 ) قرية فلسطينية – بل تكون معنوية ومنها تغيير أسمائها إلى العبرية .
والمطلوب فلسطينياً أن لا نُسلّم بالتغيير في أسماء المعالم الفلسطينية , وأن لا نستخدمها في حياتنا اليومية وانتاجنا الثقافي، وتأكيد الهوية العربية الإسلامية لفلسطين بمختلف الأدوات والوسائل المتاحة ومنها: الكتب والمقررات الدراسية، والأطالس الجغرافية والمعاجم التاريخية، والأدلة السياحية، والبرامج الإعلامية، والمحافل الدولية ... فأسماء شوارع ومعالم القدس وفلسطين أكثر من مجرد أسماء لأنها ذاكرة شعب ووطن بأسره.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية