248-TRIAL- ليس صدفة أن تعود إسرائيل لطرح مشروعها القديم – الجديد الذي سمي عند إطلاقه خطة غيورا آيلاند نسبة إلى صاحبه اللواء احتياط الذي كان رئيس مجلس الأمن القومي، وهذه المرة جاء الطرح بصيغة تحايلية وكأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تسرب خبراً عن لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، حيث يقول الخبر أن الرئيس السيسي عرض على الرئيس أبو مازن توسيع قطاع غزة باتجاه سيناء بمساحة قدرها 1600 كم مربعاً لإقامة دولة فلسطينية هناك يتم فيها توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتتحول الضفة إلى منطقة حكم ذاتي تستطيع فيها إسرائيل أن تضم المستوطنات وتلحقها بها وتفرض سيادتها عليها. فالطرح اليوم مرتبط بتعثر الجهود لإيجاد حل لمشكلة قطاع غزة المرتبطة بالحصار المفروض عليه ومنع عملية إعادة الإعمار. ويبدو أن بعض الأوساط الإسرائيلية تستند إلى المطالب الفلسطينية التي تشمل المطار والميناء وإقامة صلات مع العالم الخارجي دون تدخل إسرائيل.
خطة آيلاند الأصلية التي اطلقها قبل 14عاماً تنص على توسيع قطاع غزة بمساحة إضافية تصل إلى حوالي ضعفي مساحته في المنطقة الواقعة جنوب القطاع من البحر غرباً وحتى كرم أبو سالم شرقاً باتجاه منطقة العريش في اطار مربع يجعل غزة دولة بثلاثة أضعاف مساحتها الحالية على اعتبار أن غزة تعاني من اكتظاظ سكاني كبير وظروف اقتصادية- اجتماعية صعبة وحل مشكلتها يجري عبر مصر. أما في الضفة فيحدث تقاسم وظيفي ثلاثي يشمل إسرائيل والأردن وفلسطين بمعنى أنها لا تكون منطقة سيادية فلسطينية كغزة وتستطيع إسرائيل أن تسيطر على المساحة التي تريدها من الضفة ويجري الحديث عن مناطق لا تقل عن 13% من المساحة الإجمالية للضفة ومقابل هذه المساحة التي من المفروض أن تكون مساوية أو أقل قليلاً من المنطقة التي تمنحها مصر لغزة، تعطي إسرائيل لمصر ممراً برياً يربط بين طابا والأردن يشمل خطاً سريعاً وقنوات للماء والنفط بين مصر والأردن والعراق ودول الخليج. أي باختصار يراد من هذه الخطة تصفية القضية الفلسطينية تماماً والسماح لإسرائيل باقتطاع ما رغبت به من الأراضي الفلسطينية لصالح مشروعها الاستيطاني الذي من خلاله تحتفظ بالسيطرة على المناطق الإستراتيجية المهمة من حيث الأمن والمياه والموارد الأخرى.
والسؤال هو لماذا يأتي الطرح في وقت لا تبدو فيه أية إمكانية للتعاطي مع هذا المشروع؟! فالقيادة المصرية الحالية ترفض مبدئياً فكرة التنازل عن أي قطعة من الأراضي المصرية بل أنها تجري مراجعات لعمليات بيع الأراضي التي حصلت في سيناء بشكل غير قانوني، وبالذات لأن التخلي عن أجزاء من سيناء قد يفاقم المخاطر الأمنية على مصر إذا لم تستطع السلطة الفلسطينية التي ستقوم في غزة السيطرة على الوضع. كما أن القيادة الفلسطينية (قيادة منظمة التحرير) ترفض الفكرة من الأصل لأنها ترى فيها تدميراً للمشروع الوطني الفلسطيني والقضاء على حق الشعب على أرض وطنه، ولا مجال إطلاقاً للتعامل مع هكذا خطة لا تستجيب إلى الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. هل الطرح الجديد هو لمخاطبة " حماس " مثلاً؟ 
يبدو أن إسرائيل لا تزال تفكر في الإبقاء على الانقسام وتكريسه في الساحة الفلسطينية، وهذا في الواقع هو الهدف الأبرز لحرب غزة الأخيرة التي كانت موجهة أساساً ضد المصالحة والوحدة الوطنية. وتريد السلطات الإسرائيلية استغلال الصعوبات القائمة في تحقيق المطالب الفلسطينية التي تتطلب عودة السلطة إلى قطاع غزة، والخلافات الفلسطينية- الفلسطينية حول تولي المسؤولية في القطاع، حيث لا تريد "حماس" التخلي عن السلطة الفعلية في غزة وتريد أن تكون حكومة التوافق عبارة عن غطاء لتسهيل إعادة الإعمار و فتح المعابر، بينما الرئيس أبو مازن، الذي لم يعد يثق بنوايا "حماس" ويشعر بالغضب الشديد من سلوكها تجاهه، يشترط عودة السيطرة الكاملة للسلطة على مختلف مناحي الحياة في غزة بدءاً من المعابر والحدود وحتى أبسط الأمور، ويرى ضرورة كسر احتكار قرار الحرب التهدئة ليصبح جماعياً. ويظهر أن إسرائيل تراهن على فشل الجهود لاحتواء الخلاف لتخاطب الفصيل الحاكم في غزة علها تجد آذاناً صاغية لديه، خاصة وأن المشروع الإسرائيلي يستجيب لكل مطالبه ويسمح بإنشاء الدولة المستقلة في القطاع والحصول على الأمن والاستقرار على حدودها مع غزة. وحتى لو لم يكن هذا المشروع قابلاً للتحقيق الآن فمجرد طرحه ربما يحيي الآمال لدى البعض في الاستمرار في الحكم وبناء الإمارة الإسلامية التي تتعرض بين فينة وأخرى لانتكاسة وأكثرها شدة وخطورة ما تعرضت له خلال الحرب الأخيرة والأزمة التي سبقتها بعد سقوط نظام "الإخوان المسلمين" برئاسة محمد مرسي في مصر. وهو الوحيد الذي تعاطى إيجابياً مع خطة غيورا آيلاند وحاول تسويقها فلسطينياً حسب اعتراف الرئيس محمود عباس.
إذا كان الهدف الإسرائيلي هو إحياء الآمال بعودة فكرة دولة غزة الموسعة التي لا ترفضها حركة "الإخوان"، فالهدف الآني المباشر هو إحباط محاولات التوصل لحل الخلافات الفلسطينية الداخلية وخاصة بين "حماس" والسلطة. والتفكير الإسرائيلي يذهب نحو تغذية الخلافات وتعميقها من خلال طرح مشاريع قد يظن أحد أنها قابلة للتطبيق وتحقق له مصلحة دفينة. والرد على إسرائيل في هذا الشأن لا ينبغي أن يقتصر فقط على رفض مشروعها، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى تحصين المصالحة وتعميقها وترسيخ وحدة السلطة في الضفة وغزة بما يحقق المصلحة الوطنية العليا. فالانقسام هو أشد المخاطر على قضيتنا والإبقاء عليه ينسجم مع مصلحة إسرائيل، فهل نعتبر مما يجري حولنا؟! 256

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد